فيديريكا ساليولا
نعيش الآن منذ نحو عقد من الزمن مع برامج رقمية بدأ تأثيرها في تغيير أساليب عملنا يتجلى بشكل محسوس. ورغم أن هذا يستحق اهتماما وتقصيا أكبر، فإن التركيز ينصب بقوة على أجهزة الروبوت والميكنة. فالمنصات الرقمية تُحدِث ثورة في نماذج أنشطة الأعمال التقليدية.
ولم يعد الحضور الشخصي شرطا لممارسة النشاط، فشركات المنصات لا تقدم منتجات أو خدمات نهائية، بل إنها ببساطة تربط بين البشر والشركات والأماكن، فهي منصات للتوفيقات، لكن تدفعها قوة التكنولوجيا الرقمية – نموذج تقليدي لأنشطة الأعمال يتمتع بقوة خارقة بفضل الأدوات الرقمية الجديدة.
وهذه المنصات الرقمية تترابط على نطاق عالمي، فالتكنولوجيا الرقمية تتيح التوسع السريع. “جمالون”، متجر إلكتروني لبيع الكتب ينشط في عَمان في الأردن منذ عام 2010، يعمل فيه أقل من 100 موظف، لكنه أبرم شراكات مع أكثر من 3000 ناشر عربي، و27 ألف ناشر إنجليزي، وطرح عشرة ملايين كتاب جديد في منطقة الشرق الأوسط. أنشطة الأعمال المعتمدة على المنصات الرقمية في زيادة مطردة في جميع أنحاء المعمورة، لتتيح فرصا جديدة لتبادل السلع والخدمات.
فالمنصات الرقمية تيسر الحصول على السلع والخدمات في جميع أنحاء العالم خلال ثوان، وتخفض تكلفة المعاملات، وأيضا مصروفات تخصيص الموارد، وهي القوة الدافعة إلى الابتكار الاقتصادي والديناميكية، فضلا عن أنها تهيئ السبل لشتى الخدمات الجديدة. وأكبر فضائل المنصات الرقمية على الإطلاق هي توفير الوظائف. فمنذ عام 2009، فتحت سلاسل تجارية إلكترونية في الريف محال على موقع Taobao.com للتسوق، لتنشئ “قرى تاوباو”. يُنتِج تجار “قرى تاوباو” السلع الاستهلاكية، والمنتجات الزراعية، والمصنوعات اليدوية كلٌّ حسب مهاراته.
وأوجدت أسواق “قرى تاوباو” أكثر من 1.3 مليون فرصة عمل، وأعادت الشباب الذين هاجروا إلى المدن إلى مواطن مولدهم؛ كي يقيموا مشاريعهم الخاصة، لكن هذه مجرد بداية، وباتت منصات العمالة المبدعة والمتعلمة تعليما جيدا تغزو أسواق العمل، وأصبحت العمالة توظف للقيام بمهام معقدة وملحة وفنية تراوح بين التسويق والكتابة، فالهندسة Upwork نموذج للمنصات الإلكترونية التي تستنهض أفكار الجمهور، ومسجل لديها 12 مليون موظف غير متفرغ، وخمسة ملايين عميل، وتُعلَن فيها ثلاثة ملايين وظيفة سنويا.
النشاط الرقمي سيؤدي دورا متزايدا ومهما في الأجندة الحالية والمستقبلية للوظائف. لنأخذ منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مثالا؛ حيث يشكل خريجو الجامعات من ذوي المهارات العالية حاليا نحو 30 في المائة من إجمالي العاطلين عن العمل في هذه المنطقة، التي تحتاج إلى توفير أكثر من عشرة ملايين وظيفة سنويا فقط كي تواكب الطفرة السكانية فيها، لكن إتاحة الفرصة للعمل مع المنصات الرقمية المستنهِضة لأفكار الجمهور قد تقدم حلا فعالا. وهذه المنصات ليست معروفة بعد بشكل جيد، فالعاملون فيها يأتون -في الغالب- من الولايات المتحدة والهند.
وللاستفادة من الوظائف التي تقدمها المنصات الرقمية، من الأهمية بمكان إعادة التفكير في البيئة المواتية على نطاق أوسع، وبطريقة تتضمن الحماية الاجتماعية والبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات. فالأعمال المستندة إلى المنصات الرقمية لا توفر الحماية الاجتماعية في ظل الأنظمة الحالية، فضلا عن انعدام الأمن الوظيفي.
في الواقع، ما زالت شبكات الأمان الاجتماعي والمؤسسات العمالية تركز فكرها على العلاقة طويلة الأجل بين العامل ورب العمل، وهو ما يواجه تحديا متزايدا؛ بسبب طبيعة العمل “تقرير عن التنمية في العالم 2019”. أسواق العمل الأكثر سيولة وديناميكية تتطلب إعادة النظر في الحماية الاجتماعية، مع ضمان قدرة الشركات والعمال على التجاوب مع التغيرات التي تعتري أسواق التكنولوجيا والمنتجات، وينبغي أن يتم الفصل بين تقديم المساعدات الاجتماعية والتأمينات الاجتماعية، وبين الكيفية التي يمارس بها الناس عملهم وأماكنه، ويجب تنسيق هذه الضمانات مع مؤسسات سوق العمل؛ كي تتمكن معا من توفير الحماية وتشجيع التوظيف.
ولتفعيل هذا التغيير، فإننا نحتاج إلى إعادة دراسة العناصر الأساسية لبيئات العمل المواتية، التي ينبغي أن تنطوي في صميمها على الحماية الاجتماعية. فالحصول على خدمة الإنترنت ذات النطاق العريض بات شرطا لممارسة النشاط في العصر الرقمي – عديد من الشركات تعتمد في جانب منها بل تعتمد حصريا على الإنترنت، ولم يعد توافر الهواتف المحمولة كافيا؛ إذ إن تكنولوجيات النطاق العريض تقلص تكلفة المعاملات، وتخفضها أكثر في الأسواق النائية التي تعاني نقصا في البنية التحتية للنقل.
وتضم منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أغلب الفئات التي تعاني قصورا في خدمات الإنترنت؛ إذ تقل نسبة مستخدمي إنترنت النطاق العريض منهم عن 10 في المائة من مستخدمي الإنترنت، وهو ما يتناقض بدرجة كبيرة مع نسبة استخدام الهواتف المحمولة التي تبلغ 120 اشتراكا في الهاتف المحمول لكل 100 شخص. كما أن عدد الاشتراكات في النطاق العريض محدودة. والنتيجة أنه بينما ينشط المواطنون على وسائل التواصل الاجتماعي، لا يكاد يكون هناك وجود للتمويل الرقمي.
إن منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتخلفان عن الركب على صعيد عمليات المدفوعات الرقمية رغم وضعهما ضمن بلدان متوسطة الدخل، ما يشكل عقبة هائلة أمام دخول المنصات والتجارة الإلكترونية. ومن حيث الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول، مثلا، تتفوق بلدان شرق إفريقيا على نظيراتها في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إن إنشاء المنصات سيحتاج إلى استثمارات أكبر في بناء الطرق الرقمية السريعة من أجل العمال والباحثين عن وظائف مستقبلا.
- انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة)
- اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة)
- انقر للمشاركة على WhatsApp (فتح في نافذة جديدة)
- اضغط للطباعة (فتح في نافذة جديدة)
- المزيد
- اضغط لتشارك على LinkedIn (فتح في نافذة جديدة)
- اضغط لمشاركة الموضوع على Reddit (فتح في نافذة جديدة)
- اضغط للمشاركة على Tumblr (فتح في نافذة جديدة)
- اضغط للمشاركة على Pinterest (فتح في نافذة جديدة)
- اضغط للمشاركة على Pocket (فتح في نافذة جديدة)
- انقر للمشاركة على Telegram (فتح في نافذة جديدة)
- انقر للمشاركة على Skype (فتح في نافذة جديدة)