يسعى الجميع جاهدين إلى الابتكار في العلوم، والتكنولوجيا، والخدمات اللوجستية، وتخطيط الأعمال، ولكن كيف نعلم أننا نحصل على أفضل عائد من استثماراتنا؟
بلغ الإنفاق العالمي على البحوث والتطوير 1.6 تريليون دولار عام 2014؛ أي ما يقارب نصف إجمالي الإنفاق المقرر لأنشطة الابتكار في جميع أنحاء العالم. ففي حين يمثل القطاع الخاص الحصة الكبرى من هذه الاستثمارات، تعد الحكومات أيضا لاعبا أساسا؛ كونها تبحث عن طرق مبتكرة لدفع عجلة النمو الاقتصادي والتنمية، ولكن هل تحصل المؤسسات الخاصة وغيرها على عائد جيد من استثمارها في العلوم والتكنولوجيا والابتكار؟ وكيف بإمكانها معرفة إذا ما تم إنفاق هذه الأموال بشكل صحيح؟
قد يبدو أن مقاييس الأداء تعطينا إجابة واضحة، ولكن باعتبار أن الابتكار مفهوم غير ملموس؛ لذا لا بد من قياسه بشكل غير مباشر. وهنا تكمن خطورة حدوث خطأ، والحصول على معلومات عديمة الفائدة. فمن غير العملي محاولة تسجيل كل لحظة عندما يلمح عالم أو مطور منتجات، بريقَ أمل قد يفضي في نهاية المطاف إلى اكتشاف مهم. فغالبا ما تعتمد مقاييس الأداء على مقاييس غير مباشرة لأنشطة محددة، مثل عدد براءات الاختراع في مجال معين؛ ليكون بمنزلة أداة لقياس الابتكارات الفعلية. ومع ذلك، رغم أن عدد براءات الاختراع يعد مؤشرا منطقيا للابتكار، فإن الابتكار في حد ذاته نتاج عوامل أخرى، مثل: ظروف العمل، ونوعية المعدات، والاستقرارين السياسي والاجتماعي. لهذا السبب عادة ما تستند مقاييس الأداء المتطورة إلى عدة أدوات قياس مرتبطة بدورها بأنشطة مختلفة؛ لضمان دقة المقياس الكلي.
وهناك مسألة ثانوية عند استخدام مقاييس الأداء، وهي رغم كونها أداة قوية للتغيير، إلا أنه قد يفقد كل من المؤسسات والأفراد تركيزهما في بعض الأحيان، ويحيدون عن الأهداف الرئيسة لمصلحة أنشطة أخرى قد تؤثر -في اعتقادهم- في تقييمهم الشخصي.
وبالنظر إلى أن الهدف الرئيس من الابتكار بالنسبة إلى الشركة هو الحصول على عوائد مالية؛ لذا غالبا ما يساعد استخدام المقاييس الحسابية، مثل: جعل ميزانية البحث والتطوير نسبة مئوية من “المبيعات السنوية”، أو من “عوائد المساهمين”، أو ربط نشاطات البحوث والتطوير بقيمة الشركة. وتستخدم هذه الأدوات المالية ليس فقط للحكم على نجاح الابتكار، ولكن أيضا لتقييم جدوى مشروع الابتكار في مراحله المبكرة.
تكمن مشكلة المؤشرات المالية في كونها لا تُظهر كيفية أو أسباب تحقيق الشركة نتيجة معينة. فمن الأفضل استخدام مقاييس حسابية محددة للابتكار؛ للإجابة عن هذا التساؤل الصعب، مثل: نسبة الأفكار الناجحة من مجموع الأفكار المقترحة، أو العوائد الناتجة عن الأفكار الجديدة.
بالنظر إلى المسألة من زاوية أخرى بعيدا عن العوائد المادية البحتة، من المهم بمكان مراقبة وتيرة جهود التنمية. على سبيل المثال، الوقت الأمثل للتسويق، الذي يعد عاملا مؤثرا ولاسيما في صناعات معينة، مثل الإلكترونيات؛ حيث تكون دورة تطوير المنتج قصيرة
من الخطر الاعتماد على المقاييس المالية منفردة لقياس نجاح الابتكار. على سبيل المثال، قد تكون المعلومات التي نحصل عليها مضللة، في حال حساب قيمة الاستثمارات المقترحة من خلال مقارنة النتائج المحتملة بالوضع الراهن، “فمن دون مراعاة عنصر الابتكار قد تصاب الشركة بحالة ركود”. وهناك أيضا احتمالية أن تكون المعطيات المالية قصيرة النظر، وتفشل في توقع مدى نجاح الابتكار على المدى الطويل.
من الممكن تجنب بعض هذه التحديات، في حال تقييم صناع القرار لقيمة الابتكار بناء على عدة سيناريوهات، وباستخدام مؤشرات الأداء الرئيسة على الصعيدين المالي والاستراتيجي.
ينبغي لصانعي القرار عند قياسهم نجاح الابتكار، أن يأخذوا في الحسبان أن بعض أكثر الابتكارات نجاحا، غالبا ما تكون الأكثر تدميرا. وفقا لذلك، يجب على الشركات سَلْك طرق جديدة للتوصل إلى ابتكار ثوري، والحصول على مزايا فريدة. بعيدا عن المقاييس، تحتاج الابتكارات التدميرية إلى أن تكون محمية ضمن كيان مستقل. على سبيل المثال، لم يكن نجاح “نسبرسو” ضربة حظ، “تم الحصول على براءة الاختراع سنة 1976” إلى أن قررت شركة نستله عام 1986 إنشاء كيان مستقل من شأنه تأمين بيئة عمل أفضل لأعضاء المشروع للعمل على نمو وتطوير المنتج لتسويقه.
يتجلى التحدي الرئيس بالنسبة إلى الشركات الكبرى، في قدرتها على الحفاظ على نموذج عملها القائم، الذي كان سببا في نجاحها، وأن تسمح في الوقت ذاته بتطوير بعض الابتكارات التدميرية، ويتطلب تحقيق هذا الهدف المزدوج مجموعة أوسع من مؤشرات الأداء الرئيسة. ليست هذه مسألة قياس فقط، بل حوكمة أيضا. وقد يكون من الجيد تشكيل فريق مسؤول عن الحوكمة، يملك تفويضا لإجراء تقييم دوري لمحفظة المشروع بأكمله، ويمتلك السلطة سواء لإعادة توجيه المشاريع، أو حتى إنهائها، أو إعادة تخصيص الموارد في حال وجود صعوبات أو تغير في الأولويات. ويساعد فريق الحوكمة على رفع القيمة الناتجة من تطوير المنتجات، من خلال ضمان اتخاذ قرارات في المراحل المبكرة للمشروع، تقضي بإعادة توجيه المشروع أو إنهائه.
يجب وضع مجموعة من أدوات القياس، تدعم عملية صنع القرار لهذا الفريق، والأهم من ذلك أن توضع بطريقة موحدة لتقييم المشاريع. كما يتعين على الشركات تحديد منهجية للتقييم، تأخذ في الحسبان النواحي المالية والاستراتيجية والمخاطر؛ لدعم وتوحيد تقييم المشاريع. ويتطلب وضع هذا الإطار أن يكون تحت إشراف كل من مسؤولي الأعمال والابتكار والتطوير والمالية، بشكل يضمن الحصول على المعلومات المطلوبة.
في النهاية، تعد مقاييس الأداء أدوات مؤثرة في عملية صنع القرار، ولكنها ليست غاية في حد ذاتها، فالمقاييس لن تنجح وحدها في تقديم الابتكارات أو نتائجها، كما أن تصميم وتنفيذ أطر القياس يمكن أن يكونا تحديا كبيرا، وبالتالي فإن الخطوة الأكثر أهمية هي توضيح النتائج المرجوة لهدف الشركة الاستراتيجي القائم على الابتكار.
الاقتصادية