الرئيسيةمقالات

القدرة على تغيير الرأي لتحقيق النجاح

شارك هذا الموضوع:

القدرة على تغيير الرأي عندما يثبت أننا على خطأ، هي الطريق المثلى للنجاح.

ليس بالضرورة أن يكون العناد أمرا سلبيا، فقد يكون ميزة. نرى عبر التاريخ بعض الأشخاص الذين قاموا بالأشياء الصحيحة من خلال تمسكهم الراسخ بالأشياء التي يؤمنون بها. لنأخذ شارل ديجول على سبيل المثال، رفض الجنرال ديجول الاعتراف بالهزيمة عقب اكتساح النازيين الألمان فرنسا واستيلائهم عليها خلال الحرب العالمية الثانية، وأقنع الفرنسيين رغم الصعاب أنهم سينتصرون في نهاية الأمر، فإيمانه الراسخ ببلده ساعده على تحويل رؤيته إلى واقع. نجح الرئيس ديجول عقب انتهاء الحرب في انتزاع مقعد دائم لفرنسا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، واستطاع بإصراره أن يجعل فرنسا تكتسب الاحترام الدولي.

نستطيع في بعض الأحيان من خلال العند والإصرار القيام بأمور عظيمة. فالعند يحثنا على المثابرة، ويساعدنا على النهوض في الوقت الذي يحاول فيه الآخرون إحباط عزيمتنا والتقليل من شأن أفكارنا، ويمكن أن يكون العند من مزايا القيادة الناجحة ومفتاحا للنجاح.

يميل الأشخاص العنيدون لأن يكونوا أكثر حسما، كونهم يدركون بشكل جيد ماذا يريدون، ولديهم تركيز عال، وينهون ما يبدأونه. تعتبر صفات مثل الرؤية، والدراية، والمثابرة، والصلابة والإصرار من مشتقات العناد. وبإمكاننا القول إن الإصرار عبارة عن عند هادف.

في حالة ديجول، كان العند بمنزلة نعمة، ولسوء الحظ لا يوجد كثيرون من أمثاله، كونه يوجد خط رفيع بين العناد بحكمة، والمكابرة بسبب الأنانية، أو حتى بسبب الغباء.

عند الإصرار على التمسك برأينا رغم وجود دليل قاطع عن كوننا على خطأ، يجب أن نسأل أنفسنا ما الذي يدفعنا إلى التمسك برأينا؟ وما الذي يحدث في كينونتنا؟

على عكس ما يبدو، عندما نتعامل مع شخص عنيد يجب ألا ننخدع بالمظاهر الخارجية، فقد يبدو الأشخاص العنيدون غير قابلين لأن يقهروا، ولكن يوجد فرق كبير بين الشخص القوي والشخص العنيد. وعلى الرغم من إظهار الأشخاص العنيدين للقوة، إلا أنها مجرد واجهة، فالعناد غالبا ما يكون إشارة إلى عدم الشعور بالأمان وطريقة للتشبث بنوع من التوازن الهش، في حين يدرك الأشخاص الأقوياء كيفية تقديم التنازلات عند الضرورة.

يخشى الأشخاص العنيدون من التغيير، ما يفسر الصلابة التي يتسم بها سلوكهم، ويرون في عقلهم اللا واعي، أن أي محاولة للتغيير ليست إلا تحديا شخصيا، لذا نجدهم في حالة تأهب دائما، يهاجمون أي شخص يحاول مناقشة أفكارهم، وعوضا عن تقبل المعلومات الجديدة أو فكرة أن يكون شخص آخر على صواب، نراهم يناقشون وجهة نظرهم الأصلية، فعدم شعورهم بالأمان يجعلهم معرضين للتحيز، على سبيل المثال الميل إلى التعامل مع المعلومات بطريقة تدعم أفكارهم.

يمس العناد ديناميات السلطة. فعندما يرى الأشخاص العنيدون تهديدا لكرامتهم أو كبريائهم، يلجأون إلى ألعاب السلطة التي لا تقبل احتمالات غير الفوز أو الخسارة، مدفوعين بفكرة “إذا لم أكن عنيدا، فسيأخذ الآخرون حقي”، ولكن سرعان ما يتحول العناد إلى آلية دفاعية.

ومن السمات الأخرى للأشخاص العنيدين، ميلهم إلى تصنيف الناس بين الجيد والسيئ، على حسب توافقهم مع أفكارهم. ومع ترجيح الأفضلية للتفكير المتطرف “أبيض أو أسود” والبعيد عن احتمالية عدم اليقين أو الصراع، نراهم متعصبين للقوالب النمطية.

وبالنظر إلى العقلية المنغلقة للأشخاص العنيدين، فإنهم يصبحون متعصبين عندما يتعلق الأمر بالأديان، والأيديولوجيات، والآراء السياسية والاقتصاد. فالآراء التي تنطوي عليها تلك الأمور يصعب تغييرها، كونها تخضع للأحكام الشخصية والتفسيرات الفقهية. ومن الممكن النظر إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على أنه قضية تفوقت فيها الأيديولوجيات السياسية والاقتصادية على المنطق.

كون العناد يتسبب في حدوث صراعات بين الأشخاص، يرى الأشخاص العنيدون أحيانا الحاجة إلى التغيير. وفي معظم الحالات يصعب قيامهم بالتغيير بأنفسهم، وفي حال طلبهم المساعدة ــ سواء من شخص آخر أو فرد من العائلة أو أحد الأصدقاء أو الزملاء وحتى المتخصصين ــ من الجيد أن يظهر هذا الشخص نوعا من التعاطف تجاههم.

تكمن الخطوة الأولى في فهم الأسباب الخفية للتصرف بعند، وينطوي ذلك على الكشف عن بعض الخبرات التي أدت إلى مثل هذا السلوك المتعصب، فغالبا ما ينشأ العناد كآلية دفاعية للبقاء.

ونظرا إلى كون الأشخاص العنيدين يخشون بشكل غريزي من سيطرة الآخرين عليهم، ينبغي على الشخص الذي يساعدهم أن يعالج المسألة بروية، ويتطلب منه ذلك مجاراتهم ومحاولة ضبط أي محاولة مباشرة لخرق دفاعات الشخص العنيد. وعوضا عن ذلك يجب عليه أن يتبنى شكلا من أشكال التعاطف، وبغض النظر عن أي محاولة يقوم بها الشخص العنيد للتعبير عن غضبه ــ مهما كانت مستفزة ــ ينبغي الاستمرار في إظهار التعاطف. فخوض جدال مع شخص عنيد لن يؤتي نتيجة.

ينبغي أن يكون الشخص المساعد حذرا جدا، ليس فقط مما يقوله، بل أيضا في اختيار الوقت المناسب لقوله. وعندما يحين الوقت لتقديم رأي مغاير، يجب أن يتم ذلك بكل احترام. وفي حال تم التعامل معه بشكل صحيح، قد يتقبل الأشخاص العنيدون وجهة نظر أخرى، وإن رفضوها بدايةً، والأهم من ذلك، يجب أن يفهم المساعد أنه في سبيل إقناع الأشخاص العنيدين بالتغيير يجب عليه أن يجعلهم يصدقون أن التغيير هو فكرتهم منذ البداية.

يتغير الأشخاص فقط في حال كانوا جاهزين للبحث في الأسباب التي تدفعهم إلى القيام بأفعالهم، واكتشاف عدة طرق للتعامل مع حياتهم، وسيعود ذلك بالنفع على الأشخاص العنيدين، كونهم سيصبحون أكثر إدراكا للقضايا الكامنة خلف إجبارهم على أن يكونوا على حق، وسيدركون من خلال الإرشاد والعلاج النفسي، التأثير السلبي للعناد في حياتهم.

سيكتشفون تدريجيا أن دافعهم لخوض الصراعات والمشاحنات يبدأ في الانحسار، وقد يتعلمون تقدير قيمة النظر إلى الأمور من منظور مختلف، وقد يتقبلون فكرة عدم اليقين. ويتخلصون مع مرور الوقت من الآليات الدفاعية القديمة ويستبدلونها بآليات بناءة.

لا يعد تطوير إحساس بقيمة الذات بمنزلة حل سريع، ولكن يبقى الأمل في أن يدركوا أنه على الرغم من كون العالم مليئا بالأشخاص الذين يعتقدون أنهم على حق، فإن قوة الشخص وطريقه نحو النجاح تكمن في القدرة على الاعتراف بالخطأ عند اتخاذ قرارات خاطئة. فمن دون شك، العناد هو مجرد شكل من أشكال الغباء.

الاقتصادية 

_

يمتلك مبيضين خبرة تقارب الـ 10 اعوام في مجال العمل الصحافي، ويعمل حاليا، سكرتير تحرير ميداني في صحيفة الغد اليومية، وصحافيا متخصصا في تغطية أخبار قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الملكية الفكرية، الريادة، والمسؤولية الإجتماعية. ويحمل مبيضين شهادة البكالوريوس من جامعة مؤتة – تخصّص ” إدارة الأعمال”، كما يعمل في تقديم إستشارات إعلامية حول أحداث وأخبار قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأردني. Tel: +962 79 6542307

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى