الرئيسيةمقالات

الجرائم الإلكترونية وحركة التاريخ

شارك هذا الموضوع:

*د.باسم الطويسي

في زحمة القوانين المهمة المنظورة أمام مجلس النواب في وقت قصير وعلى رأسها قانون الضريبة، تراجع اهتمام الرأي العام بقانون الجرائم الالكترونية المعدل، وربما يتم تمريره بدون سؤال او جواب، فعلى الرغم من وجود مبررات صاغتها الحكومة السابقة وأقرتها الحكومة الحالية وتنادي بها فئات من المجتمع حول الاستخدام غير الرشيد للانترنت وتحديدا شبكات التواصل الاجتماعي، فإن على المشرع الأردني أن يأخذ بالحسبان حركة التاريخ وأن حركة هذه التكنولوجيا أسرع من حركة الحكومات والمجتمعات معا، أي أنها قادرة على إعادة تنظيم وهيكلة المجتمعات كي تستوعب هذه الوسائل بالقليل من الأضرار، فيما تبقى الخسارة من التقييد القانوني تتمثل في حرية التعبير ودور هذه الوسائل الجديدة في إعادة دمقرطة المجتمع والسير به نحو نهج أكثر رشدا وعقلانية؛ وحرمان المجتمع من هذه الوسائل كأدوات لتعلم الحوار وبناء التوافق وترشيد المساءلة الشعبية. 

صحيح أن شبكات التواصل الاجتماعي في الأردن كما هو الحال في مناطق أخرى من العالم قادت خطاب الكراهية وساهمت في التلفيق والفبركة الإعلامية ونشر الإشاعات وأصبحت أدوات في أيدي بعض مراكز القوى بل وتستخدم للابتزاز واغتيال الشخصية وتحقيق مصالح غير شرعية، وصحيح قد نحتاج الى تشريع مؤقت ولكن يحتاج هذا التشريع أن يصب في الهدف مباشرة وأن لا يستثمر كغطاء لوضع المزيد من القيود على حرية التعبير. 

وما دامت التعديلات القانونية تحصيل حاصل فعلى المشرع أن يأخذ بعين الاعتبار أن التعريف الذي قدمه مشروع القانون المعدل لخطاب الكراهية يعد تعريفا فضفاضا ويفتقد للعناصر الاساسية التي تجعل من الخطاب ينتج كراهية؛ وأبرز هذه العناصر القصد الخاص أي القصد بالتحريض على إثارة العنف أو التمييز والنعرات على مستوى جماعي، والعنصر الثاني الوسيلة التي عبر فيها الشخص عن الكراهية وحجم وصولها للمجتمع وحجم التأثير الذي لحق بالمجتمع، الأمر الآخر الذي يحتاج لمراجعة في مشروع القانون هو معالجة مسألة ” اغتيال الشخصية ” وهو الأمر الذي لم يرد في القانون بشكل واضح؛ فيما نجد المادة التي عالجت هذا الجانب لا تميز بين نقد الاشخاص في المواقع العامة وما يسمى بالنقد المباح وبين تحقير وإهانة الاشخاص العاميين والاشخاص العاديين في نفس الوقت تفتقر مواد القانون لبنود تعالج حماية الخصوصية أي الطعن في الامور الشخصية. 

وكي لا تصبح العدالة الجزائية وسيلة بديلة عن التربية والثقافة والتحصين المعرفي، فعلى الحكومة أن تسرع خطواتها في تبني نشر التربية الإعلامية والمعلوماتية وتحديدا التربية الرقمية، وإدماجها في النظام التعليمي وفي الانشطة وفي فعاليات المؤسسات والهيئات الشبابية، فالتحصين المعرفي للأجيال الجديدة هو الأساس المتين الذي يتفوق على القوانين وكل منظومات الفلسفة العقابية. 

علينا أن نراقب حركة التاريخ جيدا، فالتكنولوجيا الجديدة تعيد تشكيل المجتمعات والاقتصاد والاسواق وتقوم بدور بات يغير فلسفة الانتاج وبناء الثروات، وكلما انفتحت المجتمعات على هذا التغير كلما حجزت مكانها في المستقبل، تمر كل وسيلة اتصال جديدة عبر التاريخ في ثلاث مراحل؛ الاولى مرحلة الصدمة وعدم القدرة على التعامل مع هذه الوسيلة ونشهد في هذه المرحلة رفضا رسميا ربما شعبيا للوسيلة الجديدة، ومن ثم مرحلة الفوضى التي نحياها حاليا ويسودها الاستخدام غير الرشيد وحالة عدم يقين وشك وريبة في جدوى هذه الوسيلة ثم مرحلة الاستيعاب حيث تبدأ المجتمعات تدرك كيف توظف هذه الوسيلة لمصالحها وكيف تعمل هذه الوسيلة على الإسهام الايجابي في إعادة تنظيم المجتمعات والاسواق والمهن حينما تنتقل من الحتمية التكنولوجية إلى الحتمية المعرفية.

الغد 

_

يمتلك مبيضين خبرة تقارب الـ 10 اعوام في مجال العمل الصحافي، ويعمل حاليا، سكرتير تحرير ميداني في صحيفة الغد اليومية، وصحافيا متخصصا في تغطية أخبار قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الملكية الفكرية، الريادة، والمسؤولية الإجتماعية. ويحمل مبيضين شهادة البكالوريوس من جامعة مؤتة – تخصّص ” إدارة الأعمال”، كما يعمل في تقديم إستشارات إعلامية حول أحداث وأخبار قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأردني. Tel: +962 79 6542307

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى