*بالاجوبال فيسا
يسعى كل مبادر طموح إلى العثور على إجابة عن سؤال حول اختيار التوقيت الصحيح لتأسيس شركة، لكن الإجابة لدى المبادر نفسه. تشتهر مشافي الهند بزيادة أعبائها التي تتجاوز طاقتها على الدوام، وينتهي المطاف بعديد من المرضى الذين يعانون أمراضا اعتيادية تستدعي علاجات معهودة في تلك المستشفيات؛ نظرا لندرة الأطباء المحليين، خاصة في المناطق الريفية حيث يقطن قرابة ثلثي سكان الهند.
يمكن رفع مجمل هذا العبء الكبير من خلال نظام صحي أساسي أفضل. ويأمل في تغيير ذلك الدكتور ساناتو شاتوبدايا، الرئيس التنفيذي المؤسس للشركة الهندية نيشن وايد برايمري هيلثكير سيرفسيز، التي تأسست لإنجاز مهمة تزويد كل عائلة في الريف بطبيب عائلة مؤهل. أتيح لي أخيرا الحديث مع الدكتور شاتوبدايا خلال هيئة نقاش في منتدى إنسياد في الهند، الذي يعقد مرتين سنويا في بنجالور. ولدى سؤاله متى اعتقد أنه الوقت المناسب لتأسيس شركة، أجاب باسما “عندما تشعر بأنك مستعد”.
كانت الإجابة غامضة، لكن بمجرد قيامه بالاستفاضة شارحا تبريره للجواب، أصبح ما قاله واضحا تماما. تعد قصة الدكتور شاتوبدايا قصة ساحرة؛ لأنه جمع بين ما يلهمه مع ما تعلمه خلال مسيرته المهنية وقبل أن يكون مستعدا. ولدى رؤيته للفرصة الكبيرة أمامه أراد تحقيقها، واستغرق الأمر منه ثماني سنوات لتتجسد عمليا على أرض الواقع. عاش شاتوبدايا في كلكوتا، وكان محظوظا بين الهنود ممن لديه طبيب للعائلة.
ويروي حكايات محببة له، وكيف كان يلاحق مع أولاد عمومته، الطبيب لدى زيارته منزله، ويتجادل مع باقي الصغار حول حمل حقيبة الدكتور. كان مسحورا بطبيب العائلة الذي ألهمه ليصبح طبيبا. أخذه ذلك الإلهام إلى كلية الطب، ثم إلى بريطانيا والولايات المتحدة كطبيب للجهاز الهضمي، حيث شاهد هناك كيف يمكن للطبيب الممارس العام أن يعمل، وكيف يمكنه أن يعالج معظم الأمراض دون الحاجة إلى إحالة المرضى للمستشفيات، ومدى فعالية العيادات التي تعد الخطوط الأمامية للطب.
أراد شاتوبدايا الحل ذاته للهند، لكنه أدرك أنه لن يتمكن وحده من إحداث تغيير كبير كطبيب. وفي عام 2001 خطرت على باله فكرته الريادية الكبيرة. أدرك شاتوبدايا أنه يجب عليه الجمع بين الأعمال والطب، لكن حتى بعد دراسة ماجستير إدارة الأعمال في إنسياد عام 2003 قرر أنه لا يزال غير مستعد، وأراد الحصول على بعض الخبرات المؤسساتية في الشركات.
انتهى به المطاف في شركة جونسون أند جونسون في المبيعات والتسويق. بعد عشر سنوات أدرك أنه أصبح خبيرا يفهم في الشركات، لكنه لم يكن يفهم البلد الذي يعيش فيه سنوات عديدة. عاد إلى الهند للعمل لدى شركة ناشئة تتخصص في تزويد مواد التدريب لمندوبي المبيعات الطبية. وبعد أن حول وحدة أعمال في الشركة إلى قصة نجاح جنت عدة ملايين من الدولارات أصبح أخيرا مستعدا للانطلاق، وقام بتأسيس شركة نيشن وايد برايمري هيلثكير سيرفسيز، التي توسعت عبر ولايات الهند.
ويعزو الدكتور شاتوبدايا نجاحه فترة التحضير الزمنية الطويلة، التي سمحت لرؤيته بأن تتجسد. ويقول إنه حقق توازنا بين شخصيته المتفائلة إزاء شخصيته العقلانية قبل أن يصبح مستعدا للمخاطرة. إضافة إلى ذلك، أتاح له تأسيس شركة خلال عمله موظفا مستجدا في شركة ناشئة، بناء شركة من الصفر دون مخاطر شخصية كبيرة…
قصة رائعة أخرى سمعتها خلال ذلك الحوار، وجاءت من مؤسس شركة Ixigo وهو دارمندرا ياشوفردان، وهو أيضا من خريجي كلية إنسياد. فبعد بداية مسيرته المهنية كمهندس بحري، وجد طريقه لكلية إنسياد مع طموح لتعلم مزيد، والعمل في تقنية المعلومات بحسب قوله. فقد أراد تأسيس شركة في الهند في مجال التقنية، وهو هدف غامض، ولكن مع مرور الوقت تجسد طموحه بكل وضوح في قصة نجاح مثيرة.
كان ذلك عام 2005 عندما تأسست شركة iXIGO، وكان ياشوفردان يتطلع إلى سوق السفر؛ حيث كانت تسع شركات طيران تعمل مع قرابة 12 وكالة سفر عبر الإنترنت. كانت السوق مشبعة لكن كانت هناك ثغرة، فلم يكن هناك في الهند موقع إنترنت يساعد الزبائن على معاينة شركات الطيران والمقارنة بين الأسعار وخطوط الرحلات، وجاءت شركة iXIGO لتلبي ذلك الطلب، لكن الشركة كانت تعاني أوضاعا صعبة عندما حاولت جذب التمويل عام 2008.
فقد كان العالم في خضم الأزمة المالية وكأن الشركة قد اصطدمت بجدار، كما كانت الشركة تواجه خطر تسريح الموظفين. وأخبرني ياشوفردان بتأثر واضح كيف تطوع موظفو الشركة لتخفيض رواتبهم لإنقاذ الشركة.
وبفضل مواظبة وشغف فريق العمل انتقلت الشركة إلى مرحلة تحقيق النجاح، وكانت نصيحة ياشوفردان الوداعية قوله “ألا تدع أحدا يملي عليك الوقت المناسب”.
فأحيانا تكون أحوال السوق مواتية للحصول على تمويل، وأحيانا يصعب جذب التمويل، إلا أن دورة السوق تتبدل بين الحين والآخر. يعكس ذلك أفكار أرجون نارايان، مؤسس مشارك في شركة كاتاماران فينتشر، وهي شركة تمويل مغامر.
ويقول نارايان إن رأس المال العاطفي له دور مهم؛ لأنه لا يمكن لأحد أن يفهم رحلتك، فأنت وحدك لديك القوة الصلبة والمواظبة والإصرار في وجه المصاعب. ويقول نارايان إنه عندما تشعر بأن لديك رأس المال المعنوي؛ أي غير المالي ويسميه الجوهري، فستكون مستعدا وقتها لتأسيس شركة. وعندما تصمد في مسيرتك ستتمكن من تحويل رأس المال المعنوي إلى شركة تولد قيمة للمساهمين فيها. لعل أكثر ما يهمني أكثر من هذه الحالات هو الطبيعة الشخصية للقرارات، فكل من الأمثلة تحمل قصة مختلفة،
ولكل منها رحلة طويلة اتسمت بالغموض مع هدف غامض، وتطلب الأمر وقتا طويلا لتحقيق الهدف، وكان الإحساس الداخلي هو دليل الاستعداد للبدء بتأسيس شركة. لا بد للبيئة الاقتصادية المصغرة أن تؤدي دورا في قرارك حول توقيت تأسيس شركتك. فأنا مثلا لا أنصح بافتتاح متجر للعناية بالحيوانات الأليفة في وسط المدينة؛ لأن الطلب على تلك المواد ذات المستلزمات الخاصة سيكون ضعيفا هناك،
لكن البيئة المصغرة ليست أهم دليل حول اختيار التوقيت الصحيح. فالخبرة لها دورها، وليس لمجرد أنك ستكتسب الخبرة مع الوقت وخلال العمل، بل إن مسيرة تأسيس الشركة تستدعي التعلم طوال الخط كما تظهره حالة الدكتور شاتوبدايا.
وعندما تكون لديك فكرة كبيرة لشركة تلبي حاجة في السوق، دع إحساسك الداخلي يملي عليك إن كانت لديك الخبرة المطلوبة للشروع في تأسيس شركتك. هل حان الوقت كي تستثمر في رأس مالك العاطفي؟ أنت وحدك ستعرف الإجابة.
الاقتصادية