*محمد البشير
بعد أن وصل السيل الزُبى، خرج الناس على صمتهم الذي طال، انعكاساً لتصاعد النفقات الحكومية خاصة منها النفقات الجارية التي وصلت إلى أرقام غير مسبوقة وبعلاقة عكسية مع النفقات الرأسمالية التي لم تتجاوز الـ1.5 مليار دينار؛ بحيث كان انخفاض النفقات الرأسمالية تتويجاً لسياسات مالية منسجمة مع خطاب سياسي ذي علاقة بالتخلي عن دور الدولة في إدارة شؤون الاقتصاد والبلاد، وتجليات ذلك بيع ممتلكات الدولة للقطاع الخاص ما بعد منتصف التسعينيات.
إن ارتفاع رواتب الفئة العليا في القطاع العام خاصة في المؤسسات المستقلة وارتفاع أعداد الملتحقين بالوظيفة العامة ، بالإضافة الى ارتفاع فاتورة الهيكلة من (80 مليونا الى 400 مليون دينار) وفاتورة التقاعد الى (مليار و230 مليون دينار) وخدمة الدين العام الى (1 مليار وعشرين مليون دينار)، جميعها أسباب أدت بالسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية للجوء للضرائب لمواجهة هذه النفقات.
مجلس النواب يعد منتجا عن تحالف بين رأس المال والطبقة السياسية التقليدية بالأردن؛ حيث شرّعت هاتان السلطتان لقوانين ذات علاقة بالحزمة الاقتصادية؛ إذ جعلت عامة الشعب الأردني مورداً للخزينة بدلاً من أن تكون الحصة الكبرى من الواردات محصلة من دخول الأغنياء وأدواتهم الاستهلاكية؛ إذ تجلى ذلك أن قامت الحكومات المتعاقبة في تغطية العجز في موازناتها السنوية من المديونية والتي وصلت إلى نسب متقدمة من الناتج المحلي الإجمالي وبحدود تجاوزت الـ150 % عن قانون الدين العام الذي حدد للحكومة الاقتراض بحدود 60 % من الناتج المحلي الإجمالي؟!
إن وعود الحكومات المتكررة وخططها الخمسية والتحفيزية للاقتصاد الأردني الذي همشته هذه السياسات خلقت أجواء من عدم الثقة بأي طروحات أو خطط لحل الأزمة المالية العامة التي يعيشها الأردن والتي انعكست على الاقتصاد الجزئي بقطاعاته الأساسية المتمثلة بالصناعة والزراعة، فالسيئ بتلك السياسات التي أسلفت كان بإحلال قانون ضريبة المبيعات بدلاً من قانون ضريبة الدخل الذي كان قانوناً عادلاً حتى نهاية سنة 1995؛ حيث وصلت النسب الضريبية على دخول الأفراد بواقع 45 % مضافاً اليها 10 % خدمات اجتماعية، أما الشركات المالية بما في ذلك البنوك فقد وصلت نسبتها الى 55 % والصناعة بلغت نسبتها 38 %، أما الزراعة فكانت معفاة بالكامل.
إن إخضاع مدخلات الإنتاج الصناعي والزراعي والسلع المنتجة من هذين القطاعين والسلع الخدمية الى ضريبة مبيعات بنسب ابتدأت من 7 % ومروراً بنسبة 10 % و13 % وانتهاءً بنسبة 16 %، أدى إلى ارتفاع كلفة وبيع هذه السلع، مما أدى الى إنهاك لميزانية الأسرة الأردنية وقطاع الصناعة والزراعة على وجه الخصوص، أما قطاع الخدمات فقد انتعش على حسابهما، مما أدى إلى تعاظم حصة الخزينة من الضرائب غير المباشرة المفروضة على الغالبية العظمة من أبناء شعبنا المستهلكة لمنتجات القطاعات الثلاثة وخلافاً لمضمون المادة (111) من الدستور الأردني التي تحدثت عن التصاعدية بالضرائب وعلى ضرورة مراعاة مقدرة المكلفين على الدفع.
إن عودة الحكومة لقانون ضريبة الدخل وإلى سياسات ضريبية على دخول الطبقى الوسطى تراجعت عنها الحكومات في عصر العولمة والخصخصة واقتصاد السوق مع تعزيز للسياسات الضريبية غير المباشرة (مبيعات، جمارك)، بالإضافة إلى رفع مستمر ومتصاعد لأسعار المشتقات النفطية وأسعار الكهرباء؛ حيث كانت القرارات الأخيرة (القشة التي قسمت ظهر البعير)، مما أدى إلى خروج الناس إلى الشوارع معلنين أن الحل الناجع يكمن في الإصلاح السياسي أولاً ودائماً وبما يحقق إصلاحاً اقتصادياً باعتبار أن هذين الإصلاحين وحدهما القادران على معالجة الخلل الاجتماعي الذي أصبح ظاهرة حقيقية تجلت بأعمال العنف التي انتشرت في أكثر من موقع ولأتفه الأسباب انعكاساً لتجليات الأزمة الاقتصادية كارتفاع نسبة البطالة ونسبة الفقر اللتين قاربتا الـ 20 % حسب الأرقام الرسمية للحكومة مقابل انتفاخ جيوب الأغنياء بالأموال النقدية والأملاك المتنوعة والذي تجلى بودائع تزيد على 33 مليار دينار نقداً لدى البنوك الأردنية دون ودائعهم في البنوك الخارجية وممتلكاتهم العينية الأخرى (عقارات… الخ).
إن حكومة قادرة على معالجات هذه الاختلالات تستوجب من الرئيس المكلف أن يلتقي الأحزاب أولاً والنقابات ثانياً ومؤسسات المجتمع المدني دائماً نهجاً قد يسهم في وقف الاحتجاجات وانقاذ البلاد من مصير يهدد أمتنا وأمننا الاجتماعي على حد سواء، ويؤسس إلى مرحلة جديدة على طريق الإصلاح السياسي والاقتصادي المنشود.
*الغد