مقالات

حق النقض الاقتصادي

شارك هذا الموضوع:

*الدكتور خالد واصف الوزني

منذ نحو 88 عاما، وتحديدا في أيار (مايو) من العام 1930، رفع نحو 1028 متخصصاً من أبرز خبراء الاقتصاد من الأكاديميين في الولايات المتحدة عريضة إلى الرئيس الأميركي آنذاك، هيربرت هوفر، تدعوه صراحة إلى ضرورة استخدام صلاحياته في حق النقض (الفيتو)، لوقف مشروع قانون يضيف رسوماً إلى التعريفة الجمركية، في ظل ظروف الكساد الذي كان يسود العالم في ذلك الوقت. 

وقد كان هاجس الخبراء في ذلك الوقت أنَّ التركيز على رفع الرسوم وتقويض التجارة سيؤدي إلى مزيد من الكساد.

 وهو ما حدث فعلاً بعد أن رفض الرئيس ذلك الاسترحام من علماء الاقتصاد، وتحوَّل الكساد الذي بدأ عاديًّا وبطيئاً إلى كساد كبير قاد في النهاية إلى حرب عالمية ثانية دمرت اقتصادات العديد من دول العالم المتقدم.

 ولم تنته تبعات تلك السياسات الحمائية والجبائية إلا في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي. 

المشكلة حتى في الاقتصادات التي تحكمها الأحزاب المستقرة، والتي تتربَّع على إدارة البلاد فترات لا تقل عن 4 – 6 سنوات، ان الآثار الاقتصادية للسياسات الخاطئة التي قد تتخذها تلك الإدارات لا يظهر أثرها إلا بعد مرور فترة زمنية متوسطها عامان؛ أي بعد أن يعاني المجتمع على مدى عامين من آثار سياسات خاطئة لم يستمع فيها صاحب القرار إلى مشورة المختصين أو نبض المتأثرين بقراراته. 

فترات التباطؤ، كما تُسمَّى، في علم الاقتصاد هي الفترة التي يحتاجها القرار الاقتصادي لكي يعطي نتائجه الإيجابية أو السلبية، وهي تختلف من سياسة إلى أخرى، ولكنها أحيانا ما تكون قصيرة الأمد، بحيث تظهر آثارها خلال ربع السنة أو نصف السنة التالي على اتخاذها، وأحيانا تكون متوسطة الأمد بحيث تظهر آثارها الكلية في غضون عامين من انتهاج تلك السياسات. 

وفي الحالة الأردنية مثلا، وبعد ما يزيد على ثلاث سنوات من السياسات التقشفية ذات الجرعات المُرَّة الزائدة بدعوى الإصلاح، وصل الاقتصاد الأردني في نهاية العام 2016 إلى نتائج كلية لم يشهدها من قبل. 

فتراجع النمو إلى أقل من 2 % وارتفعت البطالة إلى رقم قياسي غير مسبوق وصل إلى ما يزيد على 18 % وتدهورت حالة المديونية بالرغم من كلِّ سياسات رفع الدعم وزيادة الضرائب والرسوم وتخفيض الإنفاق لتصل إلى ما يزيد على 95 %. 

كل ذلك حدث نتيجة عدم الاستماع إلى رأي المختصين، وعدم تلمس نبض الشارع ومعاناته، والاكتفاء بالركون إلى وثيقة اتفاق مع الصندوق، والتي تنصل منها الأخير بتصريحات واضحة ومُحِقَّة أشار فيها إلى أنه لم يطلب من الحكومة أيَّ سياسات تقشفيَّة أو رفعٍ للضرائب أو إزالة لدعم، بقدر ما طالب بتصويب وتصحيح التشوُّهات المؤدية إلى العجز المالي والحاجة إلى الاستدانة.

 وللحقيقة، فإنَّ المؤسَّسات الدولية تطلب من الدول تحديد السياسات التي تمكنها من تصويب أوضاع العجز المالي والمديونية عبر قنوات تحسين مستويات الإيرادات الحكومية، وتخفيض النفقات الزائدة، وترشيد أوجه التشوهات المالية في الاقتصاد، وللحكومات اختيار الطرق المناسبة التي ترتضيها لشعبها، والفترات التي ستؤدي إلى تحقيق المطلوب، بحيث تتمكن الدول من سداد التزاماتها للمؤسسات الدولية ولغيرها من الدائنين.

الشاهد من كلِّ ما سبق أنَّ صانعَ القرار قد يلتزم بسياسات كلية يجد المحللون والخبراء أنها غير مجدية، وأنَّ من الممكن اللجوء إلى سياسات أخرى تؤدي إلى ذات النتيجة، ولكنها لا تؤثر سلباً في الاقتصاد، وعليه فمن النجاعة والرُشد أن يتمَّ إعادة دراسة القرارات للوصول إلى حلول أنجع وأكثر عدالة، وقناعتي أنَّ المؤسسات الدولية لن تمانع بسياسات بديلة عن تلك التي تمَّ الالتزام بها مسبقا إذا كان الهدف في النهاية تحقيق نمو أفضلَ، وتحقيق أهداف السياسة الكلية، وبالتالي تسديد الالتزامات لتلك المؤسسات. 

ومن الواضح أنَّ السجال حول التعديلات المقترحة على قانون ضريبة الدخل اليوم تقع ضمن هذا التحليل، فالعديد يرون أنَّ تعديلات القانون ليس في وقتها، والخبراء يرون أنَّ الأفضل عدم اللجوء إلى معدلات ضريبة أعلى ممَّا هي عليه في الوقت الراهن؛ لأنَّ الأمر سينعكس في النهاية على القدرة الشرائية لكافَّة الفئات، سواء من مسّه التعديل أم لم يمسّه بفعل عكس العبء الضريبي على الأسعار. 

بيد أنَّ الحكومة بين مطرقة التزامات مُستحقة، يُقال إنها ستؤدي إلى الإفراج عن منح تتجاوز قيمتها 800 مليون دولار، وسندان الغضب العام من القانون والهجمة الشعبية عليه. ولعلَّ ترحيل القانون ورفعه إلى مجلس الأمة هو خطوة تكتيكية لتنفيذ الاستحقاق والحصول على المنح، ويصبح على مجلس النواب الدور في إيجاد المخرج نحو تمرير القانون أو المماطلة به أو تعطيله كليا.

*الغد 

_

يمتلك مبيضين خبرة تقارب الـ 10 اعوام في مجال العمل الصحافي، ويعمل حاليا، سكرتير تحرير ميداني في صحيفة الغد اليومية، وصحافيا متخصصا في تغطية أخبار قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الملكية الفكرية، الريادة، والمسؤولية الإجتماعية. ويحمل مبيضين شهادة البكالوريوس من جامعة مؤتة – تخصّص ” إدارة الأعمال”، كما يعمل في تقديم إستشارات إعلامية حول أحداث وأخبار قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأردني. Tel: +962 79 6542307

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى