*هيثم حسّان
الزمن مخاتل. مخادع. خائن. علينا أن لانثق به. كم تغير في حفنة سنوات، بضع سنوات كانت كفيلة بتغيير المشهد برمته.
خلال تلك السنوات اجتاحتنا الأجهزة الذكية، ومواقع التواصل الاجتماعي، والثقافة الفيتشية السطحية التي بالكاد تعرف عناوين الكتب لا ما في بطونها ومحتوياتها.
حتى بات الكاتب يبحث عن مورد رزق ليطعم صغاره، وأصبح الصحفي يتوسل أي وسيلة للعيش بكرامة، وغدا كل شيء ملك الصورة وكاميرا روّاد التواصل الاجتماعي والسوشال ميديا التي اجتاحت كل شيء.
ليس هذا ما سرب اليأس لي، ولا أشعرني بالإحباط، فالزمن خائن بطبيعته.
لكن، السؤال الذي سبب لي ذلك اليأس هو ماجدوى الكتابة في هذا الزمن الافتراضي؟، وماجدوى الحبر والورق، أو التنضيد على الكمبيوتر لمقالات لم يعد أحد يقرأها، أو يطلع عليها في زمن السوشيال ميديا؟، لمن نكتب؟، ومن يقرأ؟ وماذا إذا كتبنا؟، وماذا لو لم نكتب؟
شعرت بالعبثية، واللاجدوى، بل الخيبة من جيل الديجتاليين..
ولعل ذروة الخيبة عندما شاغلني سؤال: ماذا يعرف الجيل الجديد من “السوشياليين” عن القضايا القومية الكبرى، أو الشخصيات العربية التاريخية، ماذا يعرفون عن فلسطين، وماذا يعرفون عن عمر المختار أو مشهور حديثة الجازي، أو محمد الحنيطي…؟!
ربما تكون فلسطين بالنسبة لهذا الجيل غير المسيس فلسطين مجرد شعار أو فكرة جميلة، أو مسلسل تراجيدي أو قصة مملة آن أن تكتب حلقته الأخيرة.
وبالضرورة هم لايعرفون مشهور الجازي، وربما إن سمعوا باسمه ظنوه “بطل مسلسل تلفزيوني”. وربما يحاول بعضهم التذاكي بالاجابة أن “محمد الحنيطي لاعب في نادي الفيصلي”، أو القول:”أبي يعرف عنه أكثر مني”.
عندئذ تشعر بأن كل أوراق التاريخ لاقيمة لها، وأن المكتبات لاقيمة لها، بل تخشى عليهما من الإندثار في ظل هذا التيار الجارف بشكل غير عقلاني.
ماذا يعرف جيل اللايكات والريتويت عن باب الواد وفلسطين والأردن والوعي الطبقي والنضالات والشهداء، واليسار والقومية والإسلام السياسي والصهيونية؟، ماذا يعرفون عن الطبقة الوسطى والطبقة العاملة والكادحين..؟!
ربما طرح الأسئلة تلك جزء من العبث، وربما تكون بلامعنى، وبلاجدوى..أمام مناضلي السوشال ميديا وشهدائها..
والسؤال أين يمكن أن يلتقي الجيلان؛ جيل ماقبل الرقمية وجيل الرقمية؟، وكيف يمكن أن يفيد كلاهما من الآخر..؟!.
تلك لحظة يأس حقيقية، في زمن افتراضي..
*محرر في صحيفة الغد اليومية الاردنية