مقالات

خزائن الذهب تفسح مكانا للبيانات في مصارف المستقبل

شارك هذا الموضوع:

توماس هيل

المُعالجات الرقمية، بطول يُقارب ستة أقدام، تتكدس في ممرات تحت الأرض. إضافة إلى صوتها الخافت، الغرفة مُغلقة على شيء قريب من الصمت. خزائن المصرف التي جرت العادة أن تكون مملوءة بالذهب، تحتوي الآن على البيانات أيضاً. هذه المُعالجات تقبع في الخزائن الرقمية التابعة لبانكو بيلباو فيزكايا أرجنتينا BBVA في إسبانيا، الذي يقع مركز بياناته في مساحة تبلغ 20 ألف متر مربع في ضواحي مدريد.

المبنى يعد ضرورة عملية لمعالجة مئات الملايين من المعاملات يومياً. لكن المركز – والبيانات التي تتدفق في عروقه – أيضاً يرتبط ارتباطاً وثيقاً برؤية المصرف للمستقبل.

ثاني أكبر مصرف في إسبانيا، الذي يملك وجودا كبيرا في تركيا وأمريكا اللاتينية والولايات المتحدة، أسس نفسه واحدا من الأتباع الأكثر حماساً للمعاملات الرقمية. بين عامي 2011 و2013، استثمر ما معدله 850 مليون يورو سنوياً في التكنولوجيا، والبنية التحتية – مثل مراكز البيانات – وتطوير البرمجيات.

واستثمر في أماكن أخرى أيضا. ففي العام الماضي اشترى سيمبل، المصرف الرقمي الأمريكي، وشركة ماديفا سولوسونز الإسبانية الناشئة. وفي الآونة الأخيرة، استثمر في كُوْينبيز، منصة العملة الرقمية القائمة في سان فرانسيسكو، ليصبح واحداً من المؤسسات المالية السائدة الأولى التي تقدم على خطوة تنطوي على العملة الرقمية المثيرة للجدل.

يقول تيبو بافولا، رئيس الوحدات الرقمية في BBVA “نحن نحتضن الاضطراب، من أجل أن نلعب دوراً فيه، وأن نقوده بنشاط”. لقد تم توظيف بافولا من بايبال وانتقل أخيرا من سان فرانسيسكو إلى مدريد. ويضيف “في النهاية، ماذا سيكون مصرف المستقبل؟ سيكون كل شيء فيه يدور حول البيانات”.

في مقالة نشرتها مجلة تكنولوجي ريفيو التابعة لمعهد ماساتشيوستس للتكنولوجيا العام الماضي، أظهر فرانسيسكو جونزاليس، رئيس مجلس إدارة BBVA، بعض نفاذ البصيرة بشأن قيمة البيانات بالنسبة للمصرف، حين كتب “تحتفظ المصارف بمخازن كبيرة من المعلومات عن زبائنها، وهذه ميزة تنافسية حاسمة. إذا كان بإمكان المصارف تحويل هذه المعلومات إلى معرفة، فإنها تستطيع استخدامها لتقديم سلع وخدمات للزبائن تُلبّي احتياجاتهم بشكل أفضل”.

في المستقبل، بإمكان مصرف BBVA استغلال البيانات من ملايين الزبائن – تسعة ملايين من النوع الرقمي في نهاية عام 2014 – لتغذية ما يدعوه “الابتكار المفتوح”، من خلال بناء تطبيقات وخدمات جديدة. ويُشير بافولا إلى أن هذه البيانات لن تقوم بتحديد شخصية أي زبون فردي أو شركة لأنها كلها “تم تجميعها وتفكيكها بشكل لا رجعة فيه” – ما يعني أنه لا يمكن استخدامها إلا بشكل جماعي.

الهاجس الرقمي واضح جداً في مركز آخر من مراكز المصرف الإسباني؛ في قلب مدريد الأكثر ضجيجاً. مركز الابتكار التابع للمصرف، الذي يصفه بأنه “مختبر لاختبار منتجات وخدمات جديدة”، يعتبر أيضاً بمثابة تعزيز مُفرط لطموحات المصرف الرقمية – عكس المظهر الرصين لمركز البيانات.

يقع مركز الابتكار في مبنى أنيق في مدريد ـ كان في السابق بمثابة سجن وقصر ومسلخ. لكنه الآن، مع 16 ألف زائر سنوياً، يمثّل حديقة ذات طابع مؤسسي، مع تصاميم تصوّر مستقبل القطاع المصرفي، مثل أنموذج فرع كامل الحجم. الخريطة النابضة ثلاثية الأبعاد تقع إلى جانب شاشات تخفق بشراسة بالمتابعين على “تويتر”، واتصالات “لينكدإن”، وحالات الإعجاب على “فيسبوك”.

من خلال الخريطة، بإمكان المصرف الإسباني عرض البيانات عن المعاملات عبر أي من بطاقاته، أو أجهزة الصراف الآلي التابعة له في أنحاء المدينة كافة – نهج أطلق عليه مصطلح “الأشعة الحضرية”. يقول إن بإمكانه استخدام هذه البيانات لتوفير معلومات عن عادات المستهلكين للشركات – مثلا، من خلال عرض أي الأجزاء من المدينة تشهد أكبر حجم من أنواع معينة من المشتريات، أو كيف يمكن أن تعمل الأحداث مثل مباريات كرة القدم على تحديد سلوك المستهلكين.

ويعمل المصرف أيضاً على إعادة تشكيل نفسه باعتباره راعيا لشركات التكنولوجيا المالية، أو fintech، التي يزور كثير منها مركز الابتكار التابع للمصرف. وضاعف القنوات للعمل مع التكنولوجيا، بما في ذلك بانكو بيلباو فيزكايا أرجنتينا للمشاريع – فرعه لرأس المال المغامر، القائم في سان فرانسيسكو.

وكثير من استثماراته يتوقف على تعظيم التعرّض للإنجازات التكنولوجية التي تُغيّر العالم. وعندما استثمر المصرف في كُوْينبيز، قال جاي رينمان، العضو التنفيذي في فرع المصرف الاستثماري، إنه ببساطة أراد “أن يفهم ما يجري”. المنطق وراء العمل على نطاق واسع مع شركات أخرى قائم على افتراض أن المصرف الإسباني غير قادر على الابتكار بسرعة بقدر الكتلة الجماعية من شركات التكنولوجيا المالية الناشئة، وهو ما يُفسّر رغبة المصرف في الاستحواذ على شركات أصغر. يقول بافولا “أحد الأشياء التي تعلمتها هي أن الابتكار عادة ما يحدث في مكان آخر”.

المصرف الإسباني يعمل أيضا حتى على استضافة مسابقات على غرار إكس فاكتور لشركات التكنولوجيا ـ مسابقته “الموهبة المفتوحة” فازت بها الشركة الإسبانية، ترايتي، التي تسعى للمساعدة في تحديد مفهوم السمعة على شبكة الإنترنت. وتقدم الشركة الآن خدمات استشارية للمصرف.

كذلك تحدّي الابتكار “أنوفا” يوفر بيانات مجهولة المصدر من بطاقات الائتمان للمبتكرين في كافة أنحاء العالم، التي بإمكانهم بعد ذلك استخدامها لإنشاء التطبيقات والخدمات. ويكافئ المصرف الإسباني أفضل الأفكار في المنافسة بجوائز مالية.

في إسبانيا، BBVA ليس وحده في حماسه للتكنولوجيا. في الأسابيع الأخيرة، مثلا، أعلن المصرف المنافس، سانتاندر، عن حملة رقمية كبيرة، بما في ذلك الخدمات القائمة على خدمة السحابة. وأنشأ كايكسابانك، ثالث أكبر مصرف في البلاد، مركز “البيانات الكبيرة” في برشلونة العام الماضي.

لكن لم يبذل أي منهما جهدا كبيرا بقدر بانكو بيلباو. وراء هاجس المصرف الرقمي تجد جونزاليس، رئيس مجلس الإدارة الذي أشار في مؤتمر النتائج في شباط (فبراير) إلى أن المصرف، في المستقبل، سيُصبح “رقمياً بالكامل”، مُضيفاً، “منصات التكنولوجيا هذه تعمل على إحداث تغيير عميق جداً في طريقة عملنا للأشياء، وكيف نعالج البيانات وأين نعالج البيانات”.

عادةً المشاركة الاستراتيجية للمصرف الإسباني في شركات التكنولوجيا الأخرى لم تتم مصاحبتها بكثير من بيانات الإفصاح المالية، كما لو أن القيمة تكمُن أكثر في الإعلان عن النوايا الرقمية. لكن هذا الشهر، قال إن “التحوّل الرقمي” وإدارة التكاليف المرتبطة ستُسفر عن وفورات في التكاليف السنوية تبلغ 340 مليون يورو في إسبانيا.

ويعكف المصرف على بناء مركز آخر للبيانات في المكسيك. ويتوقع أن يكون لديه في نهاية المطاف ما مجموعه أربعة مراكز تعمل على معالجة مليار معاملة يومياً بحلول عام 2016. الخزائن الرقمية ربما تكون أقل وضوحاً من مركز الابتكار ذي المزايا الكبيرة التابع للمصرف الإسباني، لكن حجمها ونطاقها ينموان.

وتعتبر ترايتي، الشركة الإسبانية التي تحاول قياس الجدارة الائتمانية للشخص على الإنترنت، مثالا على الابتكار الذي يبحث عنه المصرف الإسباني في الخارج.

فهي تأخذ المعلومات التي يوفرها المستخدمون من كافة منصاتهم على وسائل الإعلام الاجتماعية، لبناء صورة عن صدقيتهم الشاملة، التي تقول إنها تقوم بتعزيز الثقة بالأسواق على الإنترنت حيث المشترون والبائعون لم يلتقوا أبداً.

بعد الفوز بمسابقة “الموهبة المفتوحة” في عام 2013، التي جعلت الشركة تكسب استثمارا بمقدار 100 ألف يورو، تعمل ترايتي الآن على توفير تطبيق فيسبوك للمصرف الإسباني، وهو مُصمم للسماح لزبائن بانكو بيلباو بتأكيد “شخصيتهم المالية” من خلال سلسلة من الألعاب.

الشركة، التي لديها نحو خمسة ملايين مستخدم، تعتقد أن التكنولوجيا الخاصة بها يمكن استخدامها أيضاً من قِبل شركات التأمين، والمصارف، إذا كان بإمكانها دمج السمعة على الإنترنت مع المخاطر الائتمانية.

وقال جوان كارتاجينا، رئيس “ترايتي” التنفيذي ومؤسسها، مباشرة قبيل توجهه إلى لندن للقاء مصارف أخرى “نحن نحاول معرفة ما إذا كان الناس الذين يتمتعون بسمعة معينة لديهم وضع شخصي أفضل من حيث المخاطر”.

المصدر: Financial Times

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى