مقالات

جامعاتنا والحلول الإقتصادية : أسباب الإنفصام وأهمية العلاج

شارك هذا الموضوع:

*د.جمال الحمصي

رغم تواجد 30 جامعة خاصة وحكومية في الأردن وتوفر مئات الجامعات في وطننا العربي، تعيش جامعاتنا الأردنية والعربية حالة غير مفهومة من التوحد مع الذات والانعزال عن الصناعة والاقتصاد والتحديات المجتمعية مع انها يفترض أن تملك بعضا من أفضل العقول البشرية اللازمة لتوليد الحلول أو على الأقل توفير خيارات السياسة العامة للتعامل مع المشكلات الاقتصادية بشكل خاص والمجتمعية المتفاقمة بصورة عامة. 

ولكي لا أسرف في التنظير على القارئ أتساءل: أين دور أقسام وأساتذة الاقتصاد في جامعاتنا في التخطيط التنموي الاستراتيجي وفي تخفيف معدلات الفقر والبطالة والتصدي لمشكلات عجز الموازنة العامة وتدني القوة الشرائية والتباطؤ الاقتصادي الراهن؟ 

أين دور أقسام الهندسة والتخطيط وأساتذتها في التعامل مع تحديات النقل العام وارتفاع كلفة البناء في بلادنا؟ أين دور كليات الادارة في إعادة هندسة القطاع العام وتحسين كفاءته؟ أين مساهمة أقسام الاقتصاد الإسلامي والمصارف الإسلامية في زيادة عقود وأدوات “المشاركة في المخاطر” وبالتالي زيادة الاستثمار الانتاجي؟ بل أين مساهمة أقسام وأساتذة علم الاجتماع والتربية في تخفيض معدلات الجريمة والانحراف السلوكي والطلاق في مجتمعاتنا؟..

وهكذا؛ إذ يفترض أن يكون لكل علم وقسم جامعي تطبيقاته العملية ومساهماته في التخفيف من المشكلات الاقتصادية والمجتمعية الحادة والمزمنة.

ولأغراض المقارنة، تساهم الجامعات في الغرب باعتبارها مؤسسات بحثية مستقلة في دراسة المشكلات المجتمعية والتحديات الوطنية وفي بلورة الخيارات المتاحة للتعامل معها، الى جانب دورها التقليدي في التدريس ونقل المعرفة إلى الأجيال القادمة. 

ونظرا لأهمية تحسين كفاءة قطاع التعليم العالي وانتاجيته، يهدف هذا المقال إلى تقصي الأسباب الرئيسية الكامنة لظاهرة “التوحد” في قطاع التعليم العالي الأردني مع ايراد بعض الأسباب التوضيحية لأهمية التعامل مع هذا التحدي الوطني.

السبب الأول لظاهرة التوحد والأهم برأيي هو تركيز جامعاتنا على رسالة “التدريس النظري” وليس على رسالة البحث التطبيقي وتقديم الاستشارات وتطوير السياسات العامة، وكأن الرسالة الأخيرة هي حصراً من مهام القطاع العام ومؤسساته البيروقراطية. 

هذا واضح في خطط المواد الدراسية لكن أيضا في معايير تعيين الكادر الأكاديمي في جامعاتنا الأردنية والعربية عموما.

 ففي حين تسعى الجامعات الغربية المرموقة إلى توطين الكفاءات التدريسية والخبرات العملية على حد سواء، وبالتالي تعتبر من يملك “خبرات تطبيقية” في مجال معين شخص مؤهل للتعيين والتدريس والترفيع حتى وان لم يكن يملك درجة الدكتوراة بالضرورة، تصر جامعاتنا على اعتبار سنوات “الخبرات التدريسية” كمعيار أساسي ووحيد للتعيين في رتبة محددة وأساس للترفيع في الكادر الأكاديمي الجامعي.

في الغرب، يعتبر ذوي الخبرات العملية المميزة “أساتذة ممارسون” (أعلى رتبة جامعية) رغم انهم يحملون الشهادة الجامعية الأولى أو الثانية فقط.

السبب الثاني هو غياب أولويات البحث الجامعي على مستوى مؤسسي أو وطني، مع التركيز على الجانب النظري وليس التطبيقي من البحث العلمي. 

فليس هنالك من جهة مركزية تحدد أولويات البحث التطبيقي في نظام التعليم العالي عندنا، والتي يفترض ان تكون مستمدة من الأولويات الوطنية ومن برامج التنمية وخططها (وثيقة رؤية الاردن 2025)، وبالتالي يجتهد كل دكتور باختيار البحث النظري الذي يراه مناسباً دون اي تنسيق جوهري مع غيره، وهمه الوحيد على الأغلب هو الايفاء بشروط الترفيع.

السبب الثالث، هو البيئة الطاردة للكفاءات المتفرغة وزيادة نسبة المحاضرين غير المتفرغين في نظام التعليم العالي.

وفي حين ان للمحاضرين غير المتفرغين دور ايجابي في سد فجوة الكادر الاكاديمي اللازم لتوفير خدمات التدريس لأعداد متزايدة من الطلبة في الجامعات الحكومية الاردنية، الا ان رسالة هؤلاء المحاضرين تنحصر في التدريس قصير الأجل ولا دور لهم في دعم البحث العلمي في جامعاتنا وليس متوفر للأسف أية احصاءات حول حصة أو مساهمة هؤلاء المحاضرين غير المتفرغين في اجمالي عدد الساعات التدريسية المقدمة من قبل نظام التعليم العالي في المملكة.

السبب الرابع هو دور الاعتبارات التجارية وغير المهنية في اختيار الكادر التدريسي في الجامعات الخاصة والعامة، بمن فيهم المحاضرين غير المتفرغين. وهذا السبب يطول شرحه، فمثلا من غير المستبعد ان تفضل جامعة خاصة تعيين دكتور غير اردني حاصل على الدكتوراة من جامعة غير غربية لاعتبارات الربح والخسارة فقط، رغم توفر الدكتور الأردني الأكفأ والمتخرج من جامعات أميركية أو بريطانية.

وبالعودة الى صلب الموضوع، وفي ضوء غياب الجامعات الأردنية والعربية عن قوائم افضل الجامعات حول العالم، يمكننا الاستنتاج بحاجة قطاع التعليم العالي في العالم العربي إلى اصلاحات هيكلية تتجاوز الشكليات وتصل الى الرؤى والتشريعات والقيادات والموازنات والحوافز المالية وكفاءة الجهات الرقابية والتنظيمية لقطاع التعليم العالي (مثل وزارات التعليم العالي وهيئات اعتماد مؤسسات التعليم العالي). 

ونحن في الأردن أولى بهذه الاصلاحات الهيكلية في ضوء اعتماد تنافسية اقتصادنا على الموارد البشرية عالية الكفاءة، سواء في مجال توفير الحلول لقضايا السياسة العامة، أو توفير مصادر ومزايا جديدة للنمو الاقتصادي المستدام، أو على صعيد توفير الدخل الخارجي/ حوالات العاملين في الخارج، أو في مجال توفير الخدمات التعليمية العالية لأعداد متزايدة من الطلبة غير الأردنيين (أو ما فضلت تسميته في مقال سابق بالسياحة القائمة على المعرفة).

_

يمتلك مبيضين خبرة تقارب الـ 10 اعوام في مجال العمل الصحافي، ويعمل حاليا، سكرتير تحرير ميداني في صحيفة الغد اليومية، وصحافيا متخصصا في تغطية أخبار قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الملكية الفكرية، الريادة، والمسؤولية الإجتماعية. ويحمل مبيضين شهادة البكالوريوس من جامعة مؤتة – تخصّص ” إدارة الأعمال”، كما يعمل في تقديم إستشارات إعلامية حول أحداث وأخبار قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأردني. Tel: +962 79 6542307

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى