مقالات

“الإنترنت”.. ليست للناس فقط بل للأشياء أيضا

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي – أ.د.سعد علي الحاج بكري

تقول إحصائيات الإنترنت العالمية IWS، الصادرة في آذار (مارس) عام 2017، إن عدد مستخدمي الإنترنت على مستوى العالم بلغ نسبة قدرها 49.7 في المائة من سكان العالم، أي نحو نصف هؤلاء الذين بلغ عددهم عندئذ نحو 7.5 مليار إنسان. وتختلف هذه النسبة بين منطقة وأخرى من العالم، فهي أكثر من النسبة العالمية هذه في كل من “الشرق الأوسط، وأمريكا اللاتينية، وأستراليا، وأوروبا، وأمريكا الشمالية”؛ وهي أقل من هذه النسبة في كل من “آسيا وإفريقيا”. النسبة الأعلى بين مناطق العالم هي من نصيب أمريكا الشمالية، حيث بلغت 88.1 في المائة؛ والنسبة الأدنى هي في إفريقيا، حيث بلغت 28.3 في المائة. تتميز الإنترنت بأنها الحاضنة الرئيسة للمعلومات في العالم، وأنها تتعامل مع جميع مستخدميها بندية، حيث تقدم خدمات معلوماتية للجميع، تسمح لهم جميعا بالبحث عن المعلومات، والحصول عليها من مختلف المصادر المتاحة، على مدى العالم بأسره. ويضاف إلى ذلك، أنها تسمح للجميع أيضا بأن يكونوا مصادر للمعلومات يقدمون ما لديهم إلى الآخرين حول العالم. تكمن عبقرية الإنترنت في انفتاحها على الجميع عبر مبدأ بسيط للغاية. وهذا المبدأ هو مبدأ وجود “منطقة وسيطة محايدة تقنيا ومعلوماتيا” تعمل “كوسيط” يجمع أطراف الإنترنت، مهما تباعدت. تسمح هذه المنطقة المحايدة لجميع نظم الاتصالات والشبكات، السلكية واللاسلكية، والثابتة والمتحركة، والفضائية والأرضية، بالنفاذ إليها، حيث يؤدي ذلك إلى تمكين جميع مستخدمي هذه النظم والشبكات من التفاعل مع خدمات الإنترنت. كما تسمح أيضا ببناء نظم معلوماتية مختلفة تستطيع تقديم خدماتها للجميع، مثل “الخدمات الإلكترونية لمؤسسات الأعمال” في المجالات المختلفة، ومثل “الخدمات الإلكترونية الحكومية”. كما تمكن هذه المنطقة أيضا كل مستخدم للإنترنت من أن يطلق ما يشاء من المعلومات عبر نظم معلومات الشبكات الاجتماعية التي باتت جزءا من حياة كثيرين حول العالم. ويعبر اسم الإنترنت Internet عن أنها الشبكة الجامعة للشبكات أي “شبكة الشبكات”. وهي كذلك فعلا، عبر المنطقة الوسيطة المحايدة. فهي”شبكة شبكات الاتصالات” بين الناس، حيث تؤمن لهم التواصل بالصوت والصورة والنصوص؛ وهي أيضا شبكة “شبكات المعلومات”، حيث توفر لهم خدمات المعلومات المختلفة. ولعل لابد من الإشارة هنا إلى أن الإنترنت تحتضن ضمن بنيتها شبكات وخدمات معلومات خاصة، تتمتع بوسائل إضافية تقوم بإتاحتها إلى مجموعات محددة من المستخدمين، وليس إلى الجميع. وقد ارتفع، في مطلع القرن الـ21، صوت فكرة “توصيل الأشياء” إلى الإنترنت، وليس الناس فقط؛ وهكذا ظهر تعبير “إنترنت الأشياء” IoT. وكانت منطلقات هذه الفكرة هي: تطوير “حياة الإنسان” وزيادة مستوى رفاهيته من جهة؛ وتحسين “أداء الأعمال” بما يتضمن تعزيز كفاءتها وجودتها من جهة أخرى. والوسيلة إلى ذلك هي “جعل الأشياء عناصر إيجابية على الإنترنت”، تتحدث عن نفسها، وعما تتأثر به من حولها، وتنقل ذلك إلى أشياء أخرى متصلة إلى الإنترنت، أو إلى مستخدمين آخرين من الناس. وقد حدثت بعض الإنجازات في هذا الشأن مع الوصول إلى العقد الثاني من القرن الجديد. ونتيجة لذلك، بدأت المؤسسات الوطنية والدولية المتخصصة وضع معايير للمستقبل، تهتم بالتوسع في “إنترنت الأشياء” على أسس سليمة تستند إلى خبرات سابقة، تهتم بجودتها وتوحيد مواصفاتها ضمن أطر متكاملة وشاملة. تضمنت المنظمات الوطنية والدولية التي اهتمت بمعايير “إنترنت الأشياء” كلا من: جمعية الإنترنت IS؛ والاتحاد الدولي للاتصالات ITU؛ ومنظمة المعايير الدولية ISO؛ والمعهد الوطني الأمريكي للمعايير والتقنية NIST؛ ومعهد المهندسين الإلكترونيين والكهربائيين الأمريكي IEEE، وهو المعهد الذي يضم في عضويته مهندسين من مختلف أنحاء العالم. وهناك بالطبع منظمات أخرى كثيرة حول العالم تهتم “بإنترنت الأشياء” ومتطلباتها، وأساليب تشغيلها والاستفادة منها. وتقول جمعية الإنترنت في وثائقها بعدم وجود تعريف عالمي موحد “لإنترنت الأشياء”، لكنها في الوقت ذاته أعطت عام 2015 تصورا مناسبا لها، نطرحه فيما يلي: “يعبر مصطلح إنترنت الأشياء عن بيئة تعطي امتدادا للتوصيل الشبكي والإمكانات الحاسوبية يشمل معدات لا تعتبر حواسيب مثل أجهزة التحسس (التي تقوم بمراقبة الحالة المحيطة بها وترصد تغيراتها المختلفة وتنقل المعلومات بشأنها إلى مكونات أخرى تستطيع اتخاذ الإجراءات بشأنها)، ومثل أجهزة أخرى معتادة تستخدم يوميا (على المستوى الشخصي، أو على المستوى المهني في شتى المجالات)، ويضاف إلى ذلك مكونات مختلفة لها أدوار مكملة أخرى؛ وتسمح البيئة لهذه الأشياء بتوليد البيانات، وتداولها مع جهات أخرى والاستفادة منها؛ وذلك بأقل ما يمكن من التدخل البشري”. نلاحظ مما سبق أن “إنترنت الأشياء” يمكن أن تقدم فوائد في مختلف المجالات. وقد حددت دراسة حول الموضوع، أجرتها مجموعة “الاقتصادي” The Economist البريطانية عام 2013، ثمانية مجالات رئيسة يلقى استخدام “إنترنت الأشياء” فيها إقبالا كبيرا؛ وهذه المجالات هي: “البنية الأساسية، والإنشاء والتعمير، والتصنيع، وتقنيات الاتصالات والشبكات، وخدمات الطاقة، والمياه، ومتطلبات الصحة والدواء، والسلع الاستهلاكية”، إضافة إلى مجالات أخرى مختلفة. وقدمت الدراسة أمثلة حول استخدام “إنترنت الأشياء” في المؤسسات. وبين هذه الأمثلة استخدامها في العمليات الداخلية للمؤسسات. ويشمل ذلك وضع أجهزة تحسس ترتبط بالإنترنت وتراقب هذه العمليات والبيئة من حولها، لتسمح من خلال ذلك بالكشف عن المشكلات ووضع الحلول اللازمة لها. وبينت الدراسة فوائد استخدام إنترنت الأشياء، وأوردت أمثلة على ذلك تضمنت: “تفعيل إدارة سلسلة نشاطات القيمة؛ وتطوير الخدمات الإلكترونية نحو الأفضل؛ وتحفيز الابتكار لدى العاملين، ورفع مستوى إنتاجيتهم، والحد من استهلاك الطاقة؛ وغير ذلك من فوائد تقدمها إدارة تستند إلى معرفة ما يجري من حولها، من أجل زيادة الفاعلية ورفع الكفاءة”. تمثل “إنترنت الأشياء” تقنية جديدة واعدة تستحق أن نعطيها مزيدا من الاهتمام. ويشمل ذلك التوعية العامة بشأنها، وتحفيز الجامعات على الاهتمام بها وإجراء بحوث علمية ابتكارية في مجالاتها، يضاف إلى ذلك تشجيع المؤسسات على الاستثمار فيها واستخدامها والاستفادة منها. ولا شك أن “التعاون بين الجامعات وقطاعات الأعمال المختلفة” هو سيد الموقف هنا إذا كنا نتطلع إلى مواكبة المعطيات الحديثة والإسهام فيها.

– الاقتصادية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى