مقالات

الطب بين المجرب والطبيب الإنترنت

شارك هذا الموضوع:

د. عاصم منصور

من منا لم يلجأ يوما ما إلى أحد محركات البحث على شبكة الانترنت للحصول على معلومة صحية تخصه أو تخص أحد أفراد عائلته، فقد خلصت إحدى الدراسات التي نشرت حديثا أن نحو ثلثي الأميركيين يلجأون إلى الانترنت للحصول على المعلومة الصحية ولا يختلف الوضع في معظم دول العالم.
ويعود سبب الاستعانة بالانترنت إلى سهولة الوصول إلى المعلومة في أي وقت ومن اي مكان دون الحاجة إلى التعرض لبيروقراطية المؤسسات الطبية وانخفاض التكلفة أو انعدامها وتراجع مستوى الثقة في بعض المؤسسات الطبية.
لذلك لجأت بعض الشركات والمؤسسات الى تطوير برامج وتطبيقات ذكية ومتخصصة تعتمد على خوارزميات متطورة ومتشعبة تحاول ايصال الباحث إلى الجواب السليم، أو على الأقل تقوم بحصر الاجوبة الأكثر احتمالية، فظهر عدد كبير من المواقع التفاعلية التي تقوم بتحليل أعراض المريض أو الشخص الباحث عن المعلومة وقد تقوم بتوجيه بعض الاستيضاحات له ومن ثم تحاول إيصاله إلى التشخيص الدقيق.
باحثون من جامعة هارفرد قاموا باختبار مدى دقة هذه المواقع والتطبيقات من خلال تعريضها لاختبار باستخدام أعراض لأمراض معروفة بعضها منتشر واخرى نادرة واختبار مدى قدرتها على الوصول إلى التشخيص الدقيق أو حتى الاقتراب منه.
لكن النتائج لم تكن مشجعة؛ فقد كانت نسبة الوصول إلى التشخيص الدقيق لا تتعدى الثلث مع تباين كبير في الدقة بين المواقع المختلفة، والامر الاكثر خطورة ان اداء هذه التطبيقات كان الاضعف عندما تعلق الامر بالامراض الطارئة التي تستدعي تدخلا سريعا، ما يعطي المريض تطمينا زائفا قد يثنيه عن طلب المساعدة الطبية.
قد يقول قائل إن الأطباء من الممكن أن يجدوا انفسهم عاجزين عن الوصول للتشخيص الدقيق في بعض الحالات، وهو تساؤل مشروع لكن الفرق هنا أن الممارسة الطبية تحكمها مرجعيات وقوانين وقواعد معروفة تجعلها مسؤولة عن ممارساتها واخطائها وهذه جميعها غير متوفرة في الوقت الحاضر لدى المواقع والتطبيقات الالكترونية.
العلم توصل الى صناعة اجهزة كمبيوتر عملاقة فائقة السرعة والذكاء تفوقت على الذكاء البشري في مناح كثيرة فقد هزمته في الشطرنج وفي الاولمبياد الطبية وساهمت من خلال شبكة الانترنت في رفع مستوى الوعي الصحي عند الناس، لكن الخطورة تكمن في الاعتماد على الآلة وما توفره من ذكاء صناعي في اتخاذ قرارات حاسمة سواء بتشخيص أو علاج الأمراض، فالعامل البشري ما يزال محوريا ولن يكون بالإمكان الاستغناء عنه “على الاقل في المدى المنظور”، وحتى ذلك الحين لا يصح لنا ترديد مقولة “اسأل الانترنت ولا تسأل طبيبا”.

– الغد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى