الرئيسيةريادة

“حارة” مبادرة تنهض بالنسيج المجتمعي للمكان وساكنيه

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي

لم تكن حياة محمد أبو عميرة في الحارة عادية، فهي المكان الذي جمع كل ذكرياته وتفاصيله. لتتشكل بعد ذلك رحلته بأن يكون ملهما للبعض، آخذا على عاتقه وبمساعدة العديد من المتطوعين، إظهار إيجابيات المجتمع الصغير عبر رفع حس المسؤولية للأفراد بالحفاظ على منطقتهم وممتلكاتها والتشبيك في الأعمال التنظيمية والتشاركية في الحارة.
مبادرة “حارة” تختص بكل ما يتعلق بالحارة، النظافة، الاقتصاد، التعاون، العلاقات المجتمعية بين أفراد تلك الحارة، الزراعة وتحويل المنطقة إلى “مناطق خضراء”، الحس الأمني والتفاعلي في الحارة، كل ذلك يمكن تطبيقه بوجود تشاركية وتعاون بين أفراد المكان جميعاً من رجال وسيدات وحتى أطفال وشباب الحارة، وهذا يخلق لديهم شعورا عائليا يحمي الحارة من أي مدخلات يمكن أن تؤثر عليها وعلى طبيعة سكانها.
وأبو عميرة الذي لديه عمله الخاص، وكان في السابق مستشاراً في وزارة التخطيط وأمانة عمان، بدأ في إطلاق مبادرته “حارة” منذ العام 2005، والتي كانت قبل ذلك على شكل مبادرات صغيرة في بعض مناطق المملكة، لم تأخذ مدى بعيدا في الاستمرارية، إلى أن قرر أن ينتقل إلى عمان والانطلاق في أول حارة يعمل عليها في تخطيطاته، وهي منطقة اليرموك حي العودة ممر رقم 2، لتأخذ مبادرته اسم “حارة”؛ حيث استغرق العمل على التغيير الجذري في تلك المنطقة ما يقارب الستة أعوام، وهي فترة ليست بالقصيرة، ولكن المُخرج كان جيداً، وواضحا للعيان، ما شجع الفريق على الاستمرارية في البحث عن “حارات” أخرى يتم العمل على إعادة تنظيمها مجتمعياً واقتصادياً ضمن المتوفر والمعقول للتنفيذ.
ويبين أبو عميرة أن الفكرة تبدأ من التجمع لسكان الحارة، والجلوس معهم، ووضع خطة وتصور لكل المشاكل التي يمكن أن تواجه سكانها على مختلف الصعد، ومن هنا يبدأ الانطلاق للعمل المجتمعي الذي يجمع القلوب والأيادي على النهوض بالمستوى الجمالي والاجتماعي والاقتصادي للمكان. وهذا بدا واضحاً على كل ما تقوم به المبادرة وتبدو المخرجات واضحة للعيان، للحد الذي أصبحت فيه بعض الحارات موضع دراسة لبعض طلبة الماجستير في نواح عدة، سواء اجتماعية أو اقتصادية وحتى إنسانية.
ويعتقد أبو عميرة أن الاهتمام بالجانب الجمالي للمكان له كبير الأثر في النفس، فتصبح هذه الناحية مسؤولية مختلف سكان الحارة الذين تصبح كل تفاصيل مكانهم جزءا منهم ومسؤولية عليهم المحافظة عليها، وعلى النسيج الاجتماعي لهم، من حيث رعاية المحتاجين فيها، وترسيخ مبدأ “التشارك” الذي ينهض بمختلف نواحي الحياة في المكان، على الرغم من أن التمويل للمبادرة هو “ذاتي”، بحسب أبو عميرة.
ومن أبرز أهداف “حارة” أيضا، وفق أبو عميرة، بناء الحارات الخضراء من خلال توفير مصدر ري ترشيدي باستخدام مياه الغسل وغيرها في ري مزروعات الحارة، حتى إن الكثير من المناطق أصبحت خضراء جراء هذه الأساليب الاقتصادية، كذلك ترميم حارات ومنازل قديمة، بالإضافة إلى تطوير أنظمة اجتماعية فعالة، عبر أنشطة تطوعية وتنظيمية تجمع بين أبناء الحي.
إلى ذلك، توفر مبادرة “حارة” أنظمة تعليمية مساندة للأطفال والأم؛ إذ بين أبو عميرة أن القائمين على “حارة” لديهم سجل يضم جميع أبناء الحارة ومستواهم التعليمي والاجتماعي والاقتصادي، ولديهم القدرة على معرفة المستوى التعلمي لكل طالب وتوفير مساندة تعليمية له، وهذا من شأنه أن يقلل من حجم التوتر والقلق العائلي حول تدريس الطفل، عدا عن القيام بدراسات مخصصة في تنمية المرأة والطفل والأسرة بشكل عام في المناطق المهمشة.
وطيلة فترة العمل في مبادرة “حارة”، قام الفريق التطوعي بالعمل على تطوير ست حارات، جميعها تُصنف على أنها حارات خضراء، ونسبة العنف المجتمعي فيها “صفر”، وبحسب أبو عميرة، فإن ما يقارب
98 % من سكان الحارات المستهدفة انخرطوا في العمل المجتمعي في تطوير أحيائهم وتنميتها. كذلك تعزيز مفهوم المواطنة لديهم واستغلال تلك الطاقة الإيجابية لديهم في تنمية مجتمعهم، بوجود فريق تطوعي من مهندسين ومحترفين في التعامل مع الأسرة ومختصين نفسيين والعديد من المجالات التي تسهم في دعم سكان الحارة في تنمية المجتمع المحلي.
ويبين أبو عميرة أن العمل المجتمعي والتطوعي الذي ينهض بالمجتمع عليه أن يعمل على تنمية الفرد والبيئة المحيطة به، قبل الاهتمام بالمظهر الخارجي فقط، فهذا ينشئ جيلا لديه حب العمل المجتمعي “التطوعي” والمحافظة على البيئة التي يحيا فيها ضمن منطقته، وصولاً إلى المجتمع ككل.
ويشار إلى أن “حارة” حصلت على العديد من الجوائز والتقديرات في محافل محلية ودولية عدة، فعلى سبيل المثال، عمد نادي الفكر الجديد على إبراز تجربة أبو عميرة في تطوير المجتمع المحلي، ووصفه الكثيرون بـ”الجندي غير المجهول”، بالإضافة لحصول المبادرة على جائزة زمالة المنظمة العالمية للريادة الاجتماعية- أشوكا ashoka، ومؤتمر المعماريين الشباب 2010 أمانة عمان، ولقب أول حارة خضراء بالوطن العربي.

– الغد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى