مقالات

كيف جعلت الرسائل النصية عيدنا “حروفاً بلا أصوات”؟

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي

إذا جربت مسح جميع تطبيقات التواصل النصي السريع قبل العيد بقليل من هاتفك الذكي، وعطّلت حسابك على “فيسبوك” و”تويتر” ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، ربما ستتفاجأ بعدد الاتصالات التي ستتلقاها، أو الأيادي التي ستدقّ باب بيتك يوم العيد لتهنّئك به؛ وهذه نتيجة طبيعية لاعتماد المجتمع المفرط على التهاني الإلكترونية، التي جعلت العيد صامتاً، وتعبير “كل عام وأنت بخير” حروفاً بلا أصوات.

وفي حين أن المقصد من عيد الفطر هو الاحتفال الجماعي بنهاية شهر رمضان المبارك بتقوية الروابط الأسرية وتبادل التهاني؛ سواء بالزيارات أو المعايدات الهاتفية، إلا أن ثورة الهواتف الذكية في السنوات الأخيرة سرقت شيئاً من معاني العيد، وأصبحت تسهم في تعزيز فردية المجتمع العربي أكثر وأكثر، وتغيّر مع مرور الوقت من طبيعة علاقاته.

من ناحية أخرى لا يمكن الإنكار أن وجود تطبيقات الرسائل الفورية التي توفرها الهواتف الذكية، ووسائل التواصل الاجتماعي، جلبت فوائد كثيرة وخلقت إمكانية جديدة من التواصل.

فلكونها مجانية وسريعة، ويمكن عبرها إرسال التهاني بطرق متعددة (صورة، فيديو، رسالة نصية)، فقد حفّزت المستخدم على إرسال التهاني لعدد أكبر من الناس، واختصار المسافات وتهنئة من تبعدهم الجغرافيا والظروف.

لكن التسهيلات التي قدمتها وسائل التواصل الحديثة يجب ألا تشكّل بديلاً عن اللحظة الحقيقية والتواصل الإنساني المباشر بشكل عام، وخاصة في المناسبات الهامة التي تكون فرصة لتجديد الود في المجتمع. وليس في هذا مبالغة، فبالنظر إلى دراسات كثيرة سابقة تبيّن أن تعلّق الناس الكامل بوسائل التواصل الاجتماعي يبني جسوراً افتراضية بين الناس، ويهدم الجسور الحقيقية التي لا تبنى إلا بالحديث والتواصل المباشر والضحك وقضاء وقت حقيقي معاً.

إضافة إلى ذلك، ليست المعايدات الإلكترونية هي المزعجة لذاتها، إنما طريقة استخدامها التي جعلت منها نصوصاً “أوتوماتيكية” ترسل بضغطة زر إلى 500 جهة اتصال أو صديق قد تكون لا تعرف حقاً كثيراً منهم، ليشعر كل منهم بأنه ليس مقصوداً لنفسه، وبذلك تفقد الرسائل والصور والتهاني معناها.

كما أن الفضاء الإلكتروني الواسع أفسح المجال أمام مزيد من التسهيلات، فأصبحت المواقع تجّهز رسائل تهنئة، سواء على شكل صور أو نصوص أو مقاطع مصورة، لتوفّر على المستخدم عناء التفكير وكتابة تهنئة بنفسه لأقربائه وأصدقائه وعائلته، وهو ما يبدو ظاهرياً إيجابياً وموفراً للوقت، إلا أنه يبعد كثيراً عن المقصد الأساسي لتهنئة العيد التي يجب أن تعبّر عنك أنت لتصل للآخرين، فهي تواصل شخصي مقصود ذو معنى إنساني واجتماعي وقيمي، وليس واجباً يمكن تأديته برسالة جماعية لقائمة بريدية.

هذا الاعتماد الكامل على التقنية في التواصل ليس متعلقاً بالعيد فقط، ولا يقتصر تأثيره عليه إنما يحمل أبعاداً كثيرة ستغير شكل المجتمعات وتغير في قدرات الإنسان على التواصل؛ الأمر الذي سيجلب معه مشاكل اجتماعية وسلوكية ونفسية جديدة، أو سيفاقم المشاكل الموجودة أكثر.

فعلى سبيل المثال، وبحسب دراسات حديثة، فإن كثرة استخدام الأشكال التعبيرية في الرسائل قد تضر بقدرة الإنسان على التعبير في حياته اليومية، وعلى فهمه لتعابير وجوه الآخرين، خاصة الجيل الصغير الذي تربّى على أن النقطتين والقوس 🙂 تعني ابتسامة، وأنه يستطيع بشكل عادي جداً أن ينقل مشاعره من دماغه فوراً إلى الرسالة النصية دون أن تمر بتعابير وجهه.

وفي هذا ما يفقد الإنسان جزءاً من إنسانيته، أو كما قال المدون المصري الشاب، أحمد جمال سعد الدين، في إحدى تدويناته: “أعتقد والله أعلم، أن البشرية فَقدت ثلاثة أرباع تراثها، في اللحظة التي اكتشف فيها شخص يجلس أمام جهاز كمبيوتر أن بإمكانه كتابة حرف هاء متكرر دون أن يضحك”.

الخليج اون لاين

_

يمتلك مبيضين خبرة تقارب الـ 10 اعوام في مجال العمل الصحافي، ويعمل حاليا، سكرتير تحرير ميداني في صحيفة الغد اليومية، وصحافيا متخصصا في تغطية أخبار قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الملكية الفكرية، الريادة، والمسؤولية الإجتماعية. ويحمل مبيضين شهادة البكالوريوس من جامعة مؤتة – تخصّص ” إدارة الأعمال”، كما يعمل في تقديم إستشارات إعلامية حول أحداث وأخبار قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأردني. Tel: +962 79 6542307

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى