مقالات

الملكية الأردنية: اتركوها وشأنها واتركوا المال العام وشأنه!

شارك هذا الموضوع:

جواد جلال عباسي

بداية أقول ان طيران الملكية الاردنية _برأيي- من أفضل خطوط الطيران من ناحية الخدمة والراحة. بحكم عملي استخدم طائرات الملكية الاردنية أكثر من 30 مرة سنويا وعلى الاغلب انا سعيد بخدمة الشركة ومواعيدها وأسعارها. لكن الشركة – مع كل التقدير- ليست ركنا أساسا من اركان الاقتصاد الأردني بعكس ما تصرح به.
يقرر التقرير السنوي لشركة عالية الخطوط الجوية الملكية الأردنية انها “ترفد الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين 2 إلى 3 % وبما يفوق مساهمة قطاعات اقتصادية بارزة في هذا الجانب”. النسبة يبدو انه قد تم حسابها بتقسيم اجمالي إيرادات الشركة (599 مليون دينار في 2016 و658 مليون دينار في 2015) على مجمل الناتج المحلي الإجمالي للأردن (أكثر من 25 بليون دينار). هذه هي الأسطورة الأولى التي تتكرر للأسف في الاعلام بلا تمحيص: فالناتج المحلي الإجمالي هو مجموع القيمة المضافة في الاقتصاد لا مجموع إيرادات الشركات العاملة فيه. والقيمة المضافة لشركة الملكية الأردنية يمكن تلخيصها بحاصل مجموع ربحها وضرائبها مع رواتب ومنافع الموظفين فيها وعمولات البيع لا بمجمل إيراداتها. فما تدفعه الشركة ككلفة وقود واستئجار طائرات وقطع الغيار وما تدفعه كرواتب ورسوم للمناولة الأرضية خارج الأردن وغيرها والذي بمجموعه يفوق 85 % من إيراداتها ليس فيه أي قيمة مضافة في الاقتصاد الأردني. تقديرا القيمة المضافة للشركة كانت بحدود 100 إلى 120 مليون في 2015 و 50 الى 65 مليون في 2016. حتما لا تشكل 2 او 3 % من الاقتصاد الأردني بل ما لا يزيد عن أربعة بالالف من الناتج المحلي الإجمالي الأردني في أفضل سنوات الربح!
نقلت الملكية الأردنية حوالي ثلاثة ملايين راكب من والى الأردن في 2016 بنسبة حوالي
40 % من اجمالي المسافرين عبر مطار الملكية علياء الدولي. وهذا أساس الأسطورة الثانية التي تقول ان الملكية الأردنية هي التي تجلب المسافرين وان أي طارئ يحصل لها سيعني انهيار قطاع السياحة وانخفاض اعداد المسافرين للأردن. يتعامى المروجون لهذه الأسطورة الثانية ان مطار الملكة علياء الدولي تهبط فيه طائرات حوالي 40 شركة طيران منافسة مع شركة الملكية الأردنية وان معظم خطوط شركة الملكية الأردنية يوجد فيها خيارات أخرى. وبالتالي فان توقف الملكية عن خدمة خط أو عدة خطوط خاسرة لا يعني ان المسافرين على هذا الخط سيتوقفون. في هذه الحالة الشركات الأخرى ستكون خيار المسافرين وستزيد رحلاتها لعمان -عبر اتفاقيات الكودشير إذا احتاجت- لتلبية الطلب المتزايد على رحلاتها. وستزيد موظفيها في عمان وإعلاناتها في الأردن.
أساس الخطأ في الأسطورة الثانية هو الخلط بين قطاع النقل الجوي كمنظومة كاملة وبين شركة طيران تملك حصة سوقية محترمة فيه. فقطاع النقل الجوي منظومة تشمل مرافق المطار وشركات الدعم اللوجستي وشركات النقل وشركات السياحة والسفر وأكثر من أربعين شركة طيران من ضمنها الملكية. في هذه المنظومة فان مطار الملكة علياء الدولي -لا الملكية الأردنية- هو المرفق الأهم الذي يشكل حجر الأساس في قطاع النقل الجوي لان لا بديل مقبولا موجودا له. فيما باقي الشركات لها بديل متوفر أو يمكن توفيره بسهولة.
هذا ويؤكد تحليل معامل امتلاء المسافرين عند الملكية الأردنية نقطة توفر البديل بسهولة. فقد بلغ معامل امتلاء المسافرين عند الملكية الاردنية 65 % في 2016 على 37272 اقلاع (رحلة) التي نقلت 40 % من المسافرين عبر مطار الملكة علياء بمعدل 80 مسافرا لكل رحلة. وعلى فرض أن باقي الشركات لها معامل امتلاء المسافرين أعلى (مثلا 75 %) يمكن تقليل عدد الرحلات الكلية (إذا انسحبت بعض الشركات من بعض الخطوط) بدون مشاكل تذكر كون معامل امتلاء المسافرين قليل نسبيا. بكلام آخر هناك سعة فائضة كبيرة نسبيا على الخطوط تضمن عدم وجود اختناقات كبيرة إذا خرجت بعض الشركات من السوق او قللت سعاتها المعروضة.
الاسطورتان أعلاه تشكلان أساس القرارات الحكومية التي حرقت وما تزال تحرق المال العام في شركة الملكية الأردنية. تحت هذا البند تكفلت الحكومة بزيادة راس مال الملكية في 2015
و 2016 بقيمة حوالي 90 مليون دينار فيما دفع الضمان الاجتماعي 10 ملايين دينار لضخ 100 مليون دينار في الشركة. هذه التسعين مليون دينار من الخزينة العامة ستلحقها تسعين مليون أخرى في 2017 و 2018 بحسب ما هو مقرر. وعندما نتذكر ان بيع وخصخصة الملكية الأردنية شمل قرارا -ابان الخصخصة- بان تقوم الخزينة الأردنية بامتصاص ديون متراكمة على الشركة تجاوزت بليون دينار كانت معظمها ثمن وقود لم تورد ثمنه، يكون مجموع الصرف الحكومي على الشركة قد وصل إلى بليون و 180 مليون دينار. مع أن أحد أهم أهداف قرار الخصخصة كان عدم تكرار هذا الضربات للخزينة العامة ومديونية الأردن. وبالتالي الخصخصة كانت لتجنب تكرار المخاطرة الاخلاقية Moral Hazard وجعل إدارة الشركة على أسس تجارية بدون دعم حكومي.
تلخيصا تكبدت الخزينة 1.18 بليون دينار (زادت من مديونية الأردن بنفس القيمة تقريبا) في قرارات متلاحقة أساسها تقييم خاطئ لأهمية الشركة يصورها كأنها مرفق حيوي من غيره يشل قطاع النقل الجوي والاقتصاد الاردني! فيما النظرة الموضوعية تؤكد أن الحكومة والخزينة العامة ليست “مجبورة” بدعم الشركة باي شكل.
بدلا من ضخ 90 مليون دينار في 2017 و 2018 الأفضل للحكومة أن تتركها وشأنها. اتركوها وشأنها كشركة خاصة تتنافس مع غيرها. اتركوها وشأنها تعمل على أسس تجارية مع كامل الحرية في اتخاذ كافة القرارات المهمة والصعبة (ترشيد موظفين وتقليل خطوط واستغناء عن طيارات). اتركوها وشأنها بدون تدخلات حكومية وتعيينات حكومية واستراتيجيات حكومية. اتركوها وشأنها بدون تذاكر مجانية وتبرعات مفروضة. اتركوها وشأنها تخط طريقها بنفسها تحت اشراف مالكيها. اتركوها وشأنها ولتحول الحكومة أسهمها الى دين على الشركة. اتركوها وشأنها واتركوا المال العام وشأنه.

-(الغد)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى