اقتصاد

أوروبا تحتاج إلى تكامل مالي حقيقي لا لصندوق النقد

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي – ترجمة: ينال أبو زينة

كشفت أزمة دين منطقة اليورو عن حاجة ماسة لشبكات أمان مالي ومؤسسات أوروبية أقوى.
وفي آذار (مارس) العام 2010، قدم توماس ماير ودانيال غروس –اقتصاديين ألمانيين- حجة قوية لضرورة إنشاء صندوق نقد أوروبي.
وكان في نهاية المطاف أن وافق قادة أوروبا على “مرفق الاستقرار المالي الأوروبي” في أيار (مايو) من العام نفسه.
وقد تحول هذا الأمر فيما بعد إلى “آلية الاستقرار الأوروبي”، التي تعمل جنبا إلى جنب اليوم مع صندوق النقد الدولي في برامج المساعدات المالية الأوروبية.
وكان إنشاء آلية الاستقرار بمثابة خطوة كبيرة في التقدم نحو دمج وإكمال منطقة اليورو، لاسيما وأنها وفرت دينامية قوية لدعم أسواق الديون السيادية وللتعامل مع التوقفات الفجائية لتدفقات رأس المال في وقت اشتدت فيه الأزمة المالية.
ولكن، بمرور الأيام، وتحديداً مع بروز عيوب جوهرية في هيكل الاتحاد النقدي الأوروبي، أثبت هذا النهج مدى محدوديته.
وأصبحت آلية الاستقرارا الأوروبي الآن تحتاج إلى التطوير.
وعلى صعيد متصل، يتخذ وزير المالية الألماني، فولفغانغ شويبله، نهجا حمائيا هنا ؛ فهو يوصي بتحويل آلية الاستقرار الأوروبي إلى صندوق نقد أوروبي حقيقي -فكرة جذابة بطبيعتها.
وفي حين التعاون بين شبكات الأمان الإقليمية والدولية أمر لا مفر منه، أصبحت مشاركة صندوق النقد الدولي في أوروبا صعبة الديمومة في شكلها الحالي.
وتمس الحاجة الآن إلى وضع إطار عمل إدارة أزمات أوروبية أقوى.
ومع ذلك، ليس اقتراح ألمانيا الجديد، لتأسيس صندوق نقد أوروبي، مكتملا بعد. فكما يتضح في الوقت الراهن، سوف يكون دور هذا الصندوق محدودا في إدارة الأزمات داخل الاتحاد النقدي.
وسوف يوفر ببساطة شبكة أمان متواضعة مقابل التطفل السياسي: ما أسماه جان كلود تريشيه ـ”الفدرالية بالاستثناء”.
وبدلا من ذلك، على منطقة اليورو أن تعزز الفيدرالية المالية. وهذا يعني استكمال إطار عمل سياسة المنطقة بميزانية حقيقية، والتي من شأنها أن تعفي البنك المركزي الأوروبي من مسؤولياته السياسية وبالإضافة إلى ذلك، على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن ترفع التكامل الديمقراطي لديها.
والغرض من صندوق النقد الأوروبي، كما أوضح السيد شويبله، هو إجبار الدول المقترضة على المضي قدما في إجراء تعديلات الانفرادية التي عادة ما تكون سيئة التصميم –ما يشبه كثيرا إطار العمل القائم حاليا. وبطبيعة الحال، فقد تراجع وزراء المالية بشكل منهجي عن جميع الوظائف -مثل إمكانية إعادة رسملة البنوك المباشرة ودعم الاتحاد المصرفي- وغيرها من اللواتي وافق عليها رؤساء دول أوروبا وحكوماتها في صيف العام 2012.
ولا يمكن لصندوق نقد أوروبي هنا أن يتعدى كونه تذييل لمنطقة اليورو من شأنه أن يزيد من تعاستها.
وعلى الرغم من ذلك، يعزز الاقتراح عقد النقاشات التي تمس الحاجة إليها حول خلق ميزانية حقيقية لمنطقة اليورو.
ويمكن لهذا أن يتحقق عبر تحويل آلية الاستقرار الأوروبية إلى سياسة اقتصادية أقوى.
وفي حال اتفقت حكومات أوروبا على تمكين هيكل اليورو بشكل حاسم، يمكنها بذلك أن تخضع آلية الاستقرار الأوروبية لسلطة المفوضية الأوروبي ولتدقيق غرفة اليورو في البرلمان الأوروبي.
ويمكن للآلية الاستمرار في أداء وظائف المساعدات المالية الحالية خاصتها عندما تكون هناك حاجة إليها.
وقد جمعت المفوضية 10 سنوات من الخبر في إدارة الأزمات المالية، الأمر الذي يصعب تكراره على يد مؤسسة جديدة.
ويمكن إضافة مهام جديدة تدريجيا حتى تتمكن آلية الاستقرار الأوروبية من التحول إلى خزانة شاملة وكاملة لمنطقة اليورو.
وفي البداية، يمكن للآلية أن تخدم كملاذ أخير في الأزمات المصرفية، ومن ثم أن توسع دورها إلى توفير إمدادات الأصول الآمنة المطلوبة لمواجهة صدمات الاقتصاد الكلي.
ومن أجل استمرار اليورو المنطقة اقتصاديا وسياسيا، تحتاج المنطقة إلى ميزانية يمكنها أن تدعم الاستثمار في فترات الانكماش، فضلا عن تيسير تحويلات محددة ومؤقتة عبر نظم التأمين ضد البطالة.
وعلى النقيض من صندوق النقد الأوروبي، سوف تكون خزانة اليورو وسيلة لاستعادة الانضباط في حين ستمكن في الوقت نفسه قدرة المنطقة على الصمود بفضل قوة استقرار ميزانية اليورو.
وفي الحقيقة، يقترح تاريخ الفيدرالية المالية في أميركا –وتحديدا دعوة وزيرة الخزانة الأميركي الأول، أليكساندر هاميلتون، لإنشاء ميزانية فدرالية- أن خطوات الضبط أصبحت ذات مصداقية فقط عبر التحرك بجرأة نحو الفيدرالية المالية.
ويغلب الظن أنه ليس هناك من طريقة أخرى بالنسبة لمنطقة اليورو حتى تتقدم بشكل أفضل.
وسوف يزيد تأسيس إطار إعادة هيكلة ديون دون ميزانية فقط عدم الاستقرار المتأصل في العملة الموحدة.
وبعيداً عن العواقب الاقتصادية، فإن الخطر الرئيسي لصندوق النقد الأوروبي سيتمحور حول إضعاف المؤسسات الأوروبية أكثر من خلال تمكين أدوار آلية الاستقرار الأوروبية التي تكرر القدرات القائمة في المفوضية الأوروبية حاليا – الأمر الذي يجعل وزراء مالية أوروبا يفرضون الأحكام جبرا ويتجرعون المسؤوليات التي رأت المفوضية خطأ كونها لا تصلح.
وهذا من شأنه أن يعزز اختلال الإدارة الاقتصادية في منطقة اليورو عبر تمكين النقاشات التي تحكمها مسبقاً قواعد الاجماع.
وتقترح خبرات السنوات القليلة الماضية أن تداخل 19 خط أحمر مختلف نادرا ما يلبي المصلحة الأوروبية العامة.
والأسوأ من ذلك، أن يساهم الصندوق الجديد في تمكين حقوق الفيتو للدول الكبرى، مثل فرنسا وألمانيا، على حساب التوازن الذي توفر المفوضية.
وقد يوسع ذلك الحم التكنوقراطي لمنطقة اليورو، بينما يغذي أيضاً العجز التنفيذي والديمقراطي في الوقت الذي تبرز فيها مطالب بشفافية المسؤولية والمساءلة.
وعلى النقيض من ذلك، يمكن لتأسيس ميزانية لليورو –تديرها المفوضية- أن تغير الإدارة الحكومية الدولية غير الفعالة للعملة الموحدة، وهذا سيتم من خلال تمكين مفوض الشؤون الاقتصادية والمالية بدلاً من رئيس المجموعة الأوروبية.
وعلى العموم، تبدو فكرة صندوق النقد الأوروبي وأنها اقتراح سخي يرمي إلى دمج منطقة اليورو وتحسين أداء برامج التعديل.
ولكنها في الواقع بمثابة نهاية مسدودة على المهتمين ببناء اتحاد نقدي قوي وحقيقي استخدامها كحجر زاوية لتعزيز ضرورة إيجاد ميزانية حقيقية لمنطقة اليورو وتجديد إدارتها الاقتصادية.

-(“الإيكونوميست” نقلا عن “الغد”)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى