هاشتاق عربي – د. خالد واصف الوزني
منذ نشأته والاقتصاد الأردني يعتبر أكثر اقتصادات المنطقة انفتاحا على نسقه الإقليمي وإطاره العالمي، وقد كان دوما مرآة عاكسة، سلبا أو إيجابا، لتطورات الأوضاع الاقتصادية في المنطقة العربيةـ ولعل ما نشهده اليوم من أوضاع اقتصادية صعبة أحد الأعراض الجانبية لهذه الحالة التفاعلية.
زاد ارتباط المملكة بالاقتصاد العالمي منذ بداية العام 1990 بعد أن أصبح الاقتصاد الأردني ضمن مظلة برامج صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في أعقاب الأزمة الاقتصادية التي شهدها الأردن في نهاية عقد الثمانينيات من القرن المنصرم. وقد لجأ الاقتصاد الأردني في أعقاب تلك الأزمة الى ربط الدينار الأردني بالدولار الأميركي بسعر ثابت بقي على حاله منذ منتصف العام 1995 حتى والآن.
وقد استطاع البنك المركزي الأردني الدفاع عن ذلك الربط وعن ذلك التثبيت على مدى السنوات منذ ذلك الحين. وقد استدعى ذلك أن يحافظ البنك المركزي على سياسات نقدية كمية تتناسب في اتجاهاتها مع التحركات التي يقوم بها البنك الفدرالي الأميركي، وخاصة في مجال رفع أو تخفيض أسعار الفائدة. وهو توجه سليم يتناسب والإبقاء على نمطية العلاقة بين سعري صرف الدينار والدولار أمام العملات الخارجية. بيد أن البنك المركزي خرج قليلا عن سياسة الإبقاء على التوجهات العامة لسعر الفائدة تناسقا مع الدولار، وذلك خلال الفترة الماضية في إطار توجهات اقتصادية سليمة استهدفت تخفيف حدة السياسات المالية الانكماشية التي كانت تتبعها الحكومة السابقة وكانت تحتاج إلى سياسة نقدية أكثر حصافة وتفهما للوضع الاقتصادي الانكماشي الذي كانت البلاد تمر به.
اليوم فقد جاء الوقت للعودة الى الأساسيات مرة أخرى، ليعود البنك المركزي إلى التناغم في سياساته مع سياسة سعر الصرف التي يتبعها، وهو ما فعله البنك المركزي بشكل سليم حينما بدأ برفع أسعار الفائدة تناغما مع التوجهات في البنك الفدرالي الأميركي واتباعا لمتطلبات سياسة سعر الصرف الحصيفة في هذا المجال، والتي يأتي على رأس أولوياتها الحفاظ على الاستقرار النقدي في البلاد. المشكلة دوما في مثل هذه التحركات تكمن في خروج بعض المحللين عن نسق التحليل السليم والقفز نحو تحليلات لا تعكس الرشد أو الواقعية. فكلما تحول البنك المركزي نحو زيادة في أسعار الفائدة، توجه البعض نحو التخوف غير المبرر نهائيا على سعر الصرف وعلى العملة المحلية. والحقيقة أن أبسط أدوات التحليل المرتبطة بالاحتياطيات من العملات الأجنبية تشير إلى استحالة تأثر سعر صرف الدينار، بل وتشير إلى قوة كبيرة للعملة المحلية حتى مقابل الدولار.
السياسة النقدية في الأردن من أكثر السياسات حصافة والبنك المركزي الأردني، أثبت على مدى تاريخه منذ بدء أعماله في نهاية العام 1964 أنه من أقدر البنوك المركزية على صياغة السياسات النقدية وسياسات سعر الصرف التي تحافظ على الاستقرار النقدي وتدعم النمو الاقتصادي في البلاد. الطريف في الأمر أن بعض المحللين بدأ يخرج عن إطاره وقدراته التحليلية ليضع سيناريوهات خرافية حول انهيار الاقتصاد العالمي وانهيار الدولار وغيرها من السيناريوهات التي تصلح في أفلام الخيال العلمي أكثر من التحليل الاقتصادي، والمصيبة أن ينتهي هؤلاء بتحليلات هزلية تمس العملة المحلية والأوضاع الاقتصادية لا في الأردن فحسب بل في المنطقة ككل. أقول لهؤلاء رفقا بنا من هذه التحليلات التي تضر صغار المودعين وحساباتهم ولا تنفع أحدا.
-الغد