اقتصاد

شتيوي: نعكف على إعداد قاعدة بيانات شاملة للأردن

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي

وصف مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية الدكتور موسى شتيوي العلاقة بين مراكز الفكر وصانع القرار في الوطن العربي بـ”ضعيفة، وليست تبادلية”، وقال “ما زالت العلاقة في الدول العربية بين مراكز الدراسات والأبحاث والتفكير مع المؤسّسات الرسمية “غير منتظمة”، وهذا يعود لكيفية صنع السياسات بهذه الدول.
وأشار، في حوار مع “الغد”، إلى أن مركز الدراسات الاستراتيجية “يسعى لاستقراء ما يواجه الأردن من قضايا، ويستطلع موقف الرأي العام حولها، وهذا جزء من عمله”، وقال “ما نقوم به جهد ذاتي لخدمة الدولة والمجتمع، لقد طورنا العلاقة مع المؤسّسات الرسمية، لكن لا أستطيع القول إنها عضوية”.
وأعلن أنه سيتم إطلاق نتائج مشروع “سيناريوهات الأردن 2030” خلال الشهرين المقبلين، موضحا أن السيناريوهات “رواية لقصة الأردن في 30 عاما مضت، ولقصته المستقبلية المحتملة”.
وأشار إلى أن المركز يعكف على إعداد “قاعدة بيانات شاملة للاردن”، لافتا الى ان المركز عمل على جوانب حيوية، كالحركات الإسلامية والسلفية؛ والتطرف؛ واللاجئين؛ والعلاقات الأوروبية العربية؛ والمشروع الاستشرافي لمستقبل الأردن.
واعتبر ان مشكلة توافر الموارد البشرية للمركز أكبر من المالية، لافتا إلى “انجاز المركز بحصوله على المركز الأول في الاقليم، والمرتبة 132 عالميا، ما يعد إنجازا أكبر بكثير من الموارد المتوفرة”.
وأشار إلى أن المركز يحضّر لاستحداث برنامج ماجستير في “الدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية”، كما استحدث “أستاذ كرسي” باسم جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال.
وقال إن المركز ينتشر دولياً ومحلياً، وإنه متفق مع إدارات الجامعة، بأن الأولوية للقضايا الوطنية.
واعتبر أن ما أنجز على المستوى السياسي، في الأردن “مهم، وإن لم يكن كافيا، ويجب البناء عليه مستقبلاً، فقد اكتشفنا أن هناك مشكلات في الإدارة العامة، كما تعاني الإدارة الاقتصادية من خلل، ومشكلات في التنفيذ والأداء، فضلاً عن الفساد وضعف سيادة القانون”.
ومن منظور تاريخي، حسب شتيوي، تعتبر الدولة الأردنية من النماذج العربية الأصيلة للدولة الحديثة، لما يتوافر لها من مشروعية دينية وقومية، وحداثوية؛ الى جانب سعيها لتجسيد الديمقراطية والتعددية.
واعتبر أن غالبية طروحات الدولة الدينية، تبين أنها لا تؤمن بالديمقراطية، وإقصائية، وفيها استئثار بالسلطة، وتغيب هوية الدولة وتربك بعدها القومي، مع إبقاء العلاقة مع الآخر إشكالية، دون إيجاد حلول مناسبة لها، مع الإقرار بأن تبني الديمقراطية وقبول التعددية السياسية وتداول السلطة واحترام الحريات الشخصية والأقليات، جاءت متأخرة”. وتاليا نص الحوار:

* نبدأ من إنجاز المركز بنيله المركز الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والمرتبة الـ132 عالميا. ما هو تقييمكم لهذا الإنجاز وما هو المطلوب من إدارة الجامعة والحكومة ومؤسّسات الدولة تجاه المركز؟
– التصنيف الذي ناله المركز يشكل نقلة نوعية في تفكيرنا، وننظر إليه بوصفه إنجازاً وطنياً وللجامعة الأردنية ولأسرة المركز. أعتقد بأن سرّ النجاح، هو الالتزام العالي بالمهنية، والإيمان برسالة المركز الذي أنشئ عام 1984، ليكون ذراعاً فكرياً للجامعة ولخدمة الدولة والمجتمع. وهو يأتي تتويجاً لمسيرة طويلة، ولم يكن ممكناً تحقيقه من دون دعم واهتمام إدارة الجامعة، والتعاون مع عدد كبير من الباحثين والشخصيات الوطنية التي تسهم بنشاطاته، والدور الذي يؤديه الإعلام بتغطية أنشطته.
بسبب أحداث المنطقة، توسع المركز في انتشاره وعلاقاته وأعماله؛ عبر إقامة أنشطة مشتركة، واستمر في أن يكون مقصداً للباحثين والدبلوماسيين، ليدلوا برأيهم في الأحداث الإقليمية والمحلية، إضافة لتوسيعنا لنطاق عملنا بما يتعلق باستطلاعات الرأي العام والمسوحات الاجتماعية، بتناول قضايا تشغل الرأي العام الأردني، أكانت وطنية أم إقليمية، وقد أصبحت نتائجه مدخلاً مهماً لصانعي القرار. كذلك، أصبح المركز يرفد الدولة بأوراق سياسات منشورة وأخرى محدودة التوزيع، وتتناول عادة، قضايا وطنية أو إقليمية. كما أصبحت نتائجه مدخلاً مهماً لصانعي القرار، واشتمل عمله على عدد كبير من القضايا الحيوية، مثل: الحركات الإسلامية والسلفية والتطرف واللاجئين؛ والعلاقات الأوروبية العربية؛ والمشروع الاستشرافي لمستقبل الأردن.
قد تكون مشكلة توافر الموارد البشرية أكبر من المالية، في ضوء ندرة ما يحتاجه المركز من تخصصات، وغياب كفاءات ابتعثها سابقاً وتعمل في أماكن أخرى. وللتغلب على هذه المشكلة، فإننا نعوّض ذلك بالتعاون مع الكفاءات الأردنية في التخصصات كافة، من داخل الجامعة أو خارجها. لكن المهم التأكد أننا في المركز نستخدم الموارد المتاحة بأفضل السُبل، ونسعى لتعظيم الفائدة من الخبرات والكفاءات، ولكن، بدون شك، فإن هذا الإنجاز أكبر بكثير من الموارد المتوافرة.

* لكن هل يرقى تعامل مؤسّسات الدولة مع إنتاجات المركز، أو تقديم الدعم إلى مستوى الانجاز؟
– نحن مركز مستقل، لكننا نرفد الدولة بنتاجاتنا، ونحاول تسخير إمكانياتنا لخدمة مؤسّساتها والمؤسّسات الوطنية، وصاحب القرار هو الذي يحدد خياراته ولديه عوامل أخرى يأخذها بالحسبان، لكن العلاقة في الفترة الماضية تطورت، وأصبحت تأخذ طابعا مؤسسيا. لكن نرى أن هناك مساحة واسعة للاستمرار بتطوير هذه العلاقة، وهذا يتطلب إدراكاً من الإدارة العامة بأهمية وضرورة المعرفة في صنع السياسات، والعمل مع المؤسّسات الوطنية البحثية لمعالجة المشكلات والتحديات التي تواجهنا.

* نفهم من حديثك بأن المركز يواجه عائقين: الأول ندرة الموارد البشرية؛ والثاني العائق المالي؟
– الموارد البشرية تشكل عائقاً، لكنه ليس بالمطلق، لأن عشرات الباحثين الأردنيين في مختلف القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، يتعاونون معنا في المركز، ونحن على استعداد للتعاون في هذا المجال. أما العائق المالي، فالمركز قادر عبر علاقاته وسمعته، على توفير الدعم المالي لأنشطته، لكن كما تعلم، فهذا يعتمد على المشاريع، وجلب التمويل من خارج الجامعة؛ لأن الجامعات لا تدعم مباشرة أنشطة المراكز البحثية، وقوانين وتعليمات صناديق البحث العلمي تدعم باحثين أفراداً ولكنها، لا تدعم مؤسّسات بحثية في الجامعة، وهذه ثغرة يجب إعادة النظر بها. وأضيف بأن كثيراً من الأنشطة الأكاديمية ذات العلاقة بالسياسات العامة، لا تتطلب تمويلاً كبيراً ونحن نُكثر منها.
ولتجاوز ضعف الموارد البشرية، فلدى المركز خطة طموحة لابتعاث باحثين لاستكمال دراستهم في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحصلنا على منحة من الصين للدراسات الصينية، وسنبدأ قريباً بطرح “دبلوم اللاجئين”، ونحضّر لاستحداث برنامج ماجستير في “الدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية”، واستحدثنا “أستاذ كرسي” باسم جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال، ونأمل بأن يتولى الكرسي باحث عالمي مرموق يتمتع بخبرة واسعة في العلاقات الدولية للبحث في حقبة حكم الملك الراحل، وأن يتمخض عن استحداث الكرسي برنامجٌ بحثيٌّ، وإنشاء مكتبة لأعمال الملك الراحل.
نحن ننتشر دولياً ومحلياً، ومتفقون مع إدارات الجامعة بأن الأولوية للقضايا الوطنية، ولم يكن ممكنا للمركز بأن يتقدم لولا الدعم الذي توفره له الجامعة.

* بخصوص استطلاعات الرأي التي يجريها المركز خاصة حول أداء الحكومات، هل تأخذ الحكومة نتائج الاستطلاعات بجدية؟ وما مدى تأثير ذلك على المركز؟
– استطلاع الحكومات معمول به عالمياً، وهو موجود أيضا منذ سنوات طويلة بالمركز، وقبل أن أتولى إدارته، فمنذ العام 1996، والمركز يجري استطلاعات الرأي العام لمعرفة رأي المواطنين وقادة الرأي ضمن برنامج نحن ملتزمون به، يبدأ عند تشكيل الحكومة، ثم بعد مائة يوم، ومائتي يوم، ورأي المواطنين بأداء الحكومة في العديد من القضايا، وتوقعاتهم المستقبلية لأدائها. بالتأكيد فإن مدة المائة يوم هي مدة غير كافية لأي حكومة لتحقيق إنجازات كبيرة، ولكنها كافية لأن تكون على الأقل قد بلورت خطتها للعمل المستقبلي، وتنفيذ البنود الواردة بكتاب التكليف السامي. بالطبع تقييم الحكومة يتأثر بالكثير من الأحداث التي تسبق الاستطلاع، ولكن يبقى تشكيل الحكومة وأداؤها الأهم في تقييم المواطنين. واستطلاعات الحكومة تتم بتمويل ذاتي من المركز، ولا يقبل دعمها من الحكومة أو المؤسّسات الدولية للمحافظة على الحيادية التامة لها.
وفي ما يتعلق باستطلاع آراء المواطنين حول القضايا الراهنة، فهذا موضوع جديد أضفناه على عمل الاستطلاعات، لمعالجة القضايا الوطنية والإقليمية التي تهم الشأن العام والسياسة الأردنية، التي تشكل مدخلاً مهماً للمقارنة بين مواقف الحكومة والمواطنين. ومن الموضوعات المهمة التي أدخلناها هي قضايا التطرف والإرهاب واللاجئين والقضايا الاقتصادية وغيرها.
القضايا الراهنة يقوم المركز بتحديدها واستشرافها من خلال المتابعة الحثيثة للأجندة المطروحة على السياسات العامة وردّات فعل الرأي العام، وبالعادة لا تعلم الحكومة عن القضايا التي تم اختيارها إلا عند نشرها. فعلى سبيل المثال اشتمل الاستطلاع الأخير على موضوعات مثل: الأزمة السورية،؛ واللاجئين؛ وفوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة؛ وتوجهه لنقل السفارة الأميركية إلى القدس؛ والملف النووي الإيراني؛ والتطرف والإرهاب، وكلها قضايا تهم الرأي العام والنخب.
أعتقد بأن الاستطلاعات تقرأ بعناية، وليس بالضرورة أن يأخذ صاحب القرار بنتائجها، لكنها تصبح أحد مدخلات القرار المرتبط بتلك القضية.

*هناك من يقول إن استطلاع الرأي العام بشأن ضرب أوكار “داعش” هو استطلاع موجه؟
– نحن ننفذ استطلاعات حول “داعش” منذ 2014، وهذا السؤال تم طرحه بعد دخول الأردن التحالف الدولي ضد “داعش”، وشعرنا بأن هناك تغيرات في المنطقة بعد معركة حلب، وأن الخطر أصبح يقترب من حدودنا في جنوب سورية، فرأينا أن نعيد هذا السؤال مرة أخرى في هذا التوقيت (ضمن قراءتنا للمشهد كمركز دراسات استراتيجية) دون طلب من أحد، وهذا يسجل للمركز، وليس مثلبة إجراء استطلاعات رأي عام، ونشر نتائجها في قضايا يدرك المركز قبل غيره أهميتها.
*هناك جانبان في عملكم: جانب تظهر نتائجه للرأي العام، مثل الاستطلاعات، وهناك حلقات نقاش مغلقة أو دراسات لا تنشر، هل هناك جدية من جانب الدولة وصاحب القرار للإفادة مما ينتج عن المركز؟
-لا يوجد لدينا أي مشكلة في التعاون مع الحكومة بشأن تنفيذ أي دراسة، فهذا موجود في العالم كله، إذ إن هناك دوراً متنامياً لمراكز البحوث والدراسات والتفكير في العالم لصنع السياسة، والتصنيف يقيم 7 آلاف مركز في العالم. نحن والعالم نعمل ببيئة معقدة والتأثيرات متعددة ومتداخلة. وعليه، لا بد من أن يكون للإدارات الحكومية مصادر معرفة. ولكن ما زالت العلاقة في الدول العربية بين مراكز الدراسات والأبحاث والتفكير والمؤسّسات الرسمية غير منتظمة. وهذا يعود لكيفية صنع السياسات بهذه الدول. ما نقوم به جهد ذاتي لخدمة الدولة والمجتمع، لقد طورنا العلاقة مع المؤسّسات الرسمية، لكن لا أستطيع القول إنها عضوية. فعادة ما تقوم مراكز الدراسات بتشخيص الواقع، ومعرفة المشكلات، والتنبؤ بما سيحدث، ووضع مقترحات الحلول بين يدي صانع القرار والبدائل، وهي لا تفرض الحلول بل تضع بدائل، ولكن للأسف ما زالت السياسات والقرارات عربيا تتخذ دون معرفة علمية.
فقد يتخذ قرارٌ ما ليتم اكتشاف أنه غير ملائم؛ لأنه غير مبني على معرفة أو دراسة علمية، ويتضح أنه كان بالإمكان تجنب الكثير من الأخطاء والخسائر والجهد والمال والوقت وغيرها لو بُني هذا القرار على معرفة أو دراسة علمية.
العلاقة طيبة وجيدة، وأحياناً قد تكون العلاقة بين مراكز الفكر وصانع القرار ضعيفة، وليست تبادلية، هناك احترام متبادل لكن العلاقة ليست مؤسسية، إننا نقوم بواجبنا بموضوعية ومهنية والباقي متروك لصناع القرار، ولكن يمكن القول إننا في الأردن نعاني من شحّ في المراكز المتخصّصة في مختلف المجالات، كما هو حال الدول المتقدمة، وأن دور مراكز التفكير في الوطن العربي ليست قوية أو مؤسّسية.

*إضافة إلى الاستطلاعات، ما هي أهم مشاريعكم البحثية؟
– الاستطلاعات تشكل جزءاً بسيطاً من عمل المركز، ولكنها تحظى بتغطية واسعة في الإعلام، ولدينا أنشطة حول اللاجئين، والتطرف والحركات السلفية، والعلاقات الدولية، وكذلك يعمل المركز على إنشاء قاعدة بيانات شاملة حول الأردن، سيتم الإعلان عنها مع إطلاق نتائج مشروع “سيناريوهات الأردن :2030”. الذي انطلقنا فيه من كون الأردن بحاجة لبلورة تفكير استراتيجي بتناول قضاياه المهمة. صحيح أن هناك إنجازات لا يستطيع أحد إنكارها، لكن المجتمع الأردني يواجه تحديات كثيرة، منها: الاقتصادي، كالمديونية؛ والعجز في الموازنة؛ والعجز في الميزان التجاري؛ والبطالة؛ والفقر؛ والتعليم؛ واللاجئين؛ بالإضافة لانعكاسات الصراع الإقليمي على الأردن.
فهذا المشروع، تفكير استراتيجي جماعي، بُني على أساس علمي، يهدف لتقييم التجربة الماضية بطريقة علمية رصينة. وبناء على مسيرة الاقتصاد والتنمية في الأعوام الـ30 الماضية، قمنا بنوع من الاستشراف للمآلات المستقبلية للأردن، وذلك بعد أن قيم أداء الاقتصاد الأردني في كل القطاعات الفترة الماضية، إذ عملنا على تحديد المحركات الرئيسة للاقتصاد، وبناء على هذه المحركات، قمنا بالاستشراف المستقبلي بمنهجية واضحة وعلمية، فالمشروع يقدم أسلوباً جديداً لمعالجة المشكلات في الأردن على المدى الاستراتيجي.
وما سيقدم لن يكون مقترحاً معيناً، بل هو رواية لقصة الأردن في الـ30 عاما الماضية، ولقصته المستقبلية المحتملة؛ ما يوفر سياسات إطار فكري بكل التفاصيل، فضلاً عن إعطاء بدائل سياسات، وكيف يمكن تطبيقها وتمويلها، والنتائج المترتبة عليها.
والمشروع ليس خطة تنفيذية، لكن قد تنبثق عنه خطط عديدة تصب في المصلحة العامة، وهو لا يتعارض مع الخطط القائمة حالياً بل يبنى عليها.
نؤمن بأن الأردن بموارده المتاحة يستطيع معالجة الكثير من مشكلاته، ولكن هذا يتطلب إطاراً فكرياً جديداً، مع التأكيد أننا نأخذ بالحسبان العوامل الأخرى، إذ من الصعب السيطرة على المتغيرات الإقليمية أو التنبؤ بها، كما أن الوضع الإقليمي متحرك، بالإضافة إلى أن الظرف الإقليمي قد يؤثر في تنفيذ “السيناريو”.
وسيطلق التقرير النهائي للمشروع الشهرين المقبلين، متضمنا بدائل وخيارات وسياسات مختلفة لصانع القرار، وتكمن ميزته في أنه يقدم نظرة جديدة للتعامل مع المشكلات الحيوية في الأردن، وكيفية معالجتها.
لقد أصبحنا بحاجة لتفكير جديد ونظرة مختلفة لكيفية معالجة مشكلاتنا المتراكمة، وأصبحنا محكومين برؤية المؤسّسات الدولية (البنك والصندوق الدوليين) بسبب الديون، وتراجع المساعدات، فبات من الضروري توفير إطار وطني مختلف ينبثق من رؤية جلالة الملك لمستقبل الأردن.

*شهدت بلدان عربية ما يسمى بـ”الربيع العربي”. كيف تنظرون لتلك المرحلة؟
-“الربيع العربي”؛ أقرب ما يكون إلى زلزال؛ إذ كانت بداياته مرتبطة بطموحات شعوب سعت نحو الحرية والعدالة والكرامة، لكن مخرجاته ذهبت باتجاه آخر، بسبب القوى السياسية التي سيطرت على المجريات العامة، وبسبب التدخلات الإقليمية والدولية التي حاولت هندسة الحالة السياسية لتخدم مصالحها، وتحولت الصراعات في بعض الدول إلى صراع على السلطة والنفوذ، وابتعدت عن روح الانتفاضات العربية السلمية.
بعد ذلك، دخلنا في مرحلة صراع على الهوية، فالدولة الحديثة، وخصوصا بعد مرحلة الاستعمار، هي جديدة على العالم العربي، ولم تكن مقبولة لدى الكثير من القوى في العالم العربي.
وأدى ذلك لصراع على هوية الدولة القطرية، بمعنى ما هي الدولة التي نريد؛ هل هي دينية أم مدنية، إذ إننا في العالم العربي لم ننجز مشروع “دولة” بالمفهوم المعاصر (هناك استثناءات)، فأغلب الدول العربية لم تقم بحل مسائل مهمة، وبقيت معلقة، مثل: الديمقراطية، والعلاقة بين الدين والدولة، والقضايا المرتبطة بالعدالة الاجتماعية، والإنجاز التنموي، التي مهدت للانتفاضات العربية التي شهدناها.
وعندما جاء “الربيع العربي” كان هناك صراع دموي على السلطة بين التيارات والقوى، ومن ثم شهدنا انهيارات كبيرة وخسائر فادحة وإزهاق أرواح كثيرة، وتشريد الملايين، نتيجة حدة الصراع.
والدول التي كان فيها الحكم مطلقا، لم تكن تشهد تحولاً سليماً، على عكس تلك الدول التي لدى قيادتها درجة عالية من المشروعية، إذ كان التحوّل فيها سلمياً، والأردن أقرب مثال على ذلك، فقد قطع شوطاً كبيراً في مجال الإصلاحات بأنواعها، أكانت سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية.
من منظور تاريخي، تعتبر الدولة الأردنية أحد النماذج العربية الأصيلة للدولة الحديثة، وذلك لتوافر المشروعية الدينية والقومية، ووجود المشروعية الحداثوية؛ وأن الدولة تسعى لتجسيد الديمقراطية والتعددية.
فلو استعرضنا حال الدول العربية خلال العقود الخمسة الماضية، فسنرى أنها تعاني من المشروعية والتباس في نظرة الدين والنظرة للآخر، فمثلاً الطروحات القومية طابعها علماني، لكنها ليست ديمقراطية وفيها إقصاء لغير العرب كالأقليات، ما ولّد مشكلات، ومثال ذلك ما حصل في العراق والجزائر وسورية، وهذا هو أحد أسباب فشل الدولة العربية في الإنجاز.
إن الدولة الأردنية، من بدايات تأسيسها، وهي تمثل أنموذجاً عربياً أصيلاً غير مستورد، متصالح مع الدين الذي له مكانة كبيرة في الدولة، ومتصالح مع الآخر، الذي يتمتع ببُعد عروبي قومي ويؤمن بالديمقراطية، وهي ترى أن الأقليات فيها أكانت عرقية أم دينية، جزء أساس من الدولة ومكون رئيس لها.
أما ما شاهدناه في طروحات للدولة الدينية، فقد تبين بأن أغلبها كانت لا تؤمن بالديمقراطية، وكانت فيها إقصائية، واستئثار بالسلطة، كما تبين فيها غياب هوية الدولة وعدم وضوح البعد القومي، بالإضافة لإبقاء العلاقة مع الآخر إشكالية دون إيجاد حلول مناسبة لها، مع الإقرار بأن تبني الديمقراطية وقبول التعددية السياسية وتداول السلطة واحترام الحريات الشخصية والأقليات، جاءت متأخرة.
وفي ضوء المشكلات التي نواجهها، أكثر ما نكون بحاجة لنسخة ثانية من الثورة العربية الكبرى، نعظم فيها خريطة الطريق التي رسمها جلالة الملك في الأوراق النقاشية لتجاوز المشكلات ضمن خطة زمنية مدروسة.
ويُعد ما حصل في العالم العربي أحد أهم التحولات منذ أكثر من قرن؛ أي منذ نشوء الدولة القومية. صحيح أن عدم اليقين ازداد والآلام أيضا، وكان هناك الكثير من القتل والتهجير والدمار لدول وشعوب عربية، لكن هذا الصراع كان مؤجلاً، وجاء للأسف بطريقة دموية، إلا أن نتائجه المستقبلية قد تحسم بعض القضايا التاريخية، وتضع الدول على المسار الصحيح.

-(الغد)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى