اقتصادريادة

كيف يبدو العمل في مؤسسة بلا مديرين……..!!!؟

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي

ربما يبدو للسامع أن إدارة شركة بدون مديرين ومراكز وظيفية ونظام هرمي للعمل ليس إلا شكلاً من أشكال الفوضى. ومع ذلك، تجرب بضع شركات هذه الفكرة بهدف إسعاد الموظفين، وإرضاء العملاء، وزيادة الإيرادات.
ريتشارد شيريدان هو نموذج من أولئك المديرين الذين تخلصوا من الهيكل التنظيمي في العمل، بعد أن اكتوى من تجربته في شركة سابقة ذات إدارة هرمية. كان شيريدان نائب رئيس قسم الأبحاث والتطوير في مؤسسة حكومية، وقد وصل إلى منصبه ذاك عبر صعود السلّم الوظيفي. ومع أنه كان ناجحاً، على الورق، فقد كره الذهاب إلى العمل كل يوم.
يقول شيريدان: “مللت من التنقيح الغبي للديون الفصلية والمراجعة الدورية الفارغة. إذا ما رأيت أمراً غبياً، فأنا أريد إصلاحه”.
عندما أسس شيريدان شركته الخاصة في عام 2001، قرر تشكيلها بعكس الهيكلية التقليدية لبيئة المكاتب وكتابة التقارير. من دون شك، إنها على الأغلب الشركات الأمريكية والأوروبية الغربية الصغيرة في مجال صناعة التقنيات، ذات الخطى السريعة والمنافسة الشديدة، هي التي حاولت التخلص من الهيكل التنظيمي.
إلا أن هذه الشركات تقول إن تطبيق ديمقراطية صنع القرار يؤدي إلى مشاركة أوسع من قبل الموظفين. هذا بدوره يجعلهم يتكيفون بسرعة مع تغيرات متطلبات العمل، دون إبطائهم عن إنجاز مهامهم التي يسببها وجود مستويات في الادارة.
أضف إلى ذلك أن الشركات التي حصلت على نتائج عالية من ناحية مشاركة الموظفين، كان لها مشاكل أقل في تدوير رأس المال وجودة المنتج، كما أنها حصلت على إنتاجية وربحية أعلى، حسب استطلاع أجرته شركة غالوب لاستطلاعات الرأي.
ويعتقد مارك يونغ، المؤسس المشارك لشركة “فيوتشر كونسدريشن” للاستشارات في المملكة المتحدة، أن فكرة تحدي النمط الهرمي التقليدي بدأت تولّد صدى أكثر على المستوى العالمي. ويقول إنه حتى الشركات الكبرى بدأت تجرب فكرة اللامركزية في صناعة القرار في أقسامها الصغرى أو فروعها، أو تطبيق هذه المباديء بطرق أخرى، مثل عقد اجتماعات مفتوحة يقرر فيها المشاركون جدول العمل.
كان يونغ يدير مشروعاً في شركة روسية. كانت رئاسة الشركة واثقة من عدم جدوى الاجتماعات المفتوحة لأن موظفيها ينتظرون أن يتلقوا تعليماتهم. ويقول يونغ: “إلا أنه عندما فُتح المجال، أخذ الموظفون زمام المبادرة.” فقد بدأوا بوضع نقاط البحث المهمة برأيهم للمناقشة على جدول الأعمال، بدل أن ينتظروا المديرين ليملوا عليهم أولوياتهم، وبعدها “فُتحت الأبواب على مصاريعها”.

إطلاق إبداعات لا متناهية
الشركة التي أسسها شيريدان هي شركة “مينلو إنّوفيشينز”، وتقع في مدينة آن أربر، بولاية ميتشيغان الأمريكية، التي تُصنّع برامج وتطبيقات إلكترونية حسب الطلب. ويعمل جميع الموظفين البالغ عددهم 55 في الشركة في قاعة كبيرة، يشترك كل اثنين منهم في العمل على جهاز كمبيوتر واحد، ويقررون بأنفسهم مهامهم وألقابهم الوظيفية. وأطلق شيريدان على نفسه لقب كبير الحكائين (أو الراوين).
يقول شيريدان: “في تلك الأيام الخوالي، عندما كنت في أعلى الهرم، أدركت أني أعمل في مؤسسة لا يمكنها أن تتحرك أسرع مني. أما هنا، يقوم الفريق بإجراء التغييرات، ويلحقون بي فيما بعد. يمتلكون القرار ولهم السلطة”.
مع ذلك، حسب قوله، ففي هذه الهيكلية يجب تعليم المهندسين كيفية التعرف على الآخرين ومهارات التعامل معهم. إن هذا يتطلب استثمار أموال كثيرة وقرارات أكبر. على سبيل المثال، يكون أحياناً فصل موظف من العمل قراراً يصعب اتخاذه. “انه قرارٌ قاسٍ” بحسب شيريدان، “ولا بد أن يكون كذلك.”
إلا أن بيئة عمل “مرحة” تساعد شركته في التجاوب بشكل أفضل مع الزبائن، حسب قوله. وتضع تلك الشركة بنوداً مالية محددة ضمن عقودها. غالباً ما يتم تبادل نصف دخلها من مشروع ما لقاء الحصول على حصة في شركة العميل. وحالياً، تشكل الواردات من حقوق صناعة منتجات العملاء من 10 إلى 15 في المئة من الإيراد الكلي للشركة.
ليندا بارنز هي نائبة رئيس قسم ما يعرف بـ”الترشيق الهيكلي” (الإصلاح الهيكلي) بشركة “جيونيتريكس” في مدينة سيدار رابدز بولاية أيوا الأمريكية. تصمم الشركة مواقع للعناية الصحية على الانترنت. وبالنسبة لبارنز، كانت المسألة الحاسمة هي عملية المراجعة السنوية. كانت ردود الفعل المرسلة إلى العاملين إما بطيئة جداً، وإما أنها تأثرت إلى حد كبير بأداء الشركة في الفترة الأخير.
تقول بارنز: “يعلم الجميع ما يريدون أن يسلكه مسارهم الوظيفي، ولا يحتاجون إلى مديرين لكي يبيّنوا لهم الطريق.” كانت بارنز حينها تبحث عن وسائل لجعل الشركة تحقق النمو. وقرأتْ مقالاً في “نشرة أعمال هارفارد” بعنوان “بدايةً، لنفصل كل المديرين”. وكان المقال يوضح تكاليف وعدم كفاءة مستويات الإدارة المتعددة.
في عام 2012، طردت بارنز المديرين بالشركة، وتخلصت من الأقسام التقليدية ذات الخمسين موظفاً. ما عدا بضعة أقسام، مثل التسويق والمبيعات، فإن أكثر فرق العمل تنتظم حول مشاريع محددة. كل الفرق مسؤولة عن ميزانيتها ومواردها، وتقدمها إلى عموم الشركة كل شهر. وبدل تحديد الأولويات من قبل المديرين، يضع العاملون مهامهم على لوحة بيضاء ويحدد أعضاء فريق العمل ما هو الأكثر أهمية من بينها.
تقول بارنز: “ينجز المديرون أعمالاً مهمة، لكنها لا تحتاج أن تكون مركزية.” ومنذ تنفيذ هذه التغييرات، نالت الشركة أعلى الدرجات على الإطلاق في استطلاعات رأي الزبائن ورضاهم. كما حصلت على رقم قياسي من الإيرادات.
وأضافت بارنز في رسالة إلكترونية: “بينما لا تزال بعض فِرق العمل مرتاحة لهذه التغييرات، تشهد فِرق أخرى زيادة في الإيرادات بنسبة 30 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام الفائت. تُبدع هذه الفِرق أعمالا أفضل، وتحصل على نسب أعلى من رضى العملاء، وقد زادت أيضا من الأرباح لقاء كل مشروع”.

آلام من أجل النجاح
أراد بليك جونز وشركاؤه أيضاً تجنب المشاكل التي واجهوها في وظائفهم السابقة – من دورة سريعة لرأس المال إلى غموض في صناعة القرار. لذا قرروا تأسيس شركة “نامَستَي سولار” في مدينة بولدر بولاية كولورادو الأمريكية قبل عشر سنوات مضت.
ويقول جونز: “أردنا البرهنة على أن باستطاعتنا إدارة شركة بأسلوب مختلف.” في البداية، كان جميع العاملين يحصلون على رواتب متساوية. كانت الاجتماعات مفتوحة لكي يحضرها الجميع، وكان على العاملين أن يوافقوا بالإجماع على القرارات. ونظراً لنمو شركة الألواح الشمسية بشكل سريع بسبب ازدهار مصادر الطاقة البديلة، لم يمكن الاستمرار في ذلك النهج.
كانت مناقشات اتخاذ قرار حول شعار جديد للشركة مشحونة إلى درجة أنها كانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير، حسب قول جونز. “بعض القرارات لا تُتخذ بإجماع الآراء.”
إن التخلص من الهيكل التنظيمي المترسخ في الشركات الكبرى، دون اتخاذ إجراءات أخرى، يمكنه أن يولّد نتائج عكسية. فقد يصبح التحكم بالأمور أكثر تمركزاً في القمة، بدل المطلوب وهو العكس. ذلك ما أظهرته دراسة أجريت في عام 2012 من قبل جولي وولف، الأستاذة في كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد.
من جانبها، وضعت شركة “نامَستَي سولار” هيكلاً رسمياً لها بمرور الوقت. للشركة الآن مجلس إدارة من سبعة أشخاص، خمسة منهم من داخل الشركة واثنان يُرشحان من خارجها، ويُنتخبان لفترة عامين. كما أن للشركة منصب مدير تنفيذي ينتخب كل سنة. ويساعد “قسم القرارات” العاملين الجدد كي يحددوا مَن يقرر ماذا، ومن عليهم الاتصال به عند ظهور أسئلة ما.
يقول جونز، وهو المدير التنفيذي الحالي للشركة: “أعتقد أنه أثناء نمو الشركة، رأينا المنافع لهيكلية أكثر بدون اللجوء إلى مزيد من الهرمية، واتباع إجراءات وسياسات محددة بدلا من أن تكون كل الأمور موجهة لغرض واحد بذاته. وقد نضج سوقُ عملنا. ولكي ننجح في المنافسة، احتجنا إلى تشغيل أناس أكثر تخصصاً، والإبقاء عليهم في مراكز أعمالهم. وقد تطلب هذا منّا أن نغير طبيعة الشركة.”

العاملون هم الأساس
لكي ينجح ذلك النموذج، يتوجب على الشركات أن تستثمر في تشغيل أناس ذوي مبادرات ذاتية وتدريبهم لإيجاد حلول للمشاكل، واتخاذ القرارات دون الرجوع إلى من يرشدهم.
لتوظيف عاملين جدد، تستخدم شركة “مينلو إنّوفيشينز” أسلوباً للتحقق من استعدادهم لذلك، ويتألف من ثلاث مراحل. يجمعون بضعة مرشحين محتملين للعمل، ويطلبون منهم العمل أزواجاً. وحسب التعليمات، على كل منهم أن يجعل شريكه في العمل يبدو في صورة أفضل، بينما يراقبهم أعضاء فريق العمل الحالي.
ثم يجتمع العاملون حول مائدة العشاء ليناقشوا من منهم سينتقل إلى المرحلة الثانية. يحضر المرشحون للعمل ليوم كامل، ويعملون أزواجاً مع أحد أعضاء فريق العمل الحالي. وفي المرحلة الثالثة، يمر المرشحون بفترة اختبار مدفوعة الأجر لثلاثة أسابيع في الشركة قبل أن يختاروا للتعيين فيها.
ولذلك عندما تنتهي الشركة من تعينهم، تكون أكثر تباطؤا في فصل أحدهم، حسب قول شيريدان. “إذا واجه أحد أية مصاعب، فإننا نبيّن تفهّمنا، ونناقش الأمر معه.”
أما شركة “جيونيتريكس” فهي تبحث عن موظفين بالمهارات التقنية المطلوبة. وعليهم، في نفس الوقت، أن يلائموا بيئة العمل، حسبما تقول بارنز. وبينما يحتفظ المدير التنفيذي بالمسؤولية الكاملة عن الأمور المالية، فإن الأعضاء الأربعة الآخرين في الفريق الإداري يدرِّبون بعناية كل موظف على كيفية إدارة الميزانية العامة لفريقهم.
والآن، يوجه الموظفون أسئلة كثيرة، بحسب بارنز. إلا أن الأمر استغرق وقتاً أطول مما توقعته هي ليصلوا إلى السرعة المطلوبة منهم. وتضيف بارنز أن هذا يعد “كالفرق بين أن تكون أحد الركاب في سيارة، أو أن تكون أنت من يقودها، ولذا، يجب عليهم الآن أن ينتبهوا أكثر.”

رينيوكا ريسام
كاتبة صحفية
المصدر : موقع البي بي سي بالعربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى