هاشتاق عربي – إبراهيم المبضيين
مؤلم ومشين ما نشهده بين الحين والاخر على شبكات التواصل الاجتماعي من سلبية مفرطة ، وانتهاك لخصوصيات الاخرين، والتجريح والذم والقدح، والصدام القاتل لدى الاختلاف في وجهات النظر، وعدم احترام مشاعر الاخرين في حوادثهم الأليمة، …
واتعجب كثيرا ، ….حتى في حضرة الموت الذي تصغر امامه كل امور الدنيا، اصبحنا نتجرأ ونطلق الاحكام والنعوت السلبية على بعضنا البعض وحتى على من تركنا راحلا الى ” دار الحق” ، مختبئين وراء شاشات حواسيبنا وهواتفنا الذكية عبر منصات التواصل الاجتماعي ، بدلا من تطويع هذه الشبكات لخدمتنا وتحسين حياتنا، وجعلها ادوات للاتحاد وبث مشاعر المواساة والتضامن وهي القيم التي تطالب بها كل الاديان وتقاليدنا العربية الاصيلة، ….
فالتضامن والالتحام والانسجام هو ما نحتاجه اليوم خصوصا نحن في الاردن وسط محيط ملتهب على المستويات السياسية والامنية.
منذ منتصف العام الماضي، شهدت المملكة سلسلة من الاحداث الكبيرة السياسية والامنية والاجتماعية والاقتصادية، كان اخرها فقداننا لاردنيين – تربوا وعاشوا معنا على تراب هذا البلد- في التفجيرات الارهابية التي تعرضت لها اسطنبول خلال احتفالات راس السنة، لنصدم في كل هذه الاحداث ونتفاجأ بما خرج به البعض علينا عبر شبكات التواصل الاجتماعي عندما أطلقوا الاحكام السلبية على الاحداث والشخوص ، جاعلين انفسهم حكاما وقضاة يحللون ويحرمون ويطلقون الاحكام في كل الاتجاهات، فيما عانينا في احداث اخرى من السلبية وعدم الدقة في تناقل الاخبار والاشاعات التي كان يمكن ان تثبط من عزيمتنا في مواجهة التطرف والارهاب.
وحتى في الايام العادية، وفي تواصلنا الشخصي وتفاعلنا مع قضية ما، يطرح كثير منّا الاراء والتعليقات بحدية وسلبية مفرطة تجعل من الامر الصغير امرا جللا، ……
كل هذه ” السلبية” التي تفيض علينا من منصات التواصل الاجتماعي لتعكّر صفو حياتنا، تجعلتني اسميها ” شبكات الانفصال الاجتماعي” ….
فشكل ومحتوى هذه الشبكات خلال هذه الاحداث لا يستحق مصطلح ” التواصل الاجتماعي” ، فلا تواصل عندما ننتهك خصوصية الاخر، ولا تواصل في شتيمة الاخر وتحقيره، ولا اتفاق عند اشهار اسلحتنا الافتراضية في مواجهة الاخر بالذم والتحقير،…… ولم تنشأ هذه الشبكات للصدام والقتال والنزاع حتى ولو اختلافنا في وجهات النظر حول قضية ما،
اعتقد بان تجربتنا على هذه الشبكات لا تزال غير ناضجة، ونحن بحاجة الى جهد كبير من كل الجهات حتى نطوع هذه الشبكات لخدمة الافراد والمجتمع وقضاياه، وما لجات اليه الحكومة في اكثر من مناسبة من اجراءات لتتبع الحسابات المسئية والتي تحاول بث خطابات الكراهية او نشر الاشاعات بما فيها الخطوة المعلنة من قبل الحكومة الاسبوع الماضي لصوغ تشريع متخصص لشبكات التواصل الاجتماعي هي مؤشرات على خطورة تأثيرات هذه الشبكات، وانا اعتقد بان الاهم في هذه المرحلة هو التوعية ومحاولة الالتحام والتعاون لصوغ ” اخلاقيات” في استخدام هذه المنصات.
توجه الحكومة لصوغ تشريع خاص بشبكات التواصل الاجتماعي قد يكون امرا صعبا ويحتاج الى وقت، واعتقد بان الافضل تفعيل البنود القانونية التي تعالج الاساءات والتجاوزات الحادثة عبر شبكات التواصل الاجتماعي من خلال التشريعات الموجودة: العقوبات، الجرائم الالكترونية، المعاملات الالكترونية، وقانون الاتصالات، والعمل في الوقت ذاته على حملات توعوية على مستوى وطني تتعاون فيها الحكومة، والقطاع الخاص والاعلام لتوجيه المستخدم الى الجانب الايجابي في استخدام هذه الشبكات التي تضم اليوم حوالي 14 مليون حساب لاردنيين منها حوالي 5 ملايين على فيسبوك.
وعلى المستخدم – بإعتقادي – مسؤولية كبيرة في هذا الاتجاه، فكل واحد منا يمكن ان يعمل بدوره على المساهمة ايجابيا في تطويع هذه الشبكات لخدمة الافراد والمجتمع والابتعاد عن السلبية، والحوار برقي وحضارية حول اي من القضايا، والالتحام في القضايا الامنية والوطنية، والابتعاد عن القصف العشوائي الذي نشاهده يوميا عبر هذه الشبكات دون التاكد من مصادر الاخبار.
يجب ان نتوقف عن السلبية، فخلف هذه الشبكات، ووراء شاشات الحواسيب والهواتف ارواح ومشاعر ووطن،……، ولنطوع هذه المنصات للبناء والتطوير بدلا من الهدم والتدمير.