اتصالات

خرائط جوجل تقلل من كفاءتك العقلية.. لهذه الأسباب

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي- يعد نفاد البطاريات في الهاتف الجوال، وعدم القدرة على الوصول إلى الإنترنت، من المخاوف المعروفة للمغرَمين بالتكنولوجيا، والذين لا يستطيعون الاستغناء عن خرائط جوجل للتحرك.

لكن، يشغل العلماءَ تخوفٌ أكبر: هل للاعتماد على نظم الملاحة عواقب على الإدراك البشري؟

للوهلة الأولى، تبدو هذه الابتكارات التكنولوجية مفيدة، ولكن يثير ستيفان روش، أستاذ الجيوماتكس في جامعة لافال، مفارقة مهمة في عصرنا هذا؛ مع القدرة على استخدام أنظمة المساعدة الملاحية، لم يعد للأفراد القدرة على تحليل البيئة التي يتواجدون فيها. على أية حال، هم يعتقدون أن خرائط جوجل تحدد لهم الطريق الذي ينبغي أن يسلكوه.

“نحن لم نكن نعاني قط مع الخرائط، وفي الوقت نفسه، فإن الشخص العادي لم يكن أبداً ذا قدرة محدودة على التنقل في فراغ دون مساعدة”.

ويذكر روش أنه ليس فقط تحركاتنا هي التي تخضع لإرادة خوارزمية على نحو متزايد، ولكن أظهرت الأبحاث في العلوم الاجتماعية أن هناك خطراً من الفقر الفكري.

ويضيف: “هناك الكثير من البحوث التي تبين أن هذه البرامج قد تؤثر على استقلاليتنا، عندما تزيل عدداً من السلوكيات التي يعتبرها الشخص، الذي يصمم الحل، غير مرغوب فيها”.

“إذا كنا سنقوم بتسهيل العمل عليك، فلن تتذكر أبداً الطريق الذي قد سلكتَه، تنشيط الذاكرة والإدراك المكاني، الذي لا نقوم باستخدامه عندما نسترشد بنظام تحديد المواقع”.

google maps

أنظمة غير قادرة على التأقلم؟

وأشار روش إلى أن أنظمة المساعدة على الملاحة تتكيف بشكل سيئ مع الإدراك البشري، وأنظمة تحديد المواقع تعمل مع المسافة، في حين يعمل الدماغ البشري بالأحرى مع المعالم.

إن كنت تسأل شخصاً ما عن طريقك في المدينة، فلن تجد الكثير من الناس الذين يقولون لك: “امشِ 150 متراً، ثم دُرْ 30 درجة إلى الغرب”، الناس سوف يقولون لك: “إذهب إلى ستاربكس المقبل، وادخل يميناً”.

وقد وثّق هذه الظاهرة تيريتيوتي قيسنو، طالب الدكتوراه في الجيوماتكس بجامعة لافال، حين طلب من 63 شخصاً التجول في أجزاء مختلفة من كيبيك، مصطحبين نظام المساعدة الملاحية.

في 30 تقاطعاً بالمدينة، طُلب من المشاركين تحديد أي من المعالم الأربعة المقترحة يبدو لهم الأكثر وضوحاً.

وكانت النتائج مقنعة: اختار سكان كيبيك المعالم التي لها معنى محدد، مثل محل Couche-Tard أو مطعم آشتون، في حين أن السياح كانوا أكثر ميلاً إلى الأبنية المهمة أو المباني التي يسهل التعرف عليها.

ويتفق قيسنو مع أن الاستنتاج لم يكن مثيراً للدهشة، ويظهر اكتشافه أن تخصيص أنظمة المساعدة الملاحية ليس له إلا جوانب سلبية.

بالإشارة إلى المعالم المعروفة للمستخدم، سوف تقوم أنظمة تحديد المواقع بتسهيل الملاحة في مكان مجهول، كما أنها تزيد من مستوى تركيز سائقي السيارات، كما يعتقد السيد قيسنو.

ويقول طالب الدكتوراه: “المساهمة لا يمكن إنكارها، انها تجلب قيمة مضافة، ولكن ما المخاطر؟ من هنا، تكمن الصعوبة في التقييم؛ لأننا حقاً منغمسون فيها!” .

استخدام الخرائط بطريقة عمياء

أظهرت أبحاثه أيضاً أن هذه الفوائد المحتملة من التخصيص الخوارزمي تخبئ في الواقع حقيقة قاسية، إذ يستخدم العديد من المستخدمين خرائط جوجل للاسترشاد بطريقة عمياء تقريباً، دون تحليل للبيئة التي يوجدون فيها.

ويذكر السيد قيسنو أنه قبل وصول خرائط جوجل إلى كندا في العام 2005، لم يكن للناس أي خيار سوى إيجاد الطريق من الخرائط الورقية.

google maps

وفقاً لقيسنو، فإن الشباب يتعرضون بشكل خاص للخطر، وأولئك الذين وُلدوا مع خرائط جوجل والذين لم يتعلموا أبداً التخطيط لطريقهم لم يشعروا بانخفاض قدرتهم أو ركودها، بالأحرى هم لم يكتسبوها أبداً.

حقيقة أن تخطيط المسار أصبح آلياً، قد أثرت على اكتساب المعرفة المكانية.

في رأيه، يجب على مصنّعي أنظمة المساعدة الملاحية إيجاد سبل لتشجيع المشاركة النشطة من جانب المستخدم.

مخاطر أمنية

كما أنه أمر ضار، فإن فقدان الاستقلالية والتأثيرات على المعرفة ما هي إلا أجزاء من القضية، هذا الاعتماد على التكنولوجيا له أيضاً تداعيات أمنية.

في حين ينعدم الاعتماد على لافتات الطرق، التي تحتوي مع ذلك على معلومات أساسية، قد يتسبب السائقون في حوادث كان من الممكن تفاديها، عند إزالة القرار، تصبح الآلة هي الحاكمة.

ويقول روش: “السوابق القضائية مليئة بالأمثلة التي تبين أن الحوادث وقعت بسبب أن المستخدمين لأنظمة تحديد المواقع وأنظمة الملاحة قد عطلوا أدمغتهم”.

بدلاً من الاعتماد على الحكم الشخصي وتحليل الوضع مع العناصر المادية الملموسة، سوف نتنازل تماماً عن التحكم لصالح أنظمة المعلومات حيث انعدام الخطر غير موجود، وهي ليست معصومة من الخطأ.

في منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ذكرت العديد من الصحف الأميركية أن سائق جرار ظل عالقاً على السكك الحديدية في جورجيا، بالولايات المتحدة، اقترح عليه جهاز الـGPS عبور القضبان، بينما أشارت العلامات الإرشادية إلى أن ذلك ممنوع.

وفي الوقت نفسه، كان القطار يقترب، لكن لحسن الحظ سمح الوقت للسائق وزوجته بترك السيارة والابتعاد بعيداً.

العثور على جثة بعد سنة ونصف السنة

منذ بضع سنوات، علق زوجان في الطين على الطريق بولاية نيفادا، أشار لهم الـGPS بالمغامرة هناك.

لكن في شهر مارس/آذار 2011، لم يكن الطريق صالحاً للسير، وجد ألبرت وريتا كريتيان نفسيهما منعزلين وحدهما عن العالم.

بعد البحث معاً عن المساعدة سيراً على الأقدام، انفصلا، وذهب السيد كريتيان وحده، بسبب إصابة زوجته في الركبة، وكانت هذه آخر مرة شوهدا فيها.

بعد سنة ونصف السنة، تم العثور على جثة الزوج على بعد 16 كيلومتراً من هناك.

أما بالنسبة للسيدة كريتيان، فقد بقيت على قيد الحياة عن طريق تناول الحلوى والفواكه المجففة لمدة 49 يوماً قبل أن يجدها أحد المارة في مايو/أيار 2011.

وإن كانت هذه الأمثلة حزينة، فإنها توضح العواقب الوخيمة للاعتماد على نظام تحديد المواقع.

ويطرح ستيفان روش بالتالي سؤالًا: هل سنصبح يوماً ما عاجزين عن توجيه أنفسنا دون الدعم التكنولوجي؟

ويقول: “بشكل جماعي، تضيع المعلومة أو القدرة التي لا تذاع”.

تصريحاته ليست مُطمئنة، ولكنها تنضم إلى تلك التي أطلقها قيسنو: نظم المساعدة الملاحية التي تلتمس المزيد من ذكاء الناس سوف تكون موضع ترحيب.
huffpostarabi

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى