هاشتاق عربي- على بعد مسافة قليلة من زاوية شارع سياتل في شيكاغو، حيث تفتتح “أمازون” متجرا صغيرا مستقبليا يستغني عن طوابير الدفع للمشتريات، وكذلك عن موظفي صناديق الدفع “الكاشير”، يتساءل محامي دفاع جنائي اسمه كورت ويل عن الأثر الذي ستحدثه هذه التجربة فيما يتعلق بمصدر رزقه.
قال ويل “لدينا ثلاث أو أربع حالات سرقة من المتاجر في أي وقت من الأوقات. الأمر أشبه بتوجيه سؤال لمحامي دفاع يتخصص في “حالات القيادة تحت تأثير الكحول” عن رأيه في المركبات ذاتية القيادة. ستكون هناك بعض المشاعر المتباينة”.
صورت “أمازون” أول متجر بقالة لها، الذي أعلنت عنه الأسبوع الماضي، على أنه متجر للبيع بالتجزئة يعادل سيارة ذاتية القيادة. المتجر المزود بأجهزة استشعار وبرامج مطورة، يتعقب تحركات الزبائن وهم يختارون الأشياء من على الرفوف، لذلك لن تكون هناك حاجة إلى دق الجرس عند الانتهاء من ذلك.
صحيفة “نيويورك بوست”، بكل جرأة، أطلقت على هذه التجربة “نهاية الوظائف”. وفقا لمكتب إحصائيات العمل، نحو 3.5 مليون شخص كانوا يعملون موظفين عند صناديق الدفع في المتاجر الأمريكية العام الماضي – أكثر من أي مهنة أخرى باستثناء المبيعات.
ويتوقع مكتب إحصائيات العمل أن يرتفع ذلك الرقم بنسبة 2 في المائة فقط خلال العقد المقبل، أي أقل بكثير من زيادة بنسبة 7 في المائة يتوقعها المكتب للاقتصاد الأمريكي برمته.
اتحاد التجزئة البريطاني أكثر كآبة حتى من ذلك. فهو يعتقد أن ثلث الوظائف في قطاع الصناعة سيختفي بحلول عام 2025، في الوقت الذي تستولي فيه التكنولوجيا على مزيد من المهام وتصبح أجور العاملين من البشر أعلى مما يمكن أن تتحمله محال السوبرماركت بسبب ارتفاع الحد الأدنى للأجور.
لكن تلك التوقعات ربما يكون مبالغا فيها. علينا ألا ننسى أن عدد موظفي المتاجر في الولايات المتحدة هو في الواقع أعلى قليلا الآن مما كان عليه عام 2005، على الرغم من مرور عقد على ابتكارات، مثل البيع بالتجزئة عبر الإنترنت، وعمليات التخليص الذاتية، وبطاقات الدفع الآلية التي تستخدم الأشعة تحت الحمراء.
هناك حاجة إلى موظفي المتاجر للحؤول دون أن إقدام المتسوقين على السرقة، لكن أيضا للحفاظ على ولائهم. يستمتع كثير من الزبائن باللمسة الإنسانية، أو أنهم يضيقون ذرعا بالتوبيخ من أحد الروبوتات عندما يكون وزن أحد السلع في منطقة التعبئة أكثر مما تسمح به قاعدة البيانات.
أدخلت “وولجرينز”، أكبر صيدلية في الولايات المتحدة من حيث المبيعات، قليلا من عمليات التخليص الذاتي قبل ست سنوات، لكنها ألغتها عندما فشل العملاء في التعود على التكنولوجيا. عملت محال آلبرتسونز، وهي سلسلة متاجر في الولايات المتحدة، على استبدال بعض عمليات التخليص الذاتي لديها بمسارات إضافية للخدمة السريعة، تقول عنها “إنها أكثر كفاءة”.
في ألمانيا وجدت دراسة أجرتها أخيرا مجموعة آر بي آر الاستراتيجية أن هناك 3200 منفذ للتخليص الذاتي فقط في البلد بأكمله، مقارنة بـ 48 ألف منفذ في المملكة المتحدة.
قال ألان بيرت، من مجموعة آر بي آر “يرغب الألمان في وجود من يقدم لهم الخدمة. الأمر ليس نقصا في التكنولوجيا”، وحتى تجار التجزئة الذين استخدموا الأجهزة تغلب عليهم – كما قال – الرغبة في إعادة توزيع الموظفين في أماكن أخرى.
وافقه الرأي جورج بلاسا، الرئيس التنفيذي لسلسلة متاجر التجزئة الفرنسية، كارفور، الذي شدد هذا العام على أن “الشبكة المادية هي الركيزة الأساسية”. الزبائن في قطاع صناعة الأغذية يبحثون عن التواصل والمشورة والخدمة وهي – كما قال – أمور من المرجح أكثر أنهم سيجدونها في متجر مادي.
سلسلة “تريد جوز”، محال السوبرماركت مخفضة الأسعار في الولايات المتحدة، تتخلى عن التشغيل الآلي لمصلحة وجود موظفين محببين يفيضون بالإيجابية ويبذلون جهودا كبيرة من أجل إشراك الزبائن في محادثات جانبية كثيرة.
حتى “وولمارت”، سلسلة متاجر البيع بالتجزئة التي أدخلت أكشاكا لتخليص المشتريات ذاتيا في معظم متاجرها، توصلت العام الماضي إلى أن إنفاق مزيد على الموظفين هو الوسيلة الأفضل لإيقاف تراجع في المبيعات على مدى خمسة فصول متتالية، على الرغم من أن الشركة لا تزال تعمل على تقييم التشغيل الآلي الأعمق.
وللعاملين في مجال البيع بالتجزئة دور آخر أكثر أهمية حتى من التواصل مع زبائنهم. فالوظيفة الرئيسية لموظف المتجر، بحسب ما يعترف بعض التنفيذيين بشكل خاص، هي منع هؤلاء الزبائن من التحول إلى لصوص.
بالنسبة إلى الوقت الحاضر، تعمل تكنولوجيا الخدمة الذاتية على مضاعفة فرص السرقة، بدلا من القضاء عليها. راجع باحثون في جامعة ليستر معدلات السرقة في محال السوبرماركت في أوروبا والولايات المتحدة وتوصلوا إلى أنها كانت أعلى بمقدار الضعف في الأماكن التي تم تركيب أجهزة التخليص الذاتي فيها.
مالاي كوندو، الذي طور نظاما للتعرف على الوجوه للقبض على الإرهابيين في المطارات، يستخدم الآن تكنولوجيا مماثلة للقبض على مجموعة متزايدة من لصوص المتاجر التي أدخلت نظام تخليص المشتريات الذاتي.
وتربط شركته، ستوب ليفت، صناديق الدفع في محال السوبرماركت ببرنامج يحلل الصور التي تلتقطها كاميرات أمنية ذات دائرة مغلقة، للتحقق مما إذا كان يجري وضع سلع باهظة الثمن مثل اللحم داخل الكيس عندما تمر من خلال الماسح الضوئي سلع أرخص ثمنا فقط مثل الجزر.
وقال “لا أحد يرغب في أن يتعرض للاتهام بالسرقة. نحن نقوم بإشعار البائعين بحيث يمكنهم التوجه إلى الزبائن وتقديم بعض الخدمات الودودة لهم من خلال القول لهم بلطف: عفوا، على ما يبدو أن هذه السلع لم يتم تفحصها من خلال الماسح الضوئي”.
ويحتمل أن تتفاقم المشكلة إذا سمح مزيد من محال السوبرماركت لزبائنها بتجاوز خدمة الدفع المعتادة للمشتريات، من خلال المسح الضوئي للسلع أثناء التسوق. وتعكف متاجر وولمارت على إدخال نظام في وحدة الخصومات في “نادي سامز”، في حين إن متجر جيه سينزبوري واحد من بين المحال التجارية التي تحاول اختبار النظام في المملكة المتحدة.
وقالت أليس بلاند، المسؤولة عن تجربة “سينزبوري”، “معظم زبائننا صادقون”، مضيفة أن “بعض الناس يقومون حتى بالمسح الضوئي للسلعة نفسها مرات عدة لتجنب الوقوع في خطأ مهين”.
مع ذلك، تطلب متاجر سينزبوري، كغيرها من محال السوبرماركت الأخرى التي تعمل على تجربة النظام، من الزبائن المستخدمين له الانتظار في طابور أمام مخرج يشرف عليه أحد الموظفين قبل مغادرة المتجر.
ولهذا السبب يمكن أن تشكل تجربة “أمازون” مثل هذا التهديد الخطير لأرزاق ملايين الناس. ولا تهدف هذه التكنولوجيا إلى جعل عملية السرقة صعبة فقط، بل مستحيلة نظريا. إذا لم يعد الزبائن ملزمين بالإعلان عن السلع التي اختاروها من المتجر، تكون هناك فرصة أقل للخداع والسرقة.
قال ويل الذي كان على ثقة بأن مكتبه للمحاماة يمكن أن يحل مشكلة التراجع في عدد عملائه من خلال الدفاع عن المجرمين المتهمين بارتكاب جرائم من أنواع أخرى “بمجرد أن تعبر من خلال جهاز الماسح الضوئي، تكون لك أساسا حرية التصرف”.
“أعتقد أنه إذا أمسك أحدهم بالهاتف الذي تريد شراءه وتصرف بعنف هناك، فهذا يعتبر جريمة. خلافا لذلك، تأخذ ما تريد من على الرفوف وتخرج، وإذا كان هناك أي خلل، يكون ذلك من مسؤولية “أمازون” من وجهة نظر القانون الجنائي”.
لم تذكر “أمازون” الكثير حول كيفية الاستغناء عن تكنولوجيا “ما عليك سوى الخروج” التي تستخدمها واستبدالها بمنصات الاصطفاف والتخليص مع المراقبة الافتراضية لكل ساندويش أو عصير يختاره المتسوق من على الرفوف.
لكن طلبات الحصول على براءات الاختراع التي تقدمت بها في العام الماضي تكشف عن خطة لوجود بيئة للبيع بالتجزئة في ظل مثل تلك الرقابة المكثفة بحيث تحاكي Panopticon، وهو سجن صممه الفيلسوف جيريمي بينثام ليكون “مطحنة لتحويل المحتالين إلى شرفاء”.
لتحديد ما يشتريه المتسوقون، تتوخى براءة الاختراع تعقب كل زبون وهو يتجول داخل المتجر. تستخدم شركات التجزئة منذ الآن إشارات راديو لهاتف ذكي لقياس تدفق الأشخاص الوافدين إلى داخل متاجرها. واقترحت “أمازون” أيضا استخدام ميكروفونات لتحديد الموقع الثلاثي للزبون من خلال استخدام أصوات، كوقع الخطى.
عندما يتم انتقاء إحدى السلع من على الرفوف، تستخدم الكاميرات إشارات، مثل لون الجلد وسخونة الجسد، لتحديد يد الزبون ومن ثم المنتج الذي تقوم اليد بالإمساك به. وتساعد أجهزة الاستشعار في الرفوف ومرسلات الراديو صغيرة الحجم الموجودة داخل غلاف المنتج في تحديد المنتج الذي تم اختياره، أو إعادته إلى الرف.
إذا فشل كل هذا، يستطيع النظام البحث في عمليات الشراء السابقة التي أجراها العميل واللجوء إلى التخمين المستنير.
في مقطع فيديو تم بثه عبر التلفزيون الأمريكي هذا الشهر، أظهرت “أمازون” إحدى المتسوقات وهي تختار قطعة كيك من على الرف، ومن ثم تعيدها إلى مكانها – مع تسجيل هاتفها لكل حركة تقوم بها. ويجري تلقائيا تسجيل جميع المشتريات لحساب بطاقة الائتمان الخاصة بالزبون وهو يغادر المتجر.
لكن الواقع ربما يكون أقل مباشرة. قال كوندو “النظام الذي يحاولون تجربته رائع جدا، لكنه يعتمد على تقييد البيئة. هناك فواصل مصنوعة من البلاستيك هدفها التأكد من أن السلع والمنتجات لا تتحرك أفقيا. ماذا لو تخطى الزبون ذلك؟ ماذا لو كان هناك أطفال يأخذون السلع بعشوائية من على الرفوف ومن ثم يرجعونها؟ حينها سيتطلب الأمر حذقا ومهارة”.
في إشارة إلى أن “أمازون” ربما تكون بحاجة إلى فترة زمنية لا بأس بها من أجل إتقان نظام المراقبة لديها، يجري تزويد المتجر الخاضع للتجربة بمواد وسلع منخفضة التكلفة مثل الوجبات الجاهزة والشطائر، بدلا من السلع ذات العلامات التجارية التي تكون أكثر قيمة.
بالنسبة إلى الوقت الحاضر، المتجر مفتوح فقط أمام موظفي “أمازون” في برنامج تجريبي خاص بالشركة، أما أفراد الجمهور فمن المقرر أن ينضموا في “أوائل عام 2017”.
الاقتصادية