مقالات

الـ”موكس” تغيّر قواعد التعليم التقليدي وتزدهر في المنطقة العربية

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي- باميلا كسرواني*

هل تريد أن تتعلّم التسويق الإلكتروني أو البرمجة؟ هل أنت مهتمّ بالفلسفة القديمة أو التربية الوجدانية؟ أياً يكن اهتمامك اليوم، بات من الممكن، بنقرة واحدة، أن تسجل على أحد مواقع الدروس الجماعية الإلكترونية المفتوحة المصدر التي تُعرف اختصاراً بالـ”موكس” (Massive Open Online Courses) من أجل تحقيق طموحاتك.
“أوداسيتي”، “كورسيرا”، “إيدكس” وغيرها، كلّها مواقع عالمية تنتشر على الإنترنت، وقد تحوّلت، خلال السنوات الأخيرة، إلى منصات للتعليم الذاتي المفتوحة المصدر التي توفّر لـ”طلبتها” وسيلة مجانية ومريحة من أجل الحصول على شهادات من دون كلفة مرتفعة؛ حتى إن العديد من هذه المواقع باتت توفّر دورات تعليم ترعاها كبريات الجامعات العالمية، ويقدمها أساتذة مرموقون.
كل منصة توفّر الدروس على طريقتها، وتعرض باقة واسعة من المواد التعليمية، بفضل مقاطع فيديو، بعضها يُظهر أستاذاً يشرح الدرس، أو يُظهر عروضاً تقديمية بصوت أستاذ، وبعضها يعتمد على حصص تفاعلية بالصوت والصورة ليخوض الطلبة بعض الامتحانات التي يجب النجاح فيها للمضي قدماً نحو الشهادة.
أما في المنطقة العربية، فشكّلت “ملتقى الدارين” أول أكاديمية عربية مفتوحة المصدر لتقديم خدمة التعليم المجاني على الإنترنت. وتميّزت في بداية مشوارها بتقديم دوراتها بالطريقة التقليدية عبر غرف افتراضية على الإنترنت ليتواصل فيها المحاضر مع الطلبة مباشرة. ومنذ تأسيس الأكاديمية في مصر العام 2011، قدّمت أكثر من 250 دورة تدريبية مجانية في مجالات عدة، كما وفّرت محتويات هذه الدورات على قناتها على “يوتيوب”.
منذ ذلك الحين، تطوّر مجال الـ”موكس” في المنطقة العربية التي شهدت بعض المبادرات الخاصة لإنشاء مثل هذه المنصات، لا سيما أن بعض الدراسات كشفت أن اللغة العربية تأتي ضمن اللغات الأكثر طلباً للدروس الجماعية الإلكترونية المفتوحة المصدر، إلى جانب الإنجليزية (التي ما تزال في الصدارة) والفرنسية والصينية والإسبانية. فظهرت منصة “رواق” السعودية، و”إدراك” الأردنية، و”أكاديمية التحرير” المصرية، وغيرها، لتكون “ندرس” آخر منصة تنضم إلى القافلة من دبي.
لكن، هل نجحت هذه المنصات في إيصال العلم لأكبر عدد من الأفراد؟ ما هي التحديات التي تواجهها؟ وما هو المستقبل الذي ينتظرها؟
في محاولة منّا للإجابة عن هذه الأسئلة، التقينا المسؤولين عن أبرز منصّتين للـ”موكس” في المنطقة؛ “إدراك” و”رواق”.
يخبرنا مصعب فؤاد، مدير التشغيل في منصة “رواق”، أن المنصة “أطلقها في أيلول (سبتمبر) 2013 الأستاذ فؤاد الفرحان والمهندس سامي الحصين. وتستهدف نشر المواد الأكاديمية العربية بشكل مجاني، لنشر العلم والتعليم، وإثراء المحتوى العربي، وتوفير منصة جاهزة للراغبين بنشر محتواهم وتقديمه عبر التعليم المفتوح”. ويتابع: “نريد الاستثمار في قطاع التعليم، والمراهنة على توجه العالم أجمع إلى الموكس أو التعليم المفتوح”.
ويتابع: “نستهدف الطلاب ممن هم في أواخر التعليم العام الذين يرغبون في تحديد تخصصهم المناسب، مروراً بالأفراد الذين يريدون التعلم أكثر من التعليم الجامعي، أو لم يستطيعوا إكمال المرحلة الجامعية وصولاً إلى الذين يرغبون في تطوير أنفسهم وهم موظفون ولا يملكون الوقت”. موضحاً أن “رواق” تغطي جميع المجالات العلمية الأكاديمية بكل جوانبها، وليست متخصصة في مجال محدد.
من جهتها، تشير هبة النابلسي من قسم التسويق في “إدراك”، إلى أن المنصة “تأسست في أيار (مايو) 2014. ونهدف إلى الوصول لكل متحدث باللغة العربية في العالم”. مشيرة أيضا إلى أنه “تم إطلاق “إدراك” لتعزيز المحتوى العربي على الإنترنت. كما أطلقت لتحسين التعليم في الوطن العربي وليصبح متوفراً للجميع مجاناً”.
وتوفّر “إدراك” مساقات تعليمية مجانية في مواضيع ومجالات مختلفة، يُقدمها عبر الإنترنت خبراء عالميون. كما توفّر مساقات مترجمة مبنية على مساقات تقدم في جامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الأميركيين. وتقول النابلسي: “كل ما تحتاجه هو جهاز كمبيوتر وإنترنت للبدء”.
أرقام تعكس نجاح
الـ”موكس” العربية
يعتبر فؤاد أن المنصات العربية للدروس الجماعية الإلكترونية المفتوحة المصدر قد فازت برهانها، ألا وهو توفير تعليم بسيط ومجاني لأكبر عدد من الناس، قائلاً: “بلا شك، الأرقام تتحدث”. ويتابع: “عدد الطلبة المستفيدين من المنصة تجاوز مليون طالب، وهم منتشرون في أكثر من 190 دولة في العالم، وتتركز أعمارهم بين 18-34 سنة”. ويواصل: “أكثر المقررات شعبية، بشكل عام، هي مقررات التكنولوجيا والبرمجة. وبشكل محدد، هناك ثلاث مواد رائعة حققت نجاحا باهراً: مادة “البرمجة بلغة الجافا”، ومادة “اختبار القدرات”، ومادة “التجارة الإلكترونية””.
وتوافقه هبة النابلسي الرأي، مشيرة إلى أن “هدفنا أن نصل إلى أكبر عدد من الناس. وكوننا وصلنا إلى ما يقارب المليون متعلم بهذه المدة القصيرة، نعتقد أننا على الطريق الصحيحة”. وتفصّل لنا هذه الأرقام الخاصة بمنصة “إدراك” قائلة: “عدد المتعلمين المسجلين على منصات “إدراك” يقارب 860 ألف متعلم من جميع أنحاء العالم: 60 % من المسجلين ذكور، و40 % إناث. وأكثرهم من مصر، والجزائر والأردن، وتتراوح أعمارهم بين 13-65 سنة”. في حين أنّها أكدت أن أكثر الدروس شعبية على المنصة هي تلك المتعلقة بمهارات المحادثة باللغة الإنجليزية ومهارات تطوير الذات.
أرقام تعكس سير “إدراك” و”رواق” على مسار النجاح، وتعكس أيضاً اعتماد المنصتين لنموذج أعمال جيد، ألا وهو، بالنسبة لفؤاد “التركيز على المحتوى والمحتوى والمحتوى. وبعد ذلك الانتشار الواسع والاعتراف بالشهادات التي نقدمها”.
بعض التحديات في المرصاد
طريق نجاح الـ”موكس” العربية محفوفة بالتحديات. ويرى فؤاد أن “أكبر مشكلة هي اعتراف الجهات الرسمية بشهادات المنصة، ومشاركة هذه الجهات المنصة لتقديم المحتوى المعترف به ومعالجتها”.
ويتابع أن إثبات جدارة المنصة بشكل تقني وتقديم حصص سلسة من دون أي مشاكل، كان أحد التحديات أيضاً من دون أن ننسى التشغيل والتوسع. ويواصل حديثه: “العمل على تقديم محتوى أكثر من رائع وعقد شراكات مع جهات ذات ثقل عالمي غاية الأهمية”.
أما هبة النابلسي، فتشير إلى أن “أكبر تحد نواجهه هو عدم إتمام المساق عند تسجيل المتعلم به. نحاول دائماً تحفيز المتعلمين على إتمام المساقات عن طريق البريد الإلكتروني وعن طريق تحفيزهم عما سيتعلمون في الأسابيع المقبلة”.
وهذه مشكلة تواجه العديد من منصات الـ”موكس” العربية وأيضاً العالمية. إلا أن الدراسات الأخيرة أشارت إلى أن عدم إتمام المساقات ليس دليلاً على فشل منصات التعليم المفتوح، لا بل على أن هذه المنصات مختلفة عن التعليم التقليدي، بأسلوبها ونهجها. فهذه المنصات لا تقدمّ محفزات سلبية في حال عدم إتمام الدرس؛ أي أنك لا تدفع مبلغاً باهظاً أو تضطّر إلى إعادة الحصة لإتمام عامك الدراسي، بل إن هذه الظاهرة هي نتيجة طبيعية لعملية تسجيل مفتوحة وحرة وغير متزامنة، حيث يحصل الطلبة على القدر الذي يحتاجون إليه من الدرس لينتقلوا إلى درس آخر من دون الالتزام بالانتهاء منه.
حتى لو أن منصات الموكس العربية حلّت ضيفة متأخرة على القطاع في السنوات الأخيرة، فإنّها تُشكّل ثورة في المنطقة العربية. ويؤمن فؤاد أن مستقبلاً زاهراً ما يزال بانتظارها، في حين تأمل النابلسي، بناءً على شعار المنصة “العلم لمن يريد”، أن “تعطي المنصة الفرص في مجالات مختلفة للمتعلمين لتطوير ذاتهم ومعرفتهم، وأن تتحوّل إلى مرجع للجميع لزيادة المعرفة واستغلال الوقت بشيء مفيد”.
يبقى أن نجاح هذه المنصات العربية مرتبط أيضاً بتغيير قيود النظام التعليمي التقليدي في منطقتنا، وأن تحصل على دعم الجهات الرسمية والمؤسسات التعليمية العامة والخاصة، إضافة إلى ضرورة العمل على تغيير عقلية الطلبة العرب ليُدركوا أهمية ثقافة التعليم الذاتي ولُيتقنوا أدواته وتقنياته؛ فهم وحدهم يملكون مفتاح نجاح الـ”موكس” العربية.
*متخصصة في الثقافة والمواضيع الاجتماعية
الغد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى