مقالات

ترامب وعالم الأعمال الأميركية

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي- لى الرغم من اتخاذه نمط الرئيس التنفيذي الذي يستطيع أن يغير ما يريد في الدولة لنفسه، يعتبر دونالد ترامب دخيلاً على عالم الأعمال التجارية الأميركية. وهذا يعود إلى أن عملياته التجارية صغيرة جداً إذا ما خضعت لمعايير الشركات العملاقة في أميركا، كما وهناك قلة من رؤساء هذه الشركات الذين اعتبروا الرئيس المنتخب حديثاً نظيراً لهم أو حتى حليفاً. و”لا يملك ترامب أصدقاء” أيضاً بين نخبة رجال الأعمال، متجاهلاً أحد بارونات الأسهم الخاصة قبل عدة أسابيع الذي سينضم – بلا شك- إلى قائمة المدراء التنفيذيين الذين يصطفون أمام برج ترامب لتملقه أو لتقييم أولوياته قبل تسلمه مهام المكتب الرئاسي.
وسوف يكتشف هؤلاء المتوسلون قريباً أن موقف ترامب تجاه الأعمال التجارية يتوزع بين ثلاثة اتجاهات متناقضة. فهو متعطش لإطلاق العنان لقدرات القطاع الخاص من أجل إنعاش النمو. وهناك بلا شك نطاق كبير للقيام بذلك: فقد استثمرت الشركات الأميركية، المدرجة في البورصة المحلية، ما متوسطه 46% من تدفقاتها النقدية الإجمالية في العام الماضي. ومع ذلك، يعرف ترامب بكونه شعبويا أيضاً في ضوء اعتقاده أن الاقتصاد قد خضع للتلاعب من أجل خدمة مصالح الأعمال التجارية الكبرى والرأسماليين، وهو من مؤيدي النزعة الحمائية كذلك. وفي الشهور القادمة، سوف تثير هذه الاتجاهات الثلاثة، وتقلق وتخيف أيضاً، عالم الأعمال ككل.
لنبدأ أولاً بالتحدث عن الخطوات التي ستحبذها الشركات. لقد سخر الاقتصاديون من خطط ترامب المتعلقة بالضريبة، لكن توجه هذه الخطط العام سيلقى شعبية بين الشركات. فقد قال الرئيس الجديد أنه يريد أن يخفض ضريبة الشركات من 40 % إلى 15 %، في الوقت نفسه الذي سيتخلص فيه من عددٍ لا بأس به من الإعفاءات التي تتيح للأعمال التهرب من دفع ضرائبها. ويضع ترامب نصب عينيه أيضاً أن يمكِّن الشركات من إعادة الـ2 تريليون دولار –أو ما يقارب ذلك- من الأرباح المتراكمة التي أخفتها في الخارج، وذلك دون تحفيز إصدار فاتورة ضريبية ضخمة في أميركا. وسيدفع العفو، أو التخفيض الكبير للنسب المراد دفعها، الشركات على إعادة أموالها إلى الوطن، رغم أنه ليس من المعروف بعد إن كانت هذه الشركات ستستخدم أموالها في الاستثمار أو في إعادة شراء الأسهم فقط.
وسوف تلقى الحرب الذي اقترحها ترامب على المتطلبات البيروقراطية الرواج أيضاً. وقد هلل له جمهور كبار الشخصيات التجارية في نيويورك عندما تحدث عن هذه الثيمة في شهر أيلول (سبتمبر). ومن خلال إلغائه قانون “الرعاية الصحية بأسعار معقولة” الذي سنته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، ربما سيساعد الشركات الصغيرة التي تشتكي كثيراً غرقها في المتطلبات البيروقراطية. وفي حال نجح في إعاقة منظمي البيئة في الدولة، فهذا سيعني معاملة أقل تساهلاً مع الصناعات التي تكثف استخدام الكربون، بما فيها النفط والغاز والفحم.
وفي التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، ارتفع سعر سهم شركة “بيبودي إنيرجي”، شركة الفحم التي تحاول الخروج من الفصل الـ11 للإفلاس، بنسبة 50 % تقريباً. ويُحتمل كثيراً أن يكون وزير الطاقة الجديد في عهد ترامب هو هارولد هام، المعروف بكونه قياديا ورائدا على صعيد صناعة التكسير الهيدروليكي في داكوتا الشمالية وأماكن أخرى.
وستناسب الطفرة في الإنفاق على البنية التحتية كثيراً الأعمال التجارية أيضاً. حيث تشتكي جميع الشركات شوارع أميركا المتداعية والمطارات التي تعود إلى عهد بريجنيف الراحل. ويمكن لصناعة الإنشاءات أن تحصل مزيداً من الأرباح في ظل ذلك – ما يعد سبباً لارتفاع مؤشر أسهم الشركات في القطاع بنسبة 9 % خلال اليوم الذي تلا الانتخابات.
الضرائب
في حال كانت التخفيضات الضريبة ورفع القيود، إلى جانب البنية التحتية الجديدة، أموراً ستلقى الترحيب بين الشركات على كافة أحجامها، ستعيش الشركات الكبرى قلقاً يتعلق بالعامل الثاني: اقتراح ترامب الشعوبي الذي يقول إن الاقتصاد خضع للتلاعب ضد مصلحة المستهلكين والعاملين العاديين. ولو أنها فازت بالانتخابات الأخيرة، كان من المتوقع بشكل واسع أن تعزز هيلاري كلنتون جهاز مكافحة الاحتكار الأميركي، وذلك كاستجابة للأدلة المتزايدة التي تبين أن المنافسة تضاءلت عبر الاقتصاد مع زيادة قوة الشركات الموجود أساساً. لقد كانت إشارات ترامب مختلطة بما يتعلق بهذا. ففي تشرين الأول (أكتوبر) من العام الجاري، اعترض الرئيس الجديد على العطاء الذي قدمته شركة الاتصالات الأميركية “تي آند إيه تي” لـ”تايم وورنر”، وهي شركة إعلامية، موضحاً أنه سيقود إلى تركيز سلطة الشركات. ولكنه اتخذ مساراً أكثر ليونة بشأن أسعار العقاقير الطبية المرتفعة لصناعة المستحضرات الطبية، لاسيما وأن أسعار الأسهم في هذا القطاع ارتفعت فور إعلانه انتصاره في الانتخابات، في ضوء أن السيدة كلينتون كانت لتكبح الأسعار لو أن النصر كان حليفها.
إن السياسات التي تعزز المنافسة وتحارب المحسوبية منطقية، ولكن الخطر يبرز في احتمالية دخلولها –في عهد ترامب- دوامةً من المواجهات القوية بين الشعبوية والشركات التجارية الكبرى، ما سيفضي إلى إضعاف مركزي القوة العظمى للاقتصاد الأميركي، وول-ستريت وسيليكون فالي.
ومن جهة أخرى، وضع ترامب نصب عينيه أيضاً إلغاء قانون “دود-فرانك”، وهو قانون أخرق يحتقره المصرفيون صدر عقب الأزمة الاقتصادية العالمية في العام 2008 واستهدف إعادة تنظيم البنوك. ولكنه اقترح أيضاً الفصل بين المصرفية الاستثمارية والمصرفية التجارية، ما قد يُمسي كابوساً بالنسبة للبنوك العالمية -مثل “جي بي مورغان تشيس” الذي أمضى سنوات بائسة وهو يحاول التكيف مع قواعد اليوم.
وتعتبر منطقة سيليكون فالي أيضاً نقطة اشتعال محتملة. حيث أن الشركات ذات المنصات الكبيرة مثل “فيسبوك” و”جوجل” قوية جداً وتشارف على إمتهان الغطرسة، وكانت منذ البداية معاديةً علناً لترامب. وحتى الآن، اتخذ الرئيس الأميركي الجديد هدفاً آخراً أسماه بـ”الاتجاهات الاحتكارية” لشركة “أمازون”، شركة التجارة الالكترونية الشهيرة. ومن السهل أيضاً تصور ترامب يعارض معاملة شركة “أوبر” لسائقين سياراتها، أو حتى إجبار شركة “أبل” على فتح أرقام أجهزة عملائها السرية بناءاً على قواعد الأمن القومي. وإذا ما حدث ذلك، سوف تستعد رؤية صناعة التكنولوجيا الأميركية الليبرالية والهدامة لتصطدم مع رؤيا ترامب التي تفضل الأصليين على المهاجرين.
ومع ذلك، يظهر التوجه الثالث لخطط ترامب المتعلقة بالأعمال، وهو المناصرة للحمائية، واضحاً وأنه سيضر بالأعمال. فمنذ أن أبرم ترامب أول صفقة كبيرة له في مانهاتن في منتصف سبعينيات القرن الماضي، مشيداً “فندق هيات” ومحطة “جراند سنترال”، غامرت الشركات الأميركية أكثر من أي وقت مضى: وأصبح 44 % من مبيعات مؤشر “إس آند بي 500” الخاصة بالشركات الكبرى مكتسبة في الخارج. وسوف تأتي الشركات العالمية تحت الضغط في سعيها لإيجاد المزيد من الإنتاج في موطنها.
وخلال حملته الانتخابية، انتقد ترامب “لامباستيد فورد” وشركة “مونديليز” –شركة تصنع الأغذية- لتوظيف كل منهما القليل من الأفراد في أميركا. وبواقع الحال، يمكن للحروب التجارية وارتفاع الرسوم الجمركية أن تعطل سلاسل التوريد حقيقةً: حيث تعتمد صناعة السيارات الأميركية بشكل كبير على موردي القطع والمواد المطلوبة في المكسيك. وفي حال فرضت أميركا الرسوم الجمركية على الواردات الصينية، كما بين ترامب أن ذلك سيحدث تحت قيادته، يمكن أن تستجيب الصين منطقياً للأمر عبر تضييق الخناق على أنشطة الشركات الأميركية متعددة الجنسيات في أراضيها، والتي تجني مبيعات تراوح الـ300 مليار دولار في العام الواحد.
وسوف يخبر الكثير من المدراء التنفيذيين الأميركيين أنفسهم أن الرئيس ترامب، بغض النظر عن سائر عيوبه، يفهم ماهية الأعمال التجارية. وهذا صحيح: فلديه حس غريزي قوي بخصوص الشركات والرأسمالية يفوق ما كان يتمتع بها الرئيس السابق أوباما، أو حتى السيدة كلينتون. ولكن كنتيجة لذلك، في جزء من الأمر، سيتدخل كثيراً في شؤون الشركات وسيرها. وهو يؤمن بأن الأعمال الأميركية يمكن أن تصبح أداة لسلطته، بحيث يمكن أن تُشتَرى أو تُخضع لسياسة التخويف أو لإعادة التشكيل من أجل تحقيق الانتعاش القومي. لقد كانت مهنته الأولى، كرجل أعمال كما نصب نفسه، طفيفة التأثير على الشركات الأميركية، أما الآن –عبر مهنته الجديدة كرئيس دولة- ستصبح قراراته أكثر وأعمق تأثيراً.
الغد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى