تكنولوجيا

العالم النامي يتحصل على ذكاء المدينة

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي

أيمكن للبلدان النامية أن تثب مختصرة طريقها نحو المدن ’الذكية‘ المجهزة بالتكنولوجيا؟ هذا ما يكتشفه جاريث ويلمر

رعاية صحية ذكية، أنظمة صرف ذكية، وسائل نقل ذكية، مبانٍ ذكية. هناك العديد من مفاهيم المدن الذكية، كلها تتمحور حول الاتصال بين الأجهزة الإلكترونية، ويُعزى لها الفضل في تحويل نمط معيشتنا.

لا يقف الأمر عند كون أجهزتنا متصلة بكل ما يحيط بنا فحسب، بل أيضًا تتحدث آلات إلى آلات أخرى. ماذا إن تحدثت سياراتنا بعضها إلى بعض حول حالة المرور التي أمامها، ثم عدلت سرعاتها ذاتيًّا؟ ماذا إن نبهتك غسالة ملابسك عندما توشك دورة الغسل على الانتهاء؟ أو إن قدمت أنظمة التدفئة والإنارة اقتراحًا لك حول كيفية تحسين كفاءة الطاقة لديك؟

إن مثل هذه التقنيات الذكية بدأت بالفعل تضع بصمتها في العالم المتقدم، لكن أيمكنها العمل في العالم النامي كذلك؟ أيمكن للمدن الآخذة في النمو بسرعة في بعض أفقر بلدان العالم أن تقفز قفزة ضفدع تتخطى بها الطرق التقليدية من التخطيط الحضري لتصبح مدنًا ذكية، تمامًا مثلما قفزت الاتصالات فيها قفزة تخطت بها الشبكات الأرضية الثابتة وعمدت مباشرة إلى الهواتف الجوالة والنطاقات العراض؟

تخطيط مسبق

يمكن هذا، وفق رأي شيزورو أوكي، منسق الحد من تغير المناخ بمرفق البيئة العالمي التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. لكن للوصول إلى ذلك، ينبغي على المدن أن تنظر أولاً إلى كيفية تفاعل القطاعات التي تبدو مستقلة، مثل النقل وكفاءة الطاقة والإمداد المائي، ومن ثم تخطط لجعلها أكثر اتصالاً فيما بينها.

الآن يعيش أكثر من نصف سكان العالم في مدن، وبحلول عام 2050، يتوقع أن يقطن ثلثا سكانه مدنًا. ويمكن للتقنيات الذكية مساعدة المدن في التعامل بشكل أفضل مع عواقب الكوارث الطبيعية. إذا ما تمكنت أجهزة الاستشعار من إطلاق إنذار من تسونامي عند منشئه –مثلاً- في منطقة ساحلية فقيرة، وتوصيل هذه المعلومة إلى قطاعات أخرى قد تتأثر، مثل النقل بسبب الاختناقات المرورية المحتملة، فإن المدينة بأكملها عندئذٍ تكون أفضل استعدادًا.

لكن الأمر يتطلب استبصارًا مسبقًا بشكل جمعي أكبر، وفق ما يقول أوكي. لذا فللتوصل إلى إدارة حضرية ذكية ومجموعة أدوات أكثر عمومية في التخطيط، يمكن أن تتشاركها مدن مختلفة، فقد خصص مرفق البيئة العالمي 100 مليون دولار أمريكي لبرنامجه الجديد ’البرنامج المتكامل حول المدن المستدامة‘، في سبتمبر 2014، الذي وافق انعقاد قمة الأمم المتحدة حول المناخ لعام 2014.

إدارة شاملة

يمكن لمنطقتي أمريكا اللاتينية والكاريبي الاستفادة من الترابط على مستوى المدينة؛ فعلى كل حال، وطبقًا للأمم المتحدة، سوف يعيش نحو 90% من سكان المنطقتين في مدن بحلول عام 2050م.

وتعد ريو دي جانيرو البرازيلية مدينة رائدة في مبادرات المدن الذكية. فبعد أن اجتاحتها الانهيارات الطينية المدمرة في أبريل 2010، قرر عمدة المدينة إنشاء ’مركز عمليات ريو‘ بمساعدة شركة التكنولوجيا العملاقة IBM. ينسق المركز بين أكثر من 30 إدارة من إدارات المحليات، باستخدام المستشعرات والأقمار الصناعية والكاميرات وأنظمة تحديد المواقع العالميةGPS؛ لجمع معلومات آنية حول حركة المرور والطقس والإنارة واستخدام الكهرباء وغيرها من العوامل.

من ثم تستخدم تلك المعلومات لإدارة حركة النقل بمساعدة إشارات مرور مبرمجة حاسوبيًّا، تعيد توجيه السيارات بعيدًا عن مناطق الحوادث والاختناقات المرورية، وتساعد خدمات الطوارئ على شق طريقها بشكل فعال.

ولا يقتصر الأمر على حركة المرور؛ فالمدينة تستخدم بيانات المستشعرات للتأكد من التقاط القمامة بكفاءة، ولتوفير تحذيرات في حالات الطقس بالغة السوء بمساعدة فيسبوك وتويتر والرسائل القصيرة التي ترسل عبر الهواتف النقالة. يقول ماوريسيو بوسكيلا -من مصرف تنمية البلدان الأمريكية-: ”إنها حقًّا وسيلة ذكية جدًّا لإدارة المدن. فأنت تحصل على بيانات حقيقية من أحداث سابقة، لتتمكن من توقع الأحداث المستقبلية“.

كما أن الأحياء الفقيرة لم تهمَل. فمؤخرًا رُكبت صافرات إنذار في أفقر مناطق ريو دي جانيرو، يتحكم فيها المركز عن بعد؛ للمساعدة في إرشاد السكان خلال الأزمات وإخبارهم بالأماكن التي يمكنهم الاحتماء بها عندما تصل معدلات هطول الأمطار إلى مستويات حرجة، وفق قول بيدرو جونكويرا، رئيس مركز عمليات ريو.

من إنارة الشوارع للمجارير

وإلى جانب ريو، فإن شركة IBM لديها نحو 2500 مشروع للمدن الذكية في شتى بقاع العالم، حتى إنها جعلت لمصطلح ’المدن الأذكى‘ علامة تجارية. كما أن شركات أخرى للتكنولوجيا مثل سيمنز وإنتل وميكروسوفت وسيسكو، كلها منشغلة بتطوير وبيع برمجيات لمعالجة مشكلات المدن المختلفة ومواجهتها، بدءًا من تلوث الهواء وطفح شبكات الصرف الصحي وتسرب المياه.

ويبدو أن مدنًا أخرى تترسم خطى ريو.

فبدعم من مصرف تنمية البلدان الأمريكية، تسعى ست مدن من البرازيل وكولومبيا وجامايكا وأوروجواي إلى إنشاء مراكز مماثلة للتحكم في البيانات. ”يجري إنشاؤها على عدة مراحل“ وفق ما يقول بوسكيلا؛ إذ من المتوقع إطلاق أول تجربة صغرى في منتصف عام 2015.

”ثمة حاجة لتوافر برامج يمكن وصلها بشبكات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أو وصلها بالتكنولوجيا النظيفة أو حلول مشكلات الإسكان أو حلول مشكلات الغذاء، والتي ستميزهم عن غيرهم من الفقراء، وتخلق قيمة في المجتمع“.

بيتر فان هينينجين، منطقة ابتكار ستيلينبوش

ويضيف أنه إلى جانب مراكز التحكم، هناك أيضًا المزيد والمزيد من تطبيقات الهواتف الذكية، مثل الخدمات المصرفية عبر الجوال، والتجارة الإلكترونية، والدفع بالجوال، وتطوير صفحات الويب، والتعليم الإلكتروني، كلها تهدف إلى مساعدة الفئات المحرومة بوجه خاص.

على سبيل المثال، فإن خدمة الأموال عبر الهاتف M-PESA التي حققت نجاحًا كبيرًا، منحت سكان الأحياء الفقيرة في نيروبي بكينيا مكانًا افتراضيًّا للاحتفاظ بأموالهم في مأمن من بعض الأحداث مثل حرائق الأحياء الفقيرة، كما تساعدهم على توفير المال والوقت الذي يتطلبه السفر إلى البنوك.

وقد أدى هذا أيضًا إلى مبادرات مثل خدمة الاتصال بمانحي خدمة مضخات المياهGrundfos Lifelink لإمداد الأحياء بمياه مدفوعة الثمن من خلال خدمة M-PESA، كما ساعدت المنظمات غير الحكومية في تسديد مدفوعات سكان الأحياء الفقيرة.

وتأتي الصين والهند أيضًا في طليعة التحولات إلى مدن ذكية. ففي الصين –أكبر دولة تطلق انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم- أجرى مرفق البيئة العالمي مباحثات مع الحكومة حول إمكانية استخدام برامج نقل ذكية من قِبل مراكز لوجستية منخفضة الكربون لتنظيم حركة المرور.

بإمكان مراكز الخدمات اللوجستية -مثلاً- في أي من مدن الموانئ أن تتعقب الطرق المثلى كي تسلكها الشاحنات التجارية باستخدام بيانات من المستشعرات للحد من الاختناقات المرورية، حسبما يقول شياومي تان، خبير التغير المناخي بالمرفق.

وبدأت أفريقيا أيضًا تتحول باتجاه التقنيات الذكية. وتقوم بلدة ستيلينبوش في جنوب أفريقيا بتحويل ’منطقة ابتكار ستيلينبوش‘ إلى ”مركز للابتكار“ يضم مشروعات مثل أكشاك ذكية ذات خاصية الشحن الشمسي للهواتف الجوالة. ورغم أن المشروع في أيامه الأولى، إلا أن بيتر فان هينينجين -مدير البرامج بمنطقة ابتكار ستيلينبوش- بدأ بالفعل يخطط لحمل هذا المفهوم إلى مناطق أخرى في أفريقيا.

يقول فان هينينجين: ”الأشخاص الأكثر فقرًا في جنوب أفريقيا يعانون الفقر لندرة الفرص“. ويضيف: ”ثمة حاجة لتوافر برامج يمكن وصلها بشبكات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، أو وصلها بالتكنولوجيا النظيفة، أو حلول مشكلات الإسكان، أو حلول مشكلات الغذاء، والتي ستميزهم عن غيرهم من الفقراء، وتخلق قيمة في المجتمع“.

بدء من لا شيء

بالنسبة للعديد من البلدان الأفقر، يعد التمويل أحد العقبات الكبرى أمام التحول إلى التقنيات الذكية، لكن الأمر لا يتطلب دائمًا بالضرورة استراتيجيات حكومية مكلفة لجمع البيانات الضخمة، فبإمكان الأشخاص العاديين الإسهام في ذلك، حسبما يقول فيكتور مولاس، خبير سياسات الاتصالات في مجموعة البنك الدولي. إحدى الطرق للقيام بذلك تكون من خلال استخدام تطبيقات الهواتف الجوالة مفتوحة المصدر، والتي يمكن أن تمد الدولة بتغذية راجعة سريعة ومجانية.

ففي مدينة مابوتو بموزمبيق، يحاول البنك الدولي تحسين معالجة النفايات من خلال مبادرة تستخدم التعهيد الجماعي عبر تطبيقات الجوال؛ لجمع مدخلات من المواطنين وجامعي النفايات حول أماكن القمامة في المدينة. ومنذ إطلاقها في 2013، يبدو أنها بدأت تؤتي ثمارها؛ فقد تحسن رسم خرائط الطرق، وبات المزيد من الناس يلقون مخلفاتهم في أماكنها المناسبة، كما يقول مولاس.

وفي نيروبي بكينيا، وهي إحدى أكثر مدن العالم ازدحامًا، لجأ مشروع يدعى ’ماتاتوس الرقمي‘ إلى التعهيد الجماعي لرسم خريطة عبور شبكات الحافلات والقطارات بالمدينة. تقول جاكلين كلوب -الباحثة في معهد الأرض بجامعة كولومبيا في الولايات المتحدة، والتي تقود إحدى فرق المشروع-: ”إن البيانات والخرائط لا تؤدي وحدها إلى خفض الاختناقات المرورية، لكنها تُعَد خطوات أولى لتخطيط أفضل“.

بل قد تخدم تقنيات الهواتف الجوالة التعاون الدولي أيضًا. ومؤخرًا أَطلقت شبكة C40 Cities-وهي شبكة عالمية من المدن الكبرى تتهيأ متجهة للحد من انبعاثات غازات الدفيئة- مبادرة لمسؤولي المدن في مختلف الدول للتواصل حول قضايا معالجة النفايات باستخدام تطبيق الدردشة على الهواتف الجوالة ’واتس آب‘. وإلى الآن بدأت ثماني مدن في العالم النامي تستخدمه، منها جاكرتا ونيروبي.

مخاوف بيئية

لكن المخاوف حول البيئة غالبًا ما تبدو متخلفة عن مشكلات أخرى أكثر إلحاحًا تسعى مبادرات المدن الذكية إلى مواجهتها. يقول رشيق بارمار -المهندس في شركة IBM-: ”من منظور الاستدامة، تكاد تكون البيئة فكرة متأخرة“. ويضيف: في حالة مدينة ريو مثلاً، كان الهدف الأساسي هو التأكد من أن تسير فعاليات كأس العالم لعام 2014 وأوليمبياد عام 2016 دون فيضانات أو خسائر في الأرواح.

لكن التحديات في الدول النامية غالبًا ما تصادف قضايا بيئية، وهو أمر يعيه مخططو المدن الذكية. وتقوم مدينة ريو حاليًّا بوضع خطة ’مرونة‘ من أجل تنمية حضرية مستدامة، ستتعامل بشكل مباشر كذلك مع قضايا تغير المناخ. وقد ساعد تحسين أنظمة المرور هناك بالفعل على تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وفق ما يقول بارمار.

ويضيف بوسكيلا: ”كلما نمت المدن ازدادت الحاجة إلى الاعتماد على تكنولوجيا المعلومات لفهمها وإدارتها. من المستحيل أن تدير هذا الكم الكبير من البيانات دون هذا الذكاء“.

المصدر: SciDevNet

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى