مقالات

أفريقيا غير الموصولة بالكهرباء

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي- على بعد أميال قليلة إلى أسفل من طريق ترابية وعرة، وأميال أكثر من أقرب مدينة في الأنحاء، تقع مزرعة صغيرة يلفها الشجر. وداخل أحد جدران هذه المزرعة، تمتد أسلاك طويلة إلى مفتاح كهربائي، بيما تتصل الأنوار هناك مباشرةً بلوحة تخزين للطاقة الشمسية. ربما يعد القُراء من الدول الغنية الإنارة بالطاقة الشمسية أمراً عادياً. ولكن في شمال رواندا، حيث تتصل نسبة تدنو الواحد بالعشرة فقط من المنازل بالكهرباء، تعد أنظمة الطاقة الشمسية البسيطة التي تتصل بشبكة الكهرباء -وتستخدم البطاريات لتخزين الكهرباء حتى يتم استخدامها ليلاً- قفزة نوعية إلى الحداثة.
لقد أصبحت الخدمة، التي كانت متاحة للأفارقة الأثرياء في المدن الكبيرة سابقاً، متاحةً للجميع الآن مقابل بضعة دولارات في الأسبوع. وأصبح الناس يستطيعون الآن إنارة غرفهم وشحن أجهزتهم الذكية، أو حتى الاستماع إلى الراديو. وفي غضون سنوات قليلة، يغلب الظن أنهم سيتمكنون أيضاً من مشاهدة التلفاز وتزويد مضخاتهم بالطاقة ومن تلطيف حرارة منازلهم عبر استخدام المراوح.
وباختصار، ربما يصبح الفقراء في القارة التي لا يصل فيها اثنان من كل ثلاثة أشخاص إلى الكهرباء قادرين على القيام بالعديد من الأشياء التي يستطيع نظراؤهم في الدول الغنية فعلها، وربما من تشغيل الأجهزة التي تعتمد طاقة الكهرباء مثل مجففات الصحون أيضاً. وسوف يتمكنون من فعل ذلك مقابل جزء صغير من تكلفة مصادر الطاقة التقليدية، بينما سينشطون في ظل أرض تجارب لاستخدام التكنولوجيات من جهة أخرى.
بواقع الحال، تنتشر الكهرباء المولدة شمسياً (خارج الشبكة الوطنية) بشكل مطرد. وقد أصبح يعتقد بأن هذه الصناعة، التي بالكاد تواجدت قبل بضع سنوات، توفر الطاقة لقرابة 600 ألف أسرة في أفريقيا. وبالإضافة إلى ذلك، هاهي وتيرة النمو تتسارع في القارة الغنية بأشعة الشمس فوق أي شيء آخر.
ويعتقد المسؤولين التنفيذيين في الصناعة أن أعداد أنظمة توليد الطاقة من الشمس فوق أسطح المنازل الأفريقية ستزداد بنسبة 60 % إلى 100 %.
وزودت “إم –كوبا”، الشركة الرائدة في السوق، الأسر بـ400 ألف من هذه الأنظمة، وفي ظل معدل نموها الحالي ربما قد تضيف 200 ألف نظام آخر خلال العام المقبل. وربما تضاعف الشركات المنافسة الأصغر، مثل “أوف جريد إليكتريك” و”بي بي بوكس” و”تكنولوجيات آزوري”، قاعدة عملائها خلال الفترة نفسها.
وتقترح وتيرة النمو السريعة هذه، في حال استمرت، أن معدلات مستخدمي هذا النظام ستتجاوز المتصلين بشركات الكهرباء، بحيث تتخطى النظام التقليدي بالطريقة نفسها التي تخطى فيها استخدام الهواتف النقالة استخدام شبكة الهواتف الأرضية. وهذا لا يعد بتحسن حياة الملايين فقط، وإنما بالمساعدة في التعامل مع القصور المزمن في الطاقة، والذي قال البنك الدولي إنه يقتطع ما يقارب نسبتين مئويتين من النمو الاقتصادي الأفريقي السنوي.
يبدو توسيع شبكات الكهرباء عبر أفريقيا بديلاً أفضل. ولكن، في الوقت الراهن، فإنه خيار غير واقعي. ووجدت رواندا؛ إحدى الدول الأكثر كثافة في القارة الأفريقية، أن ربط منزل بشبكة الكهرباء يكلف في المتوسط 880 دولارا. ومع ذلك، ما يزال هذا الرقم مضللا في ضوء أن الدولة غيرت سياستها لتركز أكثر على ربط المنازل التي تقع بالقرب من خطوط شبكة الكهرباء المتواجدة.
وقبل إنفاذ هذا التغيير، كانت تكلفة ربط المنزل الواحد بالشبكة تبلغ في المتوسط حوالي ألفي دولار، ما يعد حوالي عشرة أضعاف تكلفة الأنظمة غير المتصلة بالشبكات. وتعتقد منظمة “مخطط تقدم أفريقيا”، التي تضم مجموعة من الخبراء ويرأسها أمين عام الأمم المتحدة سابقاً كوفي عنان، أن أكثر من 600 مليون شخص غير متصلين بالشبكات، وأنه من أجل ربطهم بها سيتطلب الأمر ارتفاع الاستثمار في بنية الكهرباء التحتية إلى ما يقارب 55 مليار دولار في العام الواحد، وذلك من الـ8 مليارات التي تستثمر سنوياً في الوقت الراهن. ووفقاً للاتجاهات الحالية، سيستغرق ربط جميع الأفارقة بالشبكة حتى العام 2080.
وقبل سنوات عدة ليس إلا، كانت فكرة أن نظم “خارج الشبكة” (أو غير المتصلة بها) سوف تتمكن من سد فجوة الطلب على الكهرباء منافية للعقل: بحيث كانت المؤسسات الخيرية تهيمن على السوق، موفرةً الفوانيس التي توفر بدورها الإنارة لبضع ساعات أثناء الليل. ولكن مع دخول شركات التكنولوجيا ورؤوس الأموال الاستثمارية إلى السوق، تطورت الصناعة بسرعة بمساعدة ثلاثة تطورات رئيسية.
وكان انخفاض الـ80 % في تكلفة الألواح الشمسية منذ العام 2010 أول هذه التطورات، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة المتجددة، وصولاً إلى 52 سنتا أميركيا لكل واط. وتمثل ابتكار أكثر أهمية في نموذج العمل “الدفع أولاً بأول”، والذي يقوم على بيع الكهرباء كخدمة بدلاً من بيع الخلايا الشمسية. وقد خرجت مجموعة من الشركات التي تقدم عرض تركيب الأنظمة الشمسية، ومن ثم تغريم العملاء رسوماً أسبوعية أو شهرية مقابل الكهرباء الموفرة.
ويتيح هذا للأسر الفقيرة أن استخدام جزء من أنظمة الطاقة الشمسية التي تكلف 250 دولارا، والتي سيكافحون لشرائها على أي حال. وقد ربطت العديد من الشركات أنظمتها بشبكات الهواتف النقالة حتى ترسل الفواتير للعملاء، ولقطع الخدمة عن من يتغيبون عن دفع الفواتير (وتبني بعضها أجهزة التوجيه اللاسلكي لتوفر خدمة الإنترنت أيضاً). وعلى أي حال، فإن المعدلات الافتراضية منخفضة، ما يعود إلى أن العديد من الأفارقة الريفيين أنفقوا فعلاً ما بين 100 و140 دولارا في العام على مصابيح الكيروسين والشموع، وما بين 15 و25 سنتا في كل مرة أرادوا في شحن هواتفهم أيضاً.
وبرز تغيير كبير ثالث في تطوير الأجهزة التي تستخدم كهرباء بشكل أقل. وتعد مصابيح الـ”إل إي دي” أهم هذه الأدوات، والتي توفر الإضاءة من خلال استخدام حوالي 20 % فقط من الطاقة التي تستخدمها المصابيح التقليدية. ولكن وفورات الطاقة تنتشر أيضاً إلى الهواتف والتلفزيونات والمراوح وأجهزة الراديو. وتتخذ “تكنولوجيات آزوري” خطوة كبيرة في هذا المجال، من خلال بنائها أنظمة طاقة شمسية ذكية تستطيع أن تدرك كيف يستخدم عملاؤها الطاقة في العادة. وبعد ذلك، يستخدم النظام هذه المعلومات لضمان عدم تركهم في العتمة. وفي حال خفض يوم غائم كمية الطاقة التي حصدها هذا النظام، سوف يقوم الأخير بتخفيف الأنوار لإبقاء أجهزة المنزل وأنواره تعمل.
ويكمن التحدي الأكبر للنمو المتسارع في الافتقار للتمويل، فمع أن معظم الشركات تضع أمولها الآن في تركيب أنظمة الطاقة الشمسية “خارج الشبكة” في المنازل، إلا أن أمر استلامها مردود خدماتها من زبائنها يستغرق وقتاً طويلاً. وتمثل تحديا آخر في الإنتاج. ويتأسف الرئيس التنفيذي لشركة “بي بي بوكس”، منصور هاميون، على أنه لا يستطيع تصنيع الأنظمة بشكل سريع كفاية. “لا يتعلق الأمر بنقص الطلب.. بحيث ينفد لدينا المخزون بشكل متكرر”.
ومن المؤكد أن نظم الطاقة الشمسية في المنازل لن تحل جميع مشاكل الطاقة في أفريقيا. ويمكن للأنظمة الحالية أن تنير المتاجر الصغيرة وأن تخدم أعمالاً مثل تصفيف الشعر. وتعمل مجموعة من الشركات على توسيع أنظمتها لتصل إلى المصانع الصغيرة والمزارع. ولكن، حتى مع القيام بذلك، لن تحل أنظمة الطاقة الشمسية محل الكهرباء التقليدية عندما يتعلق الأمر بالصناعات الكبيرة.
في الوقت الراهن، يرى العديد من صناع القرار في أفريقيا أن شركات الطاقة “غير المتصلة بالشبكة” سوف تمضي مخترقةً قاعدة عملاء احتكارات الكهرباء المملوكة للدولة. ولكنها بدلاً من ذلك ينبغي أن تشجع المنافسة التي ترفع عبء كهربة الريف التي تتكبدها الدولة، بينما تسمح لها بالتركيز على الاستثمار في تحسين إمدادات الطاقة في تلك المناطق لتستخدم في تعزيز النمو الصناعي ككل.

“الإيكونوميست”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى