هاشتاق عربي- إذا كان سابقا يصح القول، “ما هو الروبوت؟”، فالأصح الآن القول، “مَن هو الروبوت؟”، حسب تشريعات يتم إعدادها الآن تجعل من الروبوت “كائنا” جديدا على الأرض، يتمتع بشخصية معنوية تحت مسمى “شخص إلكتروني”، له دور ومسؤولية في المجتمع.
بل ذهب، أوبرسون كزافييه وهو بروفيسور القانون والضرائب في جامعة جنيف، إلى الدعوة لفرض ضرائب معقولة على الروبوتات، يدفعها صاحبها.
هذا الكائن الجديد، الذي أخذت أعداده تتزايد في معدلات سريعة، لا ينام، ولا يأخذ إجازة، ولا يراجع الطبيب، ولا يدفع الضرائب، ويؤدي مهام معقدة بكفاءة، وبمقدوره العمل 24 ساعة في اليوم في سوق مالية تنافسية شديدة، وهو في الأخير لا يأخذ تقاعدا في نهاية خدمته، لكنه يسرق العمل بسهولة من الكائن البشري.
هذه الصفات الجديدة وغيرها على مجتمع العمل الإنساني، مع التطورات المتلاحقة في عالم “الروبوت”، أخذت تهمين على أغلب نقاشات المجتمع الاقتصادي، في الندوات الاقتصادية ـ الاجتماعية، في الراديو أو التلفزيون، ومقالات الصحف، وكذلك في دراسات المراكز البحثية، التي ازدادت بمعدلات سريعة منذ أن نشرت اللجنة القانونية في البرلمان الأوروبي في 31 أيار (مايو) الماضي تقريرا من 22 صفحة يسعى إلى تنظيم الوضع الاقتصادي والاجتماعي المرتبط بعالم “الروبوت”.
في هذا الإطار، عقد نادي الصحافة السويسري ندوة موسعة لمناقشة تطورات عالم الروبوت، شارك فيها أساتذة في القانون والاجتماع، كان خلالها أستاذ القانون، أوبرسون كزافييه، من أكثر المتحمسين لمنح “الروبوت” صفة اعتبارية، وبالتالي فرض ضريبة عليه، انطلاقا من حقيقة “أن الروبوت أخذ يحل محل الإنسان في العمل، وهو لا يأخذ فرصة عمل واحدة، بل أكثر … ومن أجل تخفيف مخاطره لا بد من إخضاعه للضرائب”.
ويقول أوبرسون، لنتصور أن شركة، على سبيل المثال، استبدلت 50 موظفا بـ 10 روبوتات، فالأشخاص الذين تم صرفهم لن يدفعوا بعد ذلك ضرائب على عوائدهم، ولن يدفعوا هو ولا صاحب العمل مساهماتهم في صناديق التأمينات الاجتماعية. عليه فالخسائر الكبيرة في الوظائف تنطوي على خسائر في الإيرادات واشتراكات صناديق الضمان الاجتماعي، وبالتالي خسائر في احتياجات التمويل المالي الإضافي.
وأضاف، عليه، إذا قامت الروبوتات بسرقة الوظائف البشرية، وأوجدت فوضى في المجتمع، ينبغي عليها دفع ضرائب لتعويض مَن خسر وظيفته، على أقل تقدير.
وأشار أوبرسون إلى أن عائدات هذه الضرائب ستخدم صناديق التأمين الاجتماعية، وتشجع الابتكار، والأنشطة التدريبية والإبداعية والثقافية. لأنه سيتعين التعامل مستقبلا مع أعداد أكبر من الناس دون وظيفة.
وقال أوبرسون هذا المحامي الشهير في جنيف، إنه يعمل الآن مع عدد من المحامين المتدربين الجدد في دراسة وتحليل الملفات والدعاوى، لكن في اليوم الذي استخدم فيه الروبوت الجديد باسم “روس” في تولي هذه المهمة، ينبغي علي أن أدفع ضريبة عن هذا الروبوت علاوة على مساهماته في صناديق التأمينات الاجتماعية تعويضا عن المحامين المتدربين الذين خسروا وظائفهم.
وأضاف، أن حالة “الأشخاص الاعتباريين” (يُسمون أيضا بالأشخاص الطبيعيين) وحقوقهم في الضمانات الاجتماعية قد تأسست في القرن التاسع عشر، ثم تلتها فكرة فرض ضرائب على أرباح الشركات، بعد ذلك تم فرض ضرائب على الأشخاص الاعتباريين العاملين لمصلحة نظرائهم مِمَن لا يعملون. يُمكننا أن نتتبع التطور التاريخي لحقوق الأشخاص الاعتباريين في المعنى نفسه، علينا أولا إدخال نموذج افتراضي جديد لشخصية الروبوت، ثم نضع نوعا معينا من الضرائب.
لكن أوبرسون يحذر من أن “هذه الضريبة ستواجه قضية شائكة تتعلق بالمنافسة الدولية”، وقال، السؤال الآن ما الدولة التي ستقرر إدخال ضريبة من هذا القبيل قبل الأخرى، وما مخاطر هروب الشركات من الضريبة لتستثمر في مناطق أخرى، هذه أمور تحتاج إلى دراسة قبل اتخاذ أي خطوة.
من جهته، قال الاقتصادي، توم برانت، نستطيع أن نضع مفهوم الضريبة بصيغة أخرى، بأن نجعل الشركات تستخدم صناديق الضمان الاجتماعي للروبوتات التي ستصبح “أشخاصا إلكترونيين” في كل الأحوال، من هذه الصناديق يُمكن تحقيق إيرادات الضمان الاجتماعي، بمعنى إذا قامت الشركات باستبدال العمال البشريين بالروبوتات، يمكن تعويض العمال المطرودين من صناديق الروبوتات.
وقال، إنه يُمكن إلزام الشركات بإعلان الوفورات المالية التي حققتها بعدم دفع اشتراكات الضمان الاجتماعي عن الروبوتات التي كانت تدفعها عن الشخصية البشرية، ويمكن بذلك إخضاع هذه الوفورات للضريبة.
وقال الكاتب، سيرفان بيكا، إن فرض ضريبة على الروبوتات، يعني فرض مرتين من الضريبة على الشركة، وهذا ليس عدلا.
وتضارب في الندوة رأيان، البعض قال، إن خسائر فرص العمل ستكون ضخمة، وآخرون أكدوا أنه بزيادة “سكان الروبوتات” سيتم إيجاد مزيد من فرص العمل. غير أن أغلبية المداخلات مالت للرأي الأول، أو تحديدا، أن عدد الوظائف التي سيتم فقدانها ستكون أعلى.
ويقول هؤلاء، إن الأدوات الجديدة للذكاء الاصطناعي، والروبوتات، تتمتع بمهارات واسعة النطاق، وهكذا هي قادرة على التقدم على نفسها ذاتها. وعليه، فإن عدد الوظائف التي سيتم استبدالها بالروبوت لا يُمكن تحديده الآن، لكنه قابل للزيادة بسرعة مع تقدم هذه الآلات.
وتم خلال الندوة مناقشة تقرير اللجنة القانونية في البرلمان الأوروبي الذي سيتم التصويت عليه في ربيع العام المقبل. في هذا التقرير، الذي يسعى لتنظيم الوضع الاقتصادي والاجتماعي المرتبط بعالم “الروبوت”، هناك تحذير من أنه إذا ما ترك الذكاء الاصطناعي، والزيادة الكبيرة في التشغيل الآلي من دون تنظيم، فستظهر تحديات اقتصادية، واجتماعية، وقانونية، وأخلاقية يمكن أن تكون لها عواقب سيئة.
أساسا، يعني هذا التحرك تصنيف الروبوتات الذكية، القادرة على العمل، كـ”أشخاص إلكترونيين” لها حقوق والتزامات محددة، بما في ذلك نتائج أي ضرر قد تسببه. أما الآن، فهي مجرد آلات، لا يلزم أصحاب الأعمال التجارية التي تستخدمها دفع ضريبة عليها.
وهناك فقرة في التقرير تدعو إلى تأسيس قواعد المسؤولية عن الحوادث والأضرار الناجمة عن “الروبوتات الذكية”، فضلا عن حقوق الملكية الفكرية لاختراعات الروبوتات. وينص أيضا على وضع مدونة قواعد السلوك لمهندسي الروبوتات ومستخدميها، بما في ذلك أحكام تنص على أنه “ينبغي أن تعمل الروبوتات لتحقيق المصالح الفضلى للبشر”، ومنع المستخدمين من تعديل “روبوت لتمكينه من التصرف كسلاح”.
وقدم متحدثون في الندوة سلسلة من الاقتراحات للتهيؤ للسلالة المتقدمة من الروبوتات، واصفين إياها بأنها تبدو مستعدة لإطلاق العنان لثورة صناعية جديدة.
وأكد متحدث على ضرورة أن يتم تسجيل الروبوتات لدى السلطات، وأن يتم ربط كل واحد إلى صندوق اجتماعي لتغطية التزاماته القانونية، وأن تنص القوانين على مسؤولية الروبوتات عن الأضرار التي تسببها، مثل فقدان الوظائف. وينبغي تنظيم الاتصال بين البشر والروبوتات مع التركيز بوجه خاص على سلامة الإنسان، وخصوصيته، وكرامته، واستقلاله الذاتي … وإذا بدأت الروبوتات تحل محل العمالة البشرية بأعداد كبيرة، ينبغي على أصحابها دفع الضرائب أو المساهمة في الضمان الاجتماعي. وقال، برانت، إن الأنظمة والتشريعات المتعلقة بالقوى العاملة الروبوتية ستساعد أوروبا في الحفاظ على قدرتها التنافسية.
وأضاف أن الولايات المتحدة، والصين، وكوريا، واليابان تعمل حاليا على مشاريع طموحة للغاية، وإذا لم نعمل على إنشاء الإطار القانوني لتطوير عالم الروبوتات، فإن سوقنا ستُغزى بالروبوتات من خارج الاتحاد الأوروبي.
من الأسئلة الشائكة الأخرى، محاولة معرفة من أي نقطة يتم اعتبار الآلة على أنها “روبوت” يتم إخضاعه للضريبة؟ هناك مَن اعتبر الآلة روبوتا، ابتداء من اللحظة التي يتم فيها استبدال موظف بهذه الآلة، أو إذا ما كانت هناك مقارنة بين الموظف والآلة. وقال متحدثون آخرون، إنه ليس هناك ما يُثبت وجود ارتباط بين زيادة كثافة الروبوتات والبطالة، وأنه على الرغم من أن الروبوتات تتقدم بسرعة، وأنها استولت على وظائف في قطاعات عديدة من صناعية إلى طبية، وحتى مكتبية وإدارية، إلا أن أعدادها ليست كبيرة إلى درجة كافية تسمح بإحداث تغيير اقتصادي كبير أو أزمة.
ومع ذلك، فقد رأى بعض المتحدثين أن اقتراح وضع تشريعات للروبوتات معقدة للغاية وأيضا مبكرة للغاية.
وقال باتريك سافيني، الذي يعمل في شركة سويسرية متخصصة في الروبوتات وإدارة التشغيل الآلي للمكاتب، إنها عملية فيها كثير من البيروقراطية، وأنها تعيق نمو الروبوتات وتطورها، وبالتالي الابتكار، مضيفا “إذا كان علينا إنشاء إطار قانوني للأشخاص الإلكترونيين، فهذا شيء يمكن أن يحدث في 50 عاما وليس حتى في عشر سنوات”.
الاقتصادية