هاشتاق عربي- عمر الرزاز- موضوع تصدير السلع والخدمات ليس موضوعا ثانويا بالنسبة للاقتصاد الأردني اليوم، بل إنه المفتاح لخروج الأردن من مأزقي صغر الاقتصاد المحلي الأردني والاعتماد على محيط إقليمي أصبح ملتهبا عصيّا على التكهن بمستقبله.
فأرقام النمو الاقتصادي والاستثمار الذي وصل أدنى مستوياته، والبطالة التي وصلت أعلى معدلاتها، هذه الأرقام لن تتعافى اذا لم ننجح بكسر حاجز التصدير الى أوروبا وغيرها من دول العالم.
مقابل ذلك، وبالرغم من الجهود الحثيثة لوزارة التجارة والصناعة وللصناعيين في الأردن، لم يُسجل الا طلب واحد للتصدير الى اوروبا منذ التوصل الى اتفاق حول تبسيط قواعد المنشأ بين الأردن واوروبا منذ أكثر من 4 أشهر.
هذه النتيجة لم تكن مفاجئة لكثير من المعنيين في القطاع الصناعي، فبالرغم من حسن نوايا كافة الاطراف، فإن اتفاقية تبسيط قواعد المنشأ كانت خطوة ضرورية، ولكن غير كافية لحفز التصدير الى أوروبا. فتحديد الاتفاقية بالمصانع الواقعة في المناطق التنموية أو الصناعية (بالرغم من توسيعها)، ومتطلبات اوروبا بحد أدنى من العمالة السورية في كل مصنع (بالرغم من تخفيضها الى 15 %)، وارتفاع تكاليف الشحن، وعدم وجود جهة ميسرة تربط بين المصنّعين في الأردن والدول الاوروبية وتقدم الدعم الفني للمصدرين الأردنيين للالتزام بالمواصفات والمقاييس الأوروبية، واستبعاد الصناعات الغذائية والدوائية من الاتفاقية؛ جميعها كانت عوامل حالت دون بداية قوية تسهم في رأب الفجوة الكبيرة في الميزان التجاري بين الأردن وأوروبا؛ حيث لم تتجاوز صادرات الأردن الى اوروبا حوالي 300 مليون دينار مقابل أكثر من 3 مليارات دينار مستوردات اوروبية الى الأردن سنة 2015.
قد تكون بعض المحددات أعلاه قابلة للتعديل بتوافق الطرفين. فمثلا انتقال الكثير من الصناعات الى المناطق التنموية أو الصناعية غير عملي وغير مجد في معظم الحالات وبسببه لن نتمكن من تصدير العديد من الصناعات الأردنية الناضجة والتي يمكنها البدء بالتصدير حالا، وبالتالي التوسع في مصانعها في أماكن وجودها وتوفير العديد من فرص العمل، كما أن عدم احتساب دور العمالة السورية في القطاعات الانشائية والخدمية والتي تعتبر من مدخلات الصناعة والتصدير غير منصف للأردن ولا للعمال السوريين الذين يتوقع منهم الانتقال من قطاع الانشاءات والزراعة والخدمات الى الصناعة حتى يستوفوا متطلبات الاتفاقية.
وقد يكون الحل للمعضلتين اعلاه هو التوافق على تصاريح عمل لكافة السوريين العاملين في القطاع غير المنظّم والذين يتجاوز عددهم حاليا 200 ألف مما يؤهل الأردن ككل بالدخول بالاتفاقية (وليس فقط المناطق التنموية والصناعية).
أما في موضوع رأب الفجوة في المساعدة الفنية في معرفة السوق الاوروبية والمواصفات والمقاييس، فهناك حاجة ملحّة لمؤسسة غير ربحية مشتركة من القطاع الخاص والعام تعنى بتوفير هذه الخدمات والدعم التقني والاعفاءات لكل من يصدّر سلعا وخدمات جديدة الى المنطقة الاوروبية.
وباستطاعة هكذا مؤسسة ان تحدد فرص التصنيع والتصدير من خلال منهجية “فضاء الانتاج” والتي تحدد القطاعات والسلع التي لدى الأردن ميزة في انتاجها مقابل احتياجات السوق الاوروبية.
إمكانية اختراق الأردن للأسواق الاوروبية ليست هذرا ولا هي أضغاث أحلام، انها امكانية مبنية على معطيات في تغير سلسلة الانتاج العالمي وتخصص الكثير من الدول الصغيرة في قطاعات وسلع معينة بشكل منافس، كما تحسنت فرص الأردن في المنافسة في ضوء انخفاض الدعم التدريجي لصادرات الدول الخليجية وتوفر مصادر الطاقة البديلة.
والأهم أن قطاع الخدمات في الأردن قادر على التصدير أيضا بشكل مباشر (بما فيها الخدمات المالية والصحية والتعليمية والسياحية والمحاسبية والقانونية) وغير مباشر عبر توفير خدمات للقطاع الصناعي. التصدير التصدير هو مفتاح لخروج الاقتصاد الأردني من عنق الزجاجة ولتجاوز المحيط الملتهب.
وعلى الأردن أن يعمل جاهدا للخروج من عنق الزجاجة، ولن يكون ذلك برفع الضرائب وإنما بزيادة الإنتاج من السلع والخدمات القابلة للتصدير، وبالتالي زيادة فرص العمل في المحافظات وتوزيع مكتسبات التنمية بعدالة. ونحن نعلم بأن تلك هي الطريق الأصعب، ولكنها الطريق الأنجع والتي ستقودنا حكومة وشعبا الى النمو والازدهار.
عسى أن تتكاتف الجهود لتفصيل واستخدام هذا المفتاح بنجاعة.
الغد