ريادة

هديل تهزم “متلازمة داون” بالإصرار على التعليم

هاشتاق عربي- لم تكتمل سعادة الطفلة هديل سعد (10 أعوام) في التحاقها بالمدرسة مطلع العام الحالي، بعد أن قررت مديرية تعليم الزرقاء “حرمانها” من هذا الحق، نظرا لأن القانون يشترط أن يكون عمر الطفل عند الالتحاق بالمدرسة 9 سنوات كحد أعلى.
وتشرح والدة هديل لـ”الغد” تفاصيل معاناة ابنتها المصابة بـ”متلازمة داون”، وكيف تبدد الحلم، بعد أن اعتقدت العائلة أن ابنتها ستتمكن من مواصلة رحلتها الدراسية على نحو طبيعي، على غرار باقي أقرانها الطبيعيين.
تقول الأم: “عند ولادة طفلتي تم تشخيص إصابتها بمتلازمة داون، ومع ذلك فإن تقييم إعاقتها الذهنية أظهر أن الإعاقة بسيطة جدا، لذلك لم أقم بتسجيلها في مراكز متخصصة، بل على العكس، التحقت طفلتي برياض أطفال وكان تفاعلها الأكاديمي واندماجها مع الطلبة الآخرين طبيعيا جدا”.
وتتابع: “لكن كانت الصدمة الأولى عندما بلغت ابنتي عمر الست سنوات، حيث كان بفترض أن أسجلها في الصف الأول، لكن رفضت كل المدارس الحكومية في المنطقة تسجيلها، وعاودت المحاولة في العامين التاليين، وكان الجواب دوما بالرفض”.
وتبين: “خلال تلك الفترة، استمرت طفلتي بتطوير أدائها الأكاديمي بشكل كبير، إلى أن تمكنت العام الحالي من الحصول على قبول لها في مدرسة حكومية”.
وتزيد: “التحقت ابنتي بالمدرسة لمدة شهر كامل، وكانت سعيدة ومتحمسة للتجربة، وكانت تحضّر حقيبتها يوميا، وتفرح بزيها المدرسي، لكن هذا الفرح لم يستمر طويلا، حيث تلقينا إشعارا بعدم السماح لابنتي بدخول المدرسة كونها تجاوزت سن التسع سنوات عند التحاقها بالصف الأول”.
وتتابع: “الخبر شكل صدمة لنا، لأن المسؤول عن تأخير دخولها إلى المدرسة كان وزارة التربية والتعليم التي رفضتها من الأساس بسبب إعاقتها، وبعد أن تجاوزنا مسألة الإعاقة وأثبتت ابنتي قدرتها على الالتحاق بالمدرسة، رُفضت لأنها أكبر من السن المعتمدة، فأي ظلم هذا الذي تعرضت له ابنتي؟”.
وتضيف الأم: “ليس من الإنصاف حرمان طفل من التعليم بشكل تام لأنه تأخر في الالتحاق بالمدرسة، علما أن لإلحاق ابنتي اليوم في مراكز تعليم ذوي الإعاقة سينعكس سلبا عليها، وليس هناك ما يسهم في تطوير قدراتها التعليمية والحياتية”.
وتتساءل: “نكفل الدول المجاورة حق الأشخاص المصابين بمتلازمة داون بالتعليم، ونقرأ في الأخبار عن أشخاص مصابين بالمرض أنهوا دراستهم الجامعية ويعملون كغيرهم، فلماذا تحرم ابنتي من هذا الحق؟ ولماذا يفرض عليها أن تبقى عالة على من حولها؟”.
من جهتها، تؤكد مديرة التعليم العام في وزارة التربية والتعليم الدكتور خولة أبو الهيجاء، أن “قانون التربية والتعليم واضح حيث السن الأعلى لقبول الطلبة في الصف الأول، وهو 9 سنوات، وبالتالي فإنه، وبغض النظر عن الإعاقة أو عدمها، لا يمكن للطفلة الدخول في مدرسة ببرامج التعليم المنتظم”.
وتابعت أبو الهيجاء: “لكن عدم قبول الطفلة في برنامج التعليم النظامي لا يعني أنها فقدت حقها بالتعليم، إذ توفر الوزارة للأطفال الذين لم يلتحقوا بالمدرسة، برنامج التعليم الاستدراكي للفئة العمرية من 9 الى 12 عاما، وهو برنامج معتمد في عدد من المدارس الرسمية خلال الفترة المسائية، وخلاله يدرس الطالب الصفين الأول والثاني في نفس العام الدراسي، وكذلك الثالث والرابع”.
وأضافت: “في الوزارة توجد مديرية التربية الخاصة، التي تقيم حالات الأطفال ذوي الإعاقة لتحديد قدرتهم على الاندماج في المدارس، سواء في التعليم النظامي أم الدامج أم الاستدراكي”.
من ناحيته، يرى الخبير في قضايا حقوق الإنسان وقضايا الأشخاص ذوي الإعاقة الدكتور مهند العزة، أن “قضية الطفلة هديل ليست قضية استثنائية، فهي تعكس حال العديد من الأطفال ذوي الإعاقات الذهنية البسيطة، الذين يحرمون من حقهم في التعليم بسبب الإجراءات والمتطلبات”.
ويزيد العزة: “في قطاع التعليم، تطبق على الأطفال ذوي الإعاقة ذات المعايير على الأطفال الآخرين، وفي المقابل لا يتم توفير المتطلبات اللازمة لتسهيل دمجهم، وهنا تظهر مشكلة التسرب المدرسي بين ذوي الإعاقة”.
ويزيد: “من غير المنطقي أن تطبق ذات الشروط على الأطفال ذوي الإعاقة، وعدم الأخد بعين الاعتبار خصوصيتهم، وهذا النوع من الإجراءات يتسبب بغياب العدالة والإنصاف”.
ويتابع: “في موضوع التعليم مثلا، المطلوب دراسة كل حالة على حدة وقياس قدرات الطفل لاتخاذ القرار الذي يحقق مصلحته”.
ويقول: “في حالة الطفلة هديل، فإن تسجيلها في مدرسة للتربية الخاصة سيكون له أثر سلبي، خصوصا أن الطفلة لديها قدرة على الالتحاق بالتعليم العام، كما أن بقاءها في المنزل سيكون له ذات الأثر لجهة تحديد مصيرها ومستقبلها، لذلك فإن الاستثناءات مطلوبة هنا لضمان مستقبل أفضل للطفلة، فضلا عن ضرورة تطبيق حق الطلبة بالتعليم، والتعليم الدامج”.
ويتابع: “المشكلة أننا نتعامل مع الحالات، وفقا للأحكام المسبقة، فنفترض جدلا أن طفل متلازمة داون غير قادر على التعلم، لكن الحال في عديد من الدول يظهر أن الأشخاص المصابين بالمرض يتمكنون من إنهاء دراستهم المدرسية والجامعية، والعمل والاندماج بشكل طبيعي في المجتمع”.
ويختم: “ما حصل مع هديل أنه كان عليها أن تثبت أنها قادرة على الانخراط في مدرسة نظامية، لكن حين تمكنت من ذلك ظهر شرط السن الذي حرمها من التعليم”.
وفي ظل غياب أي رقم رسمي حول عدد الأطفال ذوي الإعاقة خارج المدرسة، فإن الاستراتيجية الوطنية لشؤون الأشخاص المعوقين، قدرت أن 57 % فقط من الأطفال ذوي الإعاقة، للفئة العمرية (5 إلى 14 عاما) مندمجون في التعليم الأساسي.
كما أن تقريرا سابقا عن مركز “هوية” حول حقوق الأطفال ذوي الإعاقة بين أن التعليم الدامج، يقتصر على عدد محدود جدا من المدارس الخاصة في الأردن، لكن تكاليف هذه المدارس باهظة جدا.
وفيما صنفت مدارس حكومية ايضا بأنها مدارس دامجة، لكنها لا تقدم لذوي الإعاقة أكثر من الجلوس في غرف صفية، بلا إمكانيات توائم حالتهم المرضية، وبهذا لا يستفيدون منها.
ويوضح التقرير القطري الأخير حول الأطفال خارج المدرسة في الأردن، الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”، أن “العجز أو الإعاقة يعدا عائقا رئيسا يحول دون التحاق الأطفال بالمدارس”.
ويرجع التقرير أسباب انقطاع الأطفال ذوي الإعاقة عن التعليم، إلى “صعوبة الوصول إلى المدرسة، فالمدارس المؤهلة غالبا ما تكون بعيدة، ناهيك عن أن المعلمين غير مؤهلين ومدربين بشكل جيد للتعامل مع هذه الفئة، كما أن المناهج غير ملائمة، بالإضافة إلى النظرة الدونية للطفل ذي الاحتياجات الخاصة من قبل معلمين وطلبة وأولياء أمور”.
الغد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى