مقالات

المساعدون الرقميون .. خطوة نحو الاعتماد المتبادل بين الإنسان والآلة

هاشتاق عربي
وفرة الحياة الرقمية تواجه مشكلة تبدو مستعصية، حدود اهتمام الإنسان.

في هذه الأيام، ترتيب لقاء مع الأصدقاء لتناول وجبة العشاء، أو تنظيم اجتماعات العمل، أو الذهاب في رحلة، يُمكن أن يؤدي إلى تشابك معقّد. الحياة تُصبح جولة لا تنتهي من تيارات التعامل مع موجات الرسائل، والانتقال بين رسائل البريد الإلكتروني، والتحقق من التقويمات على الإنترنت، والبحث في مواقع المراجعات، والبحث عن الأسعار، واستكمال المعاملات. وهذا قبل التعديلات التي لا تنتهي التي تأتي بعد ذلك، مثل تأخر الرحلات، أو تغيير الأصدقاء رأيهم.

الهواتف الذكية والتطبيقات ربما تكون قد جلبت الخيار والحرية بصورة غير مسبوقة، لكن هذه الفوائد تأتي على حساب الحِمل المعرفي.

يتم التعبير عن الإحباط من قِبل سيباستيان ثرون، عالِم الكمبيوتر والرئيس السابق لمختبر أبحاث “جوجل إكس”. يقول، “أتمنى أن هذه الأمور ستحل نفسها. أتمنى لو أنني كنت مضطرا فقط للتفكير في شراء تذكرة طائرة، ولم اضطر لخوض هذا الحوار المطول لشرحها إلى شخص آخر. في نهاية المطاف، أود أن يكون لدي فقط نوع من النظام الذكي (…) يحل هذه المشكلات بالنيابة عني”.

عمليات زرع الدماغ ليست جاهزة بعد، لكنّ هناك ذكاء اصطناعيا من نوع مختلف يتم إطلاقه على بعض من هذه المشكلات الزاحفة في الحياة العصرية.

المساعدون الرقميون الذين يُفترَض أنهم من “الأذكياء”، ولديهم أسماء، مثل سيري وأليكسا وكورتانا، يُمثّلون أحدث جبهة في الحرب بين شركات التكنولوجيا الاستهلاكية الرائدة. المساعدون الذين هم جزء لا يتجزأ في بعض الأجهزة الأكثر استخداما على نطاق واسع وفي خدمات الإنترنت، مُصممون للرد على اللغة العادية، وتوقّع ما قد يحتاج إليه المستخدم في المرحلة التالية، أو القيام بمهام أساسية.

إذا كان الدماغ البشري لا يستطيع تحمّل الضغط، فهم موجودون لتحمّل بعض من عبء معالجة المعلومات. سواء من خلال توفير إجابات مباشرة لأسئلة منطوقة، أو إرسال تحذيرات عندما تجعلك اختناقات مرورية تتأخر عن اجتماع، أو وضع المواعيد تلقائيا في تقويمك، فإن الهدف هو نفسه، جعل الوجود الرقمي لا يسبب جهدا.

هذا لم يكُن نجاحا لا تشوبه شائبة. مثل الأطفال مُبكّري النضوج، غالبا ما يُثيرون الدهشة ببراعتهم التقنية – فقط ليتسببوا بخيبة أمل مع عائق ملحوظ عند مواجهة ما يُمكن أن يبدو، للذكاء البشري، أبسط الطلبات.

يقول تيم توتل، الرئيس التنفيذي لشركة مايند ميلد، وهي شركة في سان فرانسيسكو بنت منصة للمساعدين القائمين على اللغة، “إنهم إما رائعون بنسبة 100 في المائة أو يُخيبون الآمال تماما. هذا شيء يتعلّق بأنظمة اللغة الطبيعية التي لا تنطبق على كثير من التجارب [الرقمية] الأخرى”.

أجهزة الذكاء الاصطناعي التي تبدو كالبشر مثل “هال” في فيلم “أوديسا الفضاء 2001” تجعل فكرة مُساعد رقمي يعرف كل شيء تبدو بسيطة بشكل مُخادع.

موجة من إطلاق وتحديث المنتجات في الأسابيع الأخيرة أدخلت الوكلاء الأذكياء إلى مزيد من الأجهزة والخدمات، لتزيد وصولها ودمجها بعمق أكبر في العمليات الرقمية اليومية.

في الأسبوع الماضي، جوجل أدخلت وكيلا ذكيا إلى تطبيق الرسائل الجديد الخاص بها، “ألو”. التطبيق، الكامن في الخلف الذي يُراقب التعاملات بين البشر، يقترح أشياء قد يرغب الناس في قولها لبعضهم بعضا في مرحلة لاحقة. كما يُحلل الصور أيضا، عند تسلمك صورة حيوان أليف موجود عند أحد الأصدقاء، مثلا، قد يقترح أن ترد “كلب لطيف!” – خدعة تبدو بسيطة تعتمد على ما لا يزال بعض من الذكاء الاصطناعي الأكثر تطوّرا.

تطبيق ألو يستحضر مستقبلا غريبا للآلة والتفاعل البشري حيث يتبادل الناس سلاسل من الرسائل التي تم تغذيتها لهم من قِبل الذكاء الاصطناعي. مع ذلك تتجاهل جوجل أية إشارة إلى أن هذا يتطفل على إرادة الإنسان، معتبرة أن هذا ليس أكثر تطفلا من نظام التدقيق الإملائي.

في الوقت نفسه، تم تحديث سيري، من أبل، وكورتانا، من مايكروسوفت، وأليكسا، من أمازون لجعلها ذات فائدة أكبر. وهذا تضمن زرعها في مزيد من الأجهزة. أليكسا، المُساعد الصوتي الذي تم تطويره أولا للجهاز المنزلي “إيكو”، من أمازون، متاح الآن لتستخدمه شركات صناعة الأجهزة الأخرى في منتجاتها الخاصة. وتم تثبيت سيري في أجهزة الكمبيوتر، ماك.

يقول ماثيو كوينلان، مدير تسويق المنتجات لبرنامج كورتانا في مايكروسوفت، إن هذا الوصول عبر الأجهزة قد تبيّن بالفعل أنه واحد من السمات الأكثر شعبية للوكلاء. إذا قمت بتحديد تذكير باستخدام كورتانا، مثلا، يُمكن أن يتبعك من جهاز كمبيوتر يعمل بنظام ويندوز 10 إلى جهاز إكس بوكس، أو هاتف ذكي يعمل بنظام أندرويد. ويُصبح المساعدون أيضا مُفيدين أكثر من خلال ربطهم بخدمات طرف ثالث. أصبح من الممكن الآن طلب سيارة أوبر ببساطة عن طريق طلب السيارة من جهاز آيفون، أو متحدّث أيكو، من أمازون، أو جهاز كمبيوتر يعمل بنظام ويندوز 10. بدلا من فتح أحد التطبيقات، يتّصل المُساعد بالخدمة مباشرة.

التحسينات في تكنولوجيا التعرّف على الصوت والتطورات الأخرى أدت إلى زيادة ثابتة في الإقبال على الأنظمة التي يتم تفعيلها عن طريق الصوت. قالت مايكروسوفت أخيرا إن لديها 100 مليون مستخدم شهريا لبرنامج كورتانا، في حين تدعي أبل أن هناك ملياري تفاعل أسبوعيا من خلال برنامج سيري. وتقول جوجل، إن خُمس عمليات البحث على الهواتف العاملة بنظام أندرويد في الولايات المتحدة تتم عن طريق الصوت.

وبقدر ما يُصبح المساعدون الرقميون بارعين تقنيا، إلا أنهم يفشلون في عدد من الجوانب المهمة. جزء من المشكلة ينبع من التوقعات العالية. تقول جاستين كاسيل، مديرة التفاعل بين الإنسان وأجهزة الكمبيوتر في جامعة كارنيجي ميلون، “الصوت البشري – خاصة الصوت البشري المُسجّل – يجعلنا نعتقد أن هناك قدرة بشرية حقيقية، وهذا يُمكن أن يؤدي إلى مشكلات”.

تخمين معنى الكلام البشري – شيء يُطلق عليه في مجال الحوسبة عبارة “فهم اللغة الطبيعية” – هو واحد من أصعب المشكلات في علوم الكمبيوتر. باباك هودجات، خبير في مجال الذكاء الاصطناعي الذي عمل على نظام اللغة الطبيعية قبل 20 عاما، الذي كان الأنموذج السابق لبرنامج سيري، يقول، إن أنظمة اليوم لا تزال ذات قدرات محدودة بشكل مُحبط. وكل من نماذج البيانات الأساسية التي تحاول التقاط بعض الأنماط الرئيسة للغة البشرية، فضلا عن خوارزميات تعلّم الآلة التي يتم إطلاقها عليها، تفشل في التقاط النطاق المذهل للكلام البشري.

ويقول هودجات، “نقطة ضعف الأنظمة التي من هذا القبيل هي توقعات المستخدمين. عندما تُخبر الناس أن بإمكانهم قول أي شيء لهم، فسوف يقولون أي شيء”.

لكن حتى دون حل المشكلات العميقة لفهم اللغة الطبيعية – شيء قد لا يكون ممكنا حتى تتمكن أجهزة الكمبيوتر من الوصول إلى مستوى الذكاء البشري – فإن التطوّرات الأخرى تُشير إلى أن الوكلاء الاصطناعيين سيصبحون قريبا أكثر فائدة بكثير.

مجال واحد للتطوير يتضمن تصميم المنتجات. الأجهزة أو الخدمات التي تم تحديدها للتعامل مع مجموعة ضيقة من الأنشطة المفيدة يُمكن أن تُساعد في الحد من التوقعات وتوفير تجربة أكثر إرضاءً.

إيكو، من أمازون، المُتحدّث الذكي الذي يجلس في المنزل ويرد على الأسئلة أو ينفذ عمليات الشراء، أصبح بمنزلة نجاح غير متوقع، الأمر الذي دفع جوجل لوضع جهاز مماثل. ثرون يدعو ذلك “تجربة مُنيرة، أن بإمكاني الحصول على خبير في المبنى الذي أعيش فيه ولست مضطرا لإخراج شيء من جيبي، ولست مضطرا للضغط على زر، وهو يعمل فقط”.

هناك مجال آخر للتطوير يشمل آلات الذكاء الاصطناعي “التي تختلط مع البشر وتتعامل معهم” بطرق تجعلها تبدو أقل غرابة. تقول كاسيل، إن مصممي وكلاء اليوم قاموا بمحاولة بدائية جدا فقط لجعلها مقبولة لدى البشر، “لديهم نوع من النكات الجاهزة، ولديهم مظهر رقيق لشخصية، ولغتهم لا تتغير عندما يعرفونك أكثر”. تقول، إن هذا مختلف تماما عن الكلام البشري. اثنان من الغرباء تحدّثا لوقت قصير لمدة 15 دقيقة سوف يتحدّثان بطريقة مختلفة عندما يرتاحان ويبدآن بالوثوق ببعضهما بعضا. جعل التفاعل مع الآلات قريبا من هذا المستوى يُمكن أن يقطع شوطا طويلا بجعلها تبدو “طبيعية” أكثر.

مجال ثالث للتطوير يشمل التخصيص الشخصي. في الوقت الذي يتعلّمون فيه أكثر عن مرافقيهم البشر، يعِد الوكلاء الأذكياء بأن يكونوا أكثر فائدة بكثير. لكن أثناء ذلك، سوف يُثيرون أسئلة مهمة بشأن الخصوصية.

يقول كوينلان، من مايكروسوفت، “العلاقة مع المُساعد الشخصي قائمة على الثقة”. سيكون على المستخدمين الشعور بأنهم يحصلون على فوائد كبيرة مقابل إدخال الذكاء الرقمي بشكل أعمق بكثير إلى حياتهم. كمية المعلومات يُمكن أن تكون كبيرة جدا”.

مع برنامج أيكو، يقول ثرون، “أنت تضع جهازا في مطبخك بسبب طبيعته يستمع لك في كل وقت وأنت تثق بشركة أمازون لتقوم بالأمر الصائب”.

المستوى العميق للثقة بالمساعدين الأذكياء الجُدد يتطلب مجالات تتجاوز الخصوصية. لتحقيق إمكاناتهم، سيكون عليهم تولّي مهام على مستوى منخفض، تعديل حجوزات السفر عندما تتغير الظروف، وتحديث مُدخلات التقويم، وتنفيذ عمليات الشراء الروتينية.

هذا يُثير أسئلة مهمة عن وكيل جهاز الكمبيوتر. يقول جيف دين، وهو زميل أول في جوجل، “كيف يتم نشرها بطرق تُعد آمنة وتضع حدودا على ما يُمكن أن تفعله؟” يقول كوينلان إن من المحتمل أن يُصبح المستخدمون أكثر راحة بمنح مزيد من السلطة لوكلائهم عندما يثقون بهم.

أين يُمكن أن نضع الحد الفاصل؟ المُساعدون الرقميون اليوم بالكاد يمكن اعتبارهم أذكياء. لكن لن يطول الأمر قبل أن يُثيروا أسئلة أكثر عمقا بشأن مستقبل الاعتماد المتبادل بين الإنسان والآلة.
بترا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى