هاشتاق عربي
* كمال حسان
أخبار جيدة، لكنها في الوقت ذاته تبعث بالقلق، وهي إطلاق الحكومات في منطقة الشرق الأوسط سلسلة من المبادرات الجديدة التي استطيع وصفها بالمهمة والمصممة خصيصاً لضخ رأس المال في قطاع ريادة الأعمال. كمثال، تعتزم المملكة العربية السعودية تأسيس صندوق بقيمة 1.1 مليار دولار لتطوير قطاع الاستثمار الرأسمالي، وستقوم إمارة دبي باستثمار ما يفوق 270 مليون دولار في برنامج يهدف إلى تأسيس حاضنة أعمال لتسريع المشاريع المختصة بالحلول التكنولوجية المستقبلية. إن ذلك يبث فينا التفاؤل والأمل نحو مستقبل ريادي واعد بأن نرى اليوم ترحيباً من جانب الحكومات والقطاعات الخاصة في المنطقة بأسرها لدعم ريادة الأعمال وتمويلها. فالهدف واضح، فهو يتمثل في تشجيع الابتكار وتعزيز التنمية الاقتصادية. أما الجانب الذي يمكن وصفه بـ”بالمقلق”، أن حقيقة الأمر تدعونا بالتفكير أن هناك ما هو أهم من المال لتحفيز الابتكار الهادف. وهو ما يدعونا جميعاً كمسؤولين وكبار المستثمرين ومحللين للنظر في تفاصيل الأمور لإيجاد الطريقة المثلى لربط رأس المال بإنجازات رواد الأعمال القادرين بدورهم على المنافسة الحقيقية التي ترتقي إلى مستوى العالمية لتسير بخطى قوية وبفاعلية. ما يمكن قوله هنا أننا نحتاج في المنطقة إلى آلية عمل سلسة لتوجيه الاستثمارات الحكومية نحو المشاريع الريادية بخطى متوزاية مع نموها وتحفيزها، ودون إبطاء نمو هذه الشركات الناشئة، أو دفعها في الاتجاه المغاير التي أنشئت عليه.
لابد من الاستفادة من التجارب الحكومية العالمية، التي نجح قليل منها في تحفيز النمو والابتكار عن طريق ضخ رؤوس الأموال مباشرة إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم نظراً إلى اختلاف طبيعة العمل الحكومي عن طبيعة ريادة الأعمال اختلافاً شاسعاً، الأمر الذي قد يؤدي أحياناً إلى وقوع بعض المحاذير التي ذكرتها بأنها تدعو للقلق، لذلك من المنطقي أن تسعى الحكومات إلى البحث عن طرق خلاقة لتحفيز الابتكار والتي قد تشمل عقد الشراكات، وتنظيم المسابقات والمنافسات، والتعليم، وتقديم الحوافز. بمعنى الانفتاح على القطاع الخاص والاستفادة من تجاربه في قطاع ريادة الأعمال في المجالات كافة. تأكيداً على ذلك ورد في توصية مؤشر الابتكار العالمي 2015: “إن تحقيق أقصى قدر من الابتكار يتطلب منحه الأهمية القصوى في كافة الصناعات والمجالات”، عوضاً من توجيه الاهتمام الكامل لصناعات قليلة، وبالأخص الواعدة منها. كما يرى القائمون على المؤشر أن على الدول “تمكين الابتكارات التي تغير المعادلات والتوازنات في الأسواق، والتي غالباً ما يتم إنشاؤها من قبل القادمين الجدد إلى هذه الأسواق، وتحديداً أولئك الذين يعززون من اقتصادات بلدانهم”. القادمون الجدد والرياديون الواعدون ورواد الأعمال من أصحاب الخبرات الذين حققوا النجاح هم الثروة الحقيقية التي على الحكومات الالتفات لهم بجدية وشمولية إذا أرادت لاستثماراتها النجاح، ولكن لا ينبغي لها تحفيز وتشجيع شركة ناجحة واحدة أو اثنتين فحسب، بل يتعين عليها النهوض بمنظومة ريادة أعمال متكاملة، تشتمل على الجامعات، والمستثمرين الأفراد، والمستثمرين في الشركات الناشئة، والمتبنيين المبكرين للسلع والخدمات/ المستهلكين الأوليين، والمستثمرين المؤسسيين، والموجهين والمرشدين.على سبيل المثال، تنشأ عشرات الشركات الناشئة الناجحة في وادي السيليكون بولاية كاليفورنيا، ولا نرى أياً منها قادمة من ولاية كونيتيكت، حيث تحاول الحكومة هناك أن تستثمر في الشركات الناشئة، لكنها غالباً ما تفشل لخلوها التام تقريباً من منظومة ريادة الأعمال. فقبل أن تنمو الشركات الناشئة بوقت طويل، وتصبح قادرة على إحداث تأثير ملموس في اقتصاد منطقة ما، فلابد لها من أن تبدأ من أفكار بسيطة فهي على الأرجح التي تبقى وتستمر في ظل منظومة ريادة أعمال مزدهرة.
لذلك ما نحذر منه هنا هو عدم الوصول إلى مرحلة مشابه لما وصلت إليه الحكومات في العالم، وهو تعثر عمل الحكومات مع رواد الأعمال مباشرة، لعدة أسباب أهمها اختلاف الأهداف، فالجانب الأول يبحث في الأساس عن الاستثمارات الواعدة، وليس لديه الوقت لاستيعاب الكم الهائل من الفرص الموجودة في السوق كما أنه يخشى من الدخول في دائرة ريادة الأعمال التي عرفت بالطبيعة الفوضوية وغير المنظمة، وعالم رواد الأعمال المنجذبين في المقام الأول إلى قوة أفكارهم، وليس إلى العائدات المالية التي يجلبها النجاح لهم. لهذا يعد وجود المستثمرين أمراً مهماً للغاية. لأن إحدى مسؤولياتهم كاحترافين هي فن التنقل بين صناديق استثمار المخاطر “بما فيها الصناديق السيادية” ورواد الأعمال.وهم الوسيط الأمثل لإيجاد التوازن بين الطرفين في إطار مخطط ناجح، يحتضنون ما يكفي من رواد الأعمال الناجحين لجعل المستثمرين يشعرون بالرضى على أداء استثماراتهم، ويتخذون ما يلزم لضخ مزيد من رؤوس الأموال بهدف دعم أفضل المبتكرين والمبدعين ضمن إطار يدعو إلى التفاؤل. بعبارة أخرى، من الحكمة تمويل الحكومات لهذا القطاع، لكن رأس الحكمة هو تقديم التمويل عبر طرف ثالث قادر على فهم، واحتضان، عقلية رواد الأعمال.
* شريك عام في صندوق الاستثمار ( TURN8 ) والرئيس التنفيذي في شركة Arab Publishing House
المصدر: فوربس