اتصالات

تشخيص ووصـف الأدويـة عبـر الإنترنت.. سموم بلا محاذير!

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي
زخر الشبكة العنكبوتية بمئات المواقع الإلكترونية التي تقدم الاستشارات الطبية، في عالم افتراضي تتزاحم فيه المعلومات التي يغلب عليها العشوائية وعدم الدقة لا في التشخيص ولا في صرف الأدوية ما يؤدي لكوارث لا تحمد عقباها على الشخص طالب العالج، وهنا تتحول هذه المواقع من نعمة لنقمة ولسموم تؤذي من حولها من دون أن يكون هناك أي محاذير أو ضوابط تنظم عملها.

فنشاهد في الكثير من المواقع التوصية بأدوية لا تتناسب وطبيعة المرض. وبدورها أوضحت وزارة الداخلية من خلال تدوينة نشرتها عبر حسابها الرسمي في «تويتر» في مايو الماضي أن استخدام الإنترنت للحصول على فحوص طبية أو تشخيص أو علاج طبي من دون تصريح وتعديل تلك المعلومات أو إتلافها مخالفة قانونية تستدعي العقوبات. وذكرت الوزارة أن عقوبة المخالفات الطبية تصل للسجن من 3 إلى 15 سنة.

الأطباء في هيئة الصحة في دبي أكدوا أن وصف الأدوية والتشخيص من خلال المواقع المختلفة جريمة وأمر مناف للإخلاق، ويجب على المجتمع أن يكون حذراً من المخاطر الكبيرة لهذه المواقع، فلكل حالة مرضية تشخيص مختلف وإن تشابهت أسماء الأمراض فعلى سبيل المثال مريض بالسكري توصف له أدوية مختلفة عن مريض آخر بالسكري حيث إن الطبيب ينظر للتاريخ المرضي لكل حالة على حدة، وهذا الأمر يغيب عن المواقع الإلكترونية فالتشخيص في أغلب الأحيان موحد للمرض.

وتعتبر زيادة الوعي الصحي داخل المجتمع نقطة الأساس للتغلب على هذه الظاهرة حيث يجب توضيح أهمية أن زيارة الطبيب هي أفضل لتشخيص المرض بشكل دقيق بعيداً عن المعلومات والاستشارات عبر مواقع غير موثوق بها تقدم خدمات طبية تشمل تشخيص الأمراض ووصف علاجات وعقاقير لمن يقصدها.

وتفرض هذه المواقع تساؤلات جدية عن مدى مصداقية خدماتها وحجم المخاطر التي قد تنجم عن الاستشارات الطبية الخاطئة عبر الشبكة العنكبوتية.

عدة جوانب

وحول هذا الموضوع يقول الدكتور أنور الحمادي استشاري الأمراض الجلدية ورئيس مركز الأمراض الجلدية التابع لهيئة الصحة في دبي ورئيس شعبة الأمراض الجلدية في جمعية الإمارات الطبية: «وصف الأدوية أو تشخيص المرض عن طريق الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي لا يجوز قانونياً ويتنافى مع وثيقة حقوق المرضى وواجباتهم او حق الطبيب.

ولكن لا ضرر من الاستفادة من المعلومات الطبية كالقراءة عن طبيعة المرض وطرق الوقاية منه وما يجب تجنبه من الطعام، ولكن ان يصل الأمر الى التشخيص والعلاج وتحصيل مبالغ مقابل هذه الخدمة فهذا خطأ كبير وتنطوي عليه مخاطر جسيمة».

ويتابع الدكتور الحمادي: «لا يجوز للطبيب أن يصف الدواء من دون معرفة تفاصيل الحالة المرضية والتاريخ المرضي، وفي حالة الاستشارة عبر الإنترنت فإنها تبقى منقوصة وخاطئة، لأن المريض يكون غير قادر على تقديم شكوى على الطبيب في حال حدوث مضاعفات، ففي هذه الحالة يكون مقدم الاستشارة غير معروف وربما ليس بطبيب وإنما يقوم بتشخيص الداء ووصف الدواء عن طريق الإنترنت من دون أية دراية».

وأضاف: لا ضرر في وصف كريمات أو شامبو معين حيث إن هناك في الصيدليات أدوية تباع من دون وصفة طبية ممكن أن يلجأ لها المريض أحياناً بعد وصف المشكلة للصيدلي ولكن ليس من حق الصيدلي وصف اي دواء يؤخذ عن طريق الفم كالمضادات الحيوية أو الكورتيزون او الأدوية المثبطة للمناعة لأن ذلك يعتبر تعدياً على صلاحيات الطبيب.

فالطبيب يحتاج لمعرفة نفسية المريض وهناك قاعدة التشخيص عن طريق العين بالعين، أي يجب على المريض إعطاء كافة المعلومات المتعلقة بالمرض والمدة الزمنية ومن ثم إجراء بعض التحاليل المخبرية وأحياناً قد يحتاج المريض إلى تنظير في حال قرحة المعدة أو يحتاج إلى الأشعة في حال وجود حصى الكلى وغيرها من الأمراض.

مشدداً على ان الإنترنت ليس بديلاً للطبيب لأنه من الضروري جداً أن يتم التشخيص مباشرة من قبل الطبيب بكل دقة لمعرفة الحالة، وعلاجها، ولكن الاطلاع على بعض المشكلات الصحية من باب المعرفة والعلم لا يضر، وذلك بهدف الاستفادة من المعلومات.

وتابع الدكتور الحمادي: «للمواقع الإلكترونية وجه سلبي يتجاوز فهم المريض لحالته الصحية، حيث إن المواقع الإلكترونية توفر المعلومة بشكل عام، وقد يكون لدى المريض أدوية أخرى، فيتسبب ذلك بتداخلات دوائية خطرة»، لافتاً الى ان المواقع الطبية مساحة عريضة لتداول المعلومة الطبية، أما التشخيص فيلزم أخذ تقرير طبي تدرس فيه حالة المريض بشكل دقيق، من قبل طبيب مختص، ولا بديل عن معاينة الطبيب للمريض وجهاً لوجه، وأخذ التاريخ المرضي للحالة وإجراء تحاليل وأشعة حسب ما يتطلبه وضع المريض.

مكملات وأدوية

وبدوره يقول الدكتور محمد فرغلي استشاري أمراض السكري في هيئة الصحة في دبي: «هناك الكثير من المواقع الإلكترونية التي تقدم وصفات عشبية ومكملات غذائية للتخلص من السكري او التحكم في نسبة السكر في الدم وهذه كلها غير صحيحة، لأن مرض السكري من الأمراض المزمنة التي لم يتم التوصل لعلاج جذري لها حتى الآن، وهناك ادوية حديثة تساعد المرضى على المحافظة على نسبة السكر إذا ما اقترنت بالحمية الغذائية التي يصفها أخصائي التغذية».

وأضاف: «الإنترنت وسيلة ممتازة لمساعدة الأطباء والمرضى ولكنها لا يمكن أن تكون بديلاً عن الطبيب حيث إن تشخيص الأمراض يعتمد على الفحص الإكلينيكي وتاريخ المرض والفحوص المعملية والإشعاعية.

ولا يمكن التشخيص من دون فحص المريض، كما أن طبيعة العلاج تختلف باختلاف شدة المرض وتاريخ الإصابة به والعوامل المسببة له وسن المريض»، مضيفاً أن المعلومات المتوافرة على الإنترنت لا يمكن أن تكون بديلاً عن استشارة الطبيب.

سلاح ذو حدين

وفي نفس السياق يقول الدكتور علي السيد مدير ادارة الصيدلة في هيئة الصحة في دبي: «المواقع الإلكترونية سلاح ذو حدين، فإذا كان السائل يعرف من يسأل، وهو من الموثوق فيه وفي علمه، فإن الاستشارة هنا تكون مفيدة، ولكنها لا تغني عن زيارة الطبيب، ولا يجب الأخذ بها كعلاج.

وأما إذا كان الذي يجيب شخص غير معروف تماماً للسائل، فلا يجب الأخذ بها حتى كرأي، وللأسف هناك الكثير من الأطباء لديهم مرض تقمص شخصيات وهمية، فتراه يسمي نفسه الطبيب الفلاني، وربما يقوم بتصميم موقع خاص به لهذا الغرض، فمن يحاسبه، ومن يتأكد أنه فعلاً طبيب أو محتال؟ من هذا المنطلق لا أنصح بالاعتماد على الاستشارات الطبية من خلال الإنترنت بل يجب أن تتم زيارة الطبيب المتخصص قبل أخذ أي دواء».

ويرى الدكتور علي أن الإنترنت لا يمكن أن تكون بديلاً عن الطبيب، فالطبيب مهما حصل سيبقى دوره محفوظاً ولا غنى عنه، وأعتقد أن الإنترنت تكون مساعدة فقط كمرجع أو كتاب خارجي يمكن الاستعانة به، اما التشخيص والعلاج عن طريق الإنترنت فهذا خطأ كبير لأنه من الصعب تشخيص الحالة عن طريق الوصف الكتابي فقط من دون المعاينة والتشخيص بشكل عملي على أرض الواقع فالمرض أو الحالة تختلف من شخص لآخر.

واردف قائلاً: «تقديم الاستشارات ووصف الأدوية الطبية عن طريق المواقع الإلكترونية له عدد من الجوانب القانونية تتعلق إمّا بأهلية مقدم المشورة، أو متلقيها، أو بالعلاج الموصوف»، مضيفاً أن نظام مزاولة المهن الصحية نص على أنه يُحظر مزاولة أي مهنة صحية إلا بعد الحصول على ترخيص.

كما أن مقدم الاستشارة الطبية غير مصرح له بإجراء الفحوص أو العلاج خارج الأماكن المخصصة لذلك، مبيناً أن متلقي الاستشارة لديه عدة حقوق أهمها إلزام الممارس الصحي بسرية معلوماته، وأن يتم شرح الوضع العلاجي وآثاره والجوانب السلبية له، مشيراً إلى أن نظام مزاولة المهن الصحية نص أيضاً على أنه يحظر على الممارس الصحي بيع أي أدوية خارج الصيدليات أو بيعها بصورة مطلقة.

وتابع: «لا يمكن أن نستخدم المعلومات على شبكة الإنترنت كبديل للنصائح الطبية أو التشخيص أو المعالجة المقدمة من الطبيب أو أي شخص آخر مؤهل لتقديم الرعاية الصحية، ولا يجب الاستناد إلى المعلومات الطبية المقدمة من أي موقع.

فقد تتغير المعلومات الطبية بسرعة وقد تكون المعلومة خاطئة أو ثبتت بالدراسات الحديثة أنها غير صحيحة أو انتهت صلاحيتها وخاصة في الطب البديل والعلاج العشبي، كما يجب ألا نستخدم أي معلومة طبية نجدها عبر المواقع الإلكترونية بغرض تشخيص أو علاج أية حالة مرضية من دون إشراف الطبيب».

وأضاف: «لا يجوز أن تكون الإنترنت بديلاً عن الطبيب، ولكن من الجائز أن يقوم طبيب أو فريق من الأطباء بمناظرة أو مناقشة حالة عن بُعد بالاشتراك مع زميل آخر يناظر المريض سريرياً من أجل الوصول الى أفضل قرار وأفضل سبل العلاج، هنا فقط يتوافر طرفا المعادلة للتحقيق عن بعد والتطبيق عن قرب.

ومن هذا المنطلق لا يجوز استخدام الإنترنت نهائياً في مجال التشخيص بغرض العلاج، ولكن لا مانع من استخدامها بغرض التثقيف ونشر الوعي الصحي بين أفراد المجتمع حتى يتفاعل افراد المجتمع ايجابياً مع أدوات ومفردات الخدمة الصحية».

وبين أن الشبكة العنكبوتية وسيلة جيدة لمساعدة الأطباء والمرضى ولكنها لا يمكن أن تكون بديلاً عن الطبيب.

خطر قاتل

ومن جانبه قال الدكتور محمد سامح رئيس قسم الصيدلة في مستشفى راشد: «تشخيص الأمراض ووصف الأدوية عن طريق الإنترنت يشكل خطراً قاتلاً، لانه يتنافى مع اخلاقيات مهنة الطب، وبشكل عام المواقع الإلكترونية الطبية العربية ضعيفة المحتوى مقارنة بمحتوى المواقع الدولية باللغة الإنجليزية».

مضيفاً أن الأسوأ من ضعف المواقع الإلكترونية، المعلومات الطبية المتداولة في المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي، ففي الغالب تكون مغلوطة أو غير دقيقة وارتجالية، بل لا تخضع لرقابة طبية، ولا تناسب بالضرورة كل شخص.

مشيراً إلى أن من إيجابيات بعض المواقع الطبية وفرة وسرعة المعلومة، ومشاركة المرضى الآخرين تجاربهم، وخاصةً قصص الشفاء، وكذلك الآراء الطبية في ما يخص أعراض المرض أو العلاج والتشخيص، إلى جانب متابعة أفضل المراكز الاختصاصية والأطباء المتميزين والأدوية المتوافرة أو البدائل العلاجية.

معلومات

واضاف يمكن الاستفادة من الاستشارات الطبية عن طريق الإنترنت إذا كانت بشكل عام حيث إنه لا يجب استخدام وصفة علاجية معينة، ولا يمكن أن تكون المعلومات المتوافرة في الإنترنت بديلاً عن استشارة الطبيب، ولا يجب الانسياق وراء الإعلانات المضللة في بعض المواقع الإلكترونية، التي تروج لأطباء غير معروفين وتبيع أدوية ومستحضرات مجهولة المصدر وغير مسجلة لدى الهيئة.

مطالب بزيادة الوعي للحد من العواقب الوخيمة

طالب مواطنون ومقيمون بضرورة زيادة حملات التوعية بمخاطر بيع وشراء الأدوية وتقديم الاستشارات الطبية من خلال الشبكة العنكبوتية حيث إن من شأن هذه الحملات الحد من العواقب الوخيمة للتشخيص الخاطئ.

وحول هذا الموضوع يقول المواطن عبداللطيف ريحان: انتشرت بكثرة المواقع الإلكترونية الطبية، ويأتي ذلك التضخم في كثرة المواقع الطبية، بسبب تزايد أعداد المترددين عليها ما يرفع أيضاً المخاطر الصحية عليهم.

وأضاف أن الأشخاص في بعض الأحيان يضطرون للجوء لهذه المواقع نظراً لارتفاع أسعار العلاج في العيادات، كما يقوم أحياناً رواد المواقع الإلكترونية بتبادل الخبرات الشخصية في علاج بعض الأمراض، الأمر الذي ينطوي على مخاطر باتت تهدد الصحة العامة، حيث إن كل مريض يختلف عن الآخر.

وأضاف أن الكثير من المعلومات والإرشادات الصحية والطبية المتداولة في هذه المواقع مختلطة بين المعلومات الصحيحة والمغلوطة، ورغم ذلك يتعامل معها الجميع باعتبارها صادقة وحقيقية وصحيحة مع أن نصفها يكون بعيداً عن ذلك، حيث تُقدم بعض المواقع الإلكترونية استشارات طبية، في عالم افتراضي تتزاحم فيه المعلومات التي يغلب عليها العشوائية.

وقد تتم التوصية من خلالها بأدوية غير مرخصة، وهنا قد يعود الضرر على المريض، بعدم حصوله على التشخيص المُناسب، وقد تتدهور صحته أكثر فأكثر، وهنا لا بد من زيادة الوعي الصحي داخل المجتمع، وتوضيح أهمية أخذ المعلومات والاستشارات من مواقع موثوق بها.

كسل وتراخٍ

وأشار محمد صلاح الشوملي إلى أن هناك سبباً آخر في تعاطي البعض مع هذه المواقع والتعامل معها بمصداقية، وهو الكسل والتراخي في الذهاب إلى الطبيب المختص، قائلاً إنه من المؤسف أن الكثير من المواقع الطبية ليست دقيقة ويتعامل معها عدد كبير من المترددين على مواقع الإنترنت؛ مما يشكل خطورة حقيقية على الصحة العامة، مشدداً على أهمية التوعية العامة وتحذير المرضى من الإهمال في علاج أمراضهم، حتى ولو كانت بسيطة.

وتقول مريم الحوسني: «يوجد الكثير من أفراد المجتمع عندما يتعرضون إلى أي وعكة صحية يتجهون مباشرة إلى استخدام محرك البحث (غوغل) للبحث عن غموض المرض الذي يعانون منه، والحصول على وصفات علاجية لبعض الأعراض المصابين بها.

ربما تساهلاً من بعضهم أو لضيق ذات اليد، الأمر الذي يوقعهم في فخ المواقع غير المتخصصة التي تقدم معلومات خاطئة وغير موثقة أو لا تتوافق مع الحالة المرضية التي يعانونها؛ مما قد يتسبب في حدوث مخاطر صحية خطيرة تؤدي إلى مضاعفة المرض.

وأضافت: لا ضرر من الاطلاع على المواقع الطبية للحصول على معلومات عامة وليست متخصصة، كنوع من التوعية وزيادة المعلومات أو التعرف إلى المستجدات؛ فذلك أمر مقبول، أما الذي يسعى إلى الحصول على معلومات طبية عن مرض أصابه أو أصاب غيره، ويتخذ هذه المعلومات كمرجعية لما يعانيه من مرض ويقوم بتطبيق هذه المعلومات على نفسه أو غيره؛ فهذا شخص مهمل في نفسه وصحته ويحتاج إلى التوعية.

وطالب عصام عبدالقادر الياسي الجهات المختصة برفع الوعي لدى الجمهور من خلال زيادة الحملات التوعوية للحد من الظاهرة، مشيراً إلى أن التعامل مع المواقع الطبية أو الصحية كبديل للطبيب ليس خطراً على المريض فقط بل على الصحة العامة في ظل انتشار هذه المواقع، ولكن الإشكالية قد تكون في افتراض تشخيص معين والبناء عليه من غير استشارة أو زيارة طبيب مختص، والاعتماد على غير أهل الاختصاص.
البيان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى