مقالات

المظاهر تغشّ في ريادة الأعمال

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي- بروك أندرسون*
قد تبدو صفحة علي شحادة فرحات على منصّة “فايسبوك” وكأنّها قصّة النجاح التي يحلم بها كلّ رائد أعمال، فهو يظهر في مؤتمرٍ بالغ الأهمية في يومٍ، وفي النادي الرياضي يهتمّ بشكله وصحتّه في يومٍ آخر، وذلك وسط تلقّيه تشجيعاً من متابعيه على الإنترنت. ولكن في يومٍ من الأيام، قرّر رائد الأعمال هذا التحدّث عن صراعه مع الاكتئاب، سواء على الإنترنت أو على المستوى الشخصيّ.

رغم أنّ هذا القرار كان يناسب شخصيّته المنفتحة، إلّا أنّه خالف إحدى المحرّمات الثقافية الراسخة بالتحدّث عن الاكتئاب بخاصةٍ في العالم الريادي الصغير في لبنان حيث تُعتبَر الصورة أساسيّة.

“ما تراه من الناس ليس دائماً ما هم عليه؛ كان يقول الناس لي ’لا أصدّق أنّك تشعر بالاكتئاب‘؛ ولكنّني عندما أعمل أقدّم عملاً جيّداً”، يقول شحادة فرحات الذي لم تكن قصص نجاحه بعيدةً عن أيّام اكتئابه، بل توازت مع جوانب مختلفة من شخصيّته المتعدّدة الأبعاد.

كان يعاني بصمتٍ لفترة طويلة فيما كان يدير شركته “ذا دريم ماتشر” The Dream Matcher التي تربط الناس الحالمين بأشخاص يمكنهم تحويل هذه الأحلام إلى حقيقة.

ويقول إنّه “عندما شعرتُ بالاكتئاب للمرة الأولى، كنتُ ما زلتُ في أولى محاولاتي في المجال الريادي. كنتُ أرتكب أخطاء كثيرة وأشعر بحزنٍ كبير نتيجة لذلك”، مضيفاً “أنّنا كروّاد أعمالٍ، نعيش حياةً مليئة بالتنافس. كان يخبرني أصدقائي أنهم جمعوا 100 ألف دولار في حين لم أجمع أنا شيئاً، وكان والداي يزعجانني دائماً للحصول على وظيفة”.

ولكن بالنسبة لرائد الأعمال، فإنّ شركته هي وظيفته ومن الطبيعي جدّاً أن يعمل حتّى يشعر بالإرهاق ليصل بالشركة إلى المستوى المطلوب في المراحل الأولى من بناء الشركة الناشئة.

عن هذا الأمر، تذكر دانيا درويش، وهي عالمة نفس تعرف المجتمع الريادي اللبناني، أنّ “الكثير منهم يفقدون التوازن بين العمل والحياة الشخصية، فيصلون إلى درجة الهوس. فهم يعملون لساعات طويلة لأنّهم لا يريدون أن يفوّتوا الفرص، ويعلمون أنّ تحقيق النجاح ضروري”.

المسؤولية حمل كبير

كونه مؤسّس الشركة، يُعَدّ رائد الأعمال مسؤولاً عن قرارات الشركة وسير أعمالها وميزانيتها، كلّ يوم، ومهما كان الوضع. هذا بالإضافة إلى غياب الاستقرار المادي الذي يجعل التعامل مع الأيام السوداء أكثر الصعوبة.

يلفت رائد الأعمال في بيروت، عبد آغا، إلى أنّ “أكبر الضغوطات التي يتعرّض لها رائد الأعمال هي عندما لا يملك المال الكافي لدفع الرواتب، فعدم دفع الرواتب فشلٌ كبير. وهذا هو الأمر الوحيد الذي لا يمكنني التعامل معه، لأنّ الناس يطعمون عائلاتهم عندما يعملون في شركة. لذلك، عليّ أنّ أوفي بما وعدتهم به – قبل العملاء وقبل أيّ شيءٍ آخر”.

ويتابع مضيفاً أنّ أصعب يومٍ له كان عندما وظّف أوّل شخص في شركته: “عندما تكون لوحدك، تكون أنت مسؤولاً عن نفسك، أمّا عندما تبدأ بتوظيف الناس تكون مسؤولاً عن كلّ شيء، وهذه أصعب وأكبر مكافأة لك”.

عندما يبدأ بالتوظيف، لا تقتصر مسؤولية رائد الأعمال على الرواتب بل أيضاً تطال الروح المعنويّة والثقافة الخاصّة بالشركة. ويشرح مؤسّس منصّة جمع التمويل “ذومال” Zoomal، اللبناني عبدالله عبسي، أنّ مراقبة الحالات النفسيّة أمرٌ بالغ الأهميّة، مشيراً إلى أنّه “إذا أتيتُ إلى المكتب بمزاجٍ سيّء لأنني لم أنم جيّداً ينعكس ذلك على فريقي. وبالتالي، عليّ أن أبتسم ولو أنّني متوتّرٌ للغاية بيني وبين نفسي”.

رائد الأعمال في بيروت، ماهر حسنيه، الذي بدأ الآن بتأسيس ثالث شركة ناشئة له، “فيشيرال سنس” Visceral Sense، اكتشف الآن كيف يستطيع إدارة وقته وموارده بشكل جيّد نسبيّاً. فهو يعمل جاهداً ولكن من دون أن يرهق نفسه، ويضع أهدافاً منطقية لتجنّب التوقّعات غير الواقعية. وحتّى لو كانت الأمور تعمل بشكل جيّد، يتوقّف ويسأل نفسه أحياناً، “كيف أعلم متى أتوقّف ومتى أثابر في مشروعي؟ وهل أضعتُ وقتي؟”

ويقول: “يمكنني أن أشعر باليأس وبالحماسة في غضون دقيقتين، فالأمر أشبه بدوّامة عاطفيّة.”

مشاركة الصعوبات

في السنوات الماضية، انضمّ الكثير من حول العالم إلى النقاش العام المتزايد حيال التقلّبات العاطفية لريادة الأعمال.

في ميكسيكو سيتي، أنشأت مجموعة من الأصدقاء فعاليّة باسم “فاك اب نايتس” Fuck-up Nights حيث يجتمع الناس ويتشاركون قصص الفشل أمام جمهور. ومنذ أن بدأت في عام 2014، انتشرت هذه الفعالية في بلدان عدّة ومنها لبنان؛ ولحسن حظّ المنظّمين، لم يكن هناك نقصٌ في عدد المتطوّعين المستعدّين للتحدث عن سيرهم وفشلهم خلال ثلاث فعاليات أقيمت في نهاية عام 2015 ومطلع عام 2016.

شحادة فرحات كان من المتحدّثين في هذه الفعالية، وانضمّ إليه الرئيس التنفيذي لـ”سبيد” Speed، سامي بو صعب؛ والشريك المؤسّس للشركة الناشئة في المجال الطبّي، “أي طبّ” Etobb، نادر داغر.

تقول منظّمة الفعالية والمهندسة ورائدة الأعمال الطموحة، عائشة حبلي، “لقد مللنا من الذهاب إلى المؤتمرات نفسها والاستماع إلى قصص النجاح نفسها، فهي لا تكشف القصّة بأكملها. أمّا نحن، فلدينا روّاد أعمال ناجحون يتحدّثون عن كيفية تحقيق ذلك، عن الخسارة والفشل وماذا فعلوا ليصلحوا الأخطاء. نريد أن نلهم الناس بمشاركة القصص الحقيقية”.

وبالتالي، تختلف هذه الفعالية تماماً عن مؤتمرات الشركات الناشئة العاديّة حيث يحاول الحاضرون إبهار الحضور ويخبر روّاد الأعمال الناجحون جمهورهم بأنّ لا حلّ إلاّ بتحقيق النجاح الهائل وأنّ عليهم ادعاء تحقيق النجاح حتّى ذلك الحين.

آليات البقاء على قيد الحياة

غالباً ما نسمع في العالم الريادي عبارات مثل “ادّعِ ذلك” أو “أخفِ حقيقة ما يحصل”. ترمز الأولى إلى آلية البقاء والتأقلم مع الأوقات الصعبة بالادعاء بأنّك ناجح إلى أن تصبح كذلك، في حين ترمز الثانية إلى التخبّط للبقاء على قيد الحياة فيما يبدو في الخارج أنّ كلّ شيء على ما يرام.

قد تكون هذه النصيحة مناسبة في عالمٍ تؤدّي فيه الصورة دوراً أساسيّاً للحصول على استثمار وعملاء وعلاقات مهمّة، ولكن يغيب عنها عامل أساسيّ في المعادلة: ماذا يحصل لرائد الأعمال الذي يدّعي النجاح؟ ولكم من الوقت عليه أن يتظاهر أنّ كلّ شيء على ما يرام؟

بالنسبة للكثيرين، هذه الفترة من ادّعاء النجاح والسعادة تدوم حتّى تحقيق النجاح، وقد يتطلّب ذلك سنوات عدّة.

في حديثه مع “ومضة”، يصف أحد المهندسين أنّه شغل وظيفةً في شركة ناشئة حيث كان رائد الأعمال يدّعي أنّ كلّ شيء بخير، بينما كان يفشل في مشاريعه. رفض هذا الأخير تغيير محور شركته والاعتراف بأخطائه والأخذ بنصيحة أيٍّ كان، لأنّه كان مغرماً بفكرته وصرف الكثير من الأموال من مدخّراته وأرباحه من شركاته الأخرى مصرّاً على أنّ نجاح شركته سيتحقّق.

ويعتقد المهندس، الذي يرفض الإفصاح عن هويته للحفاظ على خصوصيّة مديره السابق وصديقه، أنّ كبرياء رائد الأعمال يقف عائقاً أمام واقعه وأنّه بعدم الاعتراف بذلك يحفر لنفسه حفرة أكبر، مهنيّاً وعاطفيّاً.

في الوقت الحاليّ، لا تزال هذه الشركة الناشئة على قيد الحياة، إلاّ أنّها غير ناشطة.

منذ أن بدأ شحادة فرحات يتحدّث بصراحة عن مشاكله لم تغِب عنه بالكامل، ولكنّه اكتسب حسّاً أكبر بالمجتمع، فقد بات لديه توقّعات واقعية حيال نفسه ومن حواليه من دون التخلّي عن أحلامه.
*ومضة – بروك أندرسون تعمل كمراسلةٍ وتستقرّ حالياً في بيروت، تغطّي المواضيع المتعلّقة بالأعمال والتكنولوجيا والثقافة.
يمكنكم التواصل معها عبر “تويتر” @Brookethenews.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى