ريادة

متجاهلين فضله .. شباب وادي السليكون يديرون ظهورهم لــ «البنتاجون»

هاشتاق عربي
في أيار (مايو) سجل آشتون كارتر زيارته الخامسة لوادي السليكون، منذ أصبح وزيرا للدفاع الأمريكي قبل 15 شهرا، للتحدث بشأن الابتكار. ولم يكن أي من أسلافه قد سجل مثل هذه الزيارة على مدى السنوات الـ 20 الماضية.

كارتر، الحاصل على منحة رودس للدراسات العليا في جامعة أكسفورد وعلى شهادة الدكتوراه في الفيزياء النظرية، يبدو مرتاحا بين أفراد نخبة التكنولوجيا. لكن زياراته المتكررة هي أيضا علامة على قلقه إزاء انقطاع الاتصال المتزايد بين مؤسسة الدفاع ووادي السليكون، وهو انقسام أدى إلى تفاقم الأمور في أعقاب تسريبات إدوارد سنودن عام 2013 حول مراقبة الحكومة، ولا يزال قائما حتى اليوم.

على مدى عقود كانت هناك علاقة مثمرة بين القطاع الخاص ووزارة الدفاع، نتج عنها بعض أهم التكنولوجيات الموجودة الآن – بدءا من الإنترنت إلى تكنولوجيا تحديد المواقع والتصوير والاستشعار العالمية. برنامج سيري، تكنولوجيا شركة أبل لتمييز الأصوات، بدأ حياته في معهد ستانفورد للبحوث بفضل تمويل من وزارة الدفاع. وكان ديف باكارد، المؤسس المشارك لشركة هيوليت – باكارد، نائبا لوزير الدفاع خلال فترة إدارة الرئيس نيكسون.

لكن العلاقة لم تعد كما كانت من قبل، وهو ما ينطوي على تعريض القدرة التنافسية الأمريكية للخطر في مجالات كانت تحظى فيها دائما بميزة.

في تصريحاته التي أدلى بها أثناء مؤتمر القمة الخاص بوزارة الدفاع “وان تيك” الذي عقد في حزيران (يونيو) في واشنطن، تعهد كارتر بإصلاح العلاقة. قال: “أنا ملتزم ببناء وإعادة بناء الجسور بين مساعينا في البنتاجون في مجال الأمن القومي والمبتكرين في جميع أنحاء البلاد من أصحاب المشاريع التكنولوجية في وادي السليكون”، مرددا تصريحات كان قد أدلى بها في جامعة ستانفورد.

كدليل على أن جهوده تؤتي أكلها، يستطيع كارتر الإشارة إلى تشكيل مجلس الابتكار في وزارة الدفاع هذا العام، الذي يشارك فيه إيريك شميدت، من شركة جوجل، ورايد هوفمان، مؤسس شبكة لينكد إن، بصفتهما من أعضاء مجلس الإدارة، جنبا إلى جنب مع البرامج التجريبية مثل برنامج “اخترق البنتاجون”.

ومثل نهجه المتودد الأوسع في وادي السليكون، تعكس تلك الجهود اعتراف كارتر بأن وزارة الدفاع فقدت نفوذها الذي كانت تحظى به في تحفيز بعض تكنولوجيا البحوث والتنمية الأكثر تقدما. لم يعد من الواضح أن وادي السليكون يحتاج إلى وزارة الدفاع بقدر ما تحتاج وزارة الدفاع إلى وادي السليكون.

ستيف بلانك، وهو صاحب مشاريع وأستاذ في جامعة ستانفورد، يقول: “قطع وادي السليكون شوطا طويلا من حيث الابتعاد عن أصوله حين كان يتم تمويله من قبل وزارة الدفاع. معظم الشركات الناشئة وشركات الابتكار غير راغبة في كشف ملكيتها الفكرية، والانخراط في المكاتبات والمعاملات الورقية التي يتطلبها التعامل مع الحكومة، وبالتالي فهي تختار عدم متابعة المشاريع الحكومية”.

جوش وولف، أحد مؤسسي “لوكس كابيتال التي تستثمر في شركات ناشئة تعمل على تطوير تكنولوجيا ذات تطبيقات عسكرية وتجارية، يتفق مع بلانك في أن التعامل مع وزارة الدفاع ينطوي على صداع بيروقراطي غير مألوف بالنسبة للشباب المبتكرين في الوادي.

ويقول: “شعارنا هو التحرك بسرعة وإحراز التقدم. ومن ثم عقد تلك الاجتماعات مع وزارة الدفاع التي تعتبر اجتماعات رسمية وبيروقراطية”.

سباق الروبوتات

لسنوات عدة أشرف فرع البحوث لدى وكالة مشاريع البحوث المتقدمة “داربا”، التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، على مسابقة للروبوتات. وكان من بين الفائزين أخيرا روبوتان من “شافت”، وهي شركة ناشئة يابانية، و”بوسطن ديناميكس”. واشترت جوجل كلا الروبوتين، إلى جانب روبوتات عدد من الشركات الأخرى الرائدة، كجزء من انطلاقتها الكبيرة في عالم الروبوتات.

وفقا لشخصين على اطلاع بالوضع، من بين الرسائل الأولى التي أبلغتها جوجل لتلك الشركات رسالة مفادها أنه لن يكون هناك المزيد من الحوارات مع وزارة الدفاع. في العام الماضي، وبإيعاز من جوجل، لم تشارك “شافت” في مسابقة “داربا” مطلقا.

يقول آدم جاي هاريسون، مدير “مسارع تكنولوجيا الأمن القومي” التابع لوزارة الدفاع، الذي تأسس لتعزيز تطوير الشركات الناشئة التابعة للوزارة الدفاع: “جوجل لا ترغب في أن ينخرطوا معنا، على الرغم من أن التكنولوجيا المبكرة لدى شركة بوسطن ديناميكس دفعت ثمنها وزارة الدفاع”. وسيتم إطلاق”مسارع تكنولوجيا الأمن القومي” رسميا في 14 تشرين الأول (أكتوبر).

يضيف هاريسون: “تعد وزارة الدفاع القائد العالمي في تمويل التكنولوجيا عالية الخطورة وعالية الأجر. لكن الكثير من الشركات التجارية والشركات الناشئة في التكنولوجيا الفائقة تدير ظهرها لنا. لم نعد نخترع المستقبل. لكن الآخرين يفعلون ذلك. وهذا شيء يتعين علينا تغييره”.

(يتم السيطرة الآن على شركات الروبوتات من قبل “ألفابت”، الشركة القابضة التي أنشأتها جوجل العام الماضي لإدارة شركاتها بشكل منفصل. والآن بوسطن ديناميكس معروضة للبيع).

بعض المسؤولين التنفيذيين في وادي السليكون، الذين يعملون مع “داربا”، يصرون على أن النظام عمل تماما بالطريقة نفسها التي يفترض أن يعمل بها فيما يتعلق بالروبوتات ومجال التشغيل الآلي الآخذ في الظهور. ودائما ما كانت “داربا” تمول الشركات والتكنولوجيات التي ربما قد لا يكون لها أي ارتباط بوزارة الدفاع فيما بعد، بحسب ما يقولون، مضيفين أنهم يرون تحقيق الاستفادة القصوى من خلال استثمارات البحوث في الروبوتات والمركبات التي تعمل ذاتيا.

مع ذلك، يرى هاريسون، الذي له صلة بكل من الدفاع والتكنولوجيا، وجود علاقة متوترة وهو مصمم على سد الفجوة بين وزارة الدفاع ووادي السليكون.

وهناك عدد من الأسباب وراء هذا المشهد العدائي بشكل متزايد. من ناحية، محدودية الموارد لدى وزارة الدفاع والحجم الأصغر نسبيا للطلبات التي تصدرها تتناقض بشكل هائل مع الخزائن الممتلئة لدى شركات التكنولوجيا وشركات رأس المال المغامر التي تدعمها. تحتاج الكثير من التكنولوجيات المتخصصة التي يطورها القطاع الخاص إلى نطاق كبير لكي تكون مربحة – وحجم الطلبات التي يمكنهم تجميعها من التطبيقات التجارية يعد أمرا أساسيا لجعل الاستثمارات مجزية من الناحية المالية.

وهذا يعني أن القطاع الخاص لديه حافز مالي أقل للتعامل مع وزارة الدفاع. وبصورة متزايدة، لم تعد الوزارة هي اللاعب الأكبر الذي لديه التمويلات الأكبر.

“ظهور الأسواق العالمية الخاصة بالتكنولوجيا التجارية والاستهلاكية الفائقة عمل إلى حد كبير على إزاحة وزارة الدفاع بوصفها مركز الجاذبية” للبحوث والتطوير العالميين، بحسب ما أشارت دراسة صدرت عن جامعة نيويورك هدفت إلى تفحص “مسارع تكنولوجيا الأمن القومي”. وفي حين أن الحكومة الأمريكية كانت تستأثر خلال منتصف الثمانينيات بما يقارب 50 سنتا من كل دولار ينفق في مجال البحوث عالميا، إلا أن المبلغ اليوم أقل من عشر ذلك المبلغ، بحسب ما تقول الدراسة.

وبحسب ماريو مانكوسو، العضو السابق في فريق الأمن القومي أثناء فترة رئاسة جورج دبليو بوش والشريك حاليا في شركة كيركلاند آند إيليس للمحاماة: “عندما أصبح كلينتون رئيسا (في عام 1993) ثلثي التكنولوجيا ذات الصلة كان يتم تطويرها من قبل وزارة الدفاع. وبعد مضي ثماني سنوات، عند انتهاء فترة ولايته، انقلبت النسب المئوية.

وقال كارتر في خطابه الذي ألقاه في نيسان (أبريل) في جامعة ستانفورد، إن البنتاجون “لم يتنازل تماما عن تمويل البحوث والتطوير والتفكير الابتكاري”.

وأضاف: عموما، تستثمر ميزانيتنا نحو 72 مليار دولار في مجال البحوث والتطوير. الآن، لإعطائكم فكرة نسبية عن نطاق ذلك الرقم، هذا المبلغ أكثر من ضعف ما أنفقته أبل وإنتل وجوجل في مجال البحوث والتطوير العام الماضي مجتمعة.

لكنه اعترف بأن ما مقداره 12.5 مليار دولار من ذلك المبلغ، وهو رقم أقل كثيرا مما تنفقه شركات التكنولوجيا الرائدة، كان “مستثمرا على وجه التحديد في مجال العلوم والتكنولوجيا لدعم العمل الأساسي الجاري في عشرات المراكز الهندسية والمختبرات التابعة لوزارة الدفاع”.

ولعل الأهم من ذلك، أن متابعة العمل العسكري لا يكاد يكون نشاطا مربحا هذه الأيام بالنسبة لكثير من شركات القطاع الخاص. مثلا، طورت “آي روبوت”، وهي شركة روبوتات مستقلة، اثنتين من التكنولوجيات المتوازية. إحداهما، تكنولوجيا عسكرية، مستفيدة من طلب وجهته وزارة الدفاع لنزع فتيل عبوات متفجرة وقنابل أخرى يدوية الصنع في العراق وأفغانستان عن طريق تمزيق الأسلاك بشكل آمن دون تعريض الفنيين القائمين على العمل للخطر. والأخرى كانت عادية، وهي روبوت يدعى “رومبا” يعمل على تنظيف السجاد. وفي شباط (فبراير) الماضي قالت آي روبوت إنها ستبيع أقسامها المتخصصة في مجال الدفاع والأمن مقابل 45 مليون دولار.

لا تقترب أكثر

فيما وراء العوامل الاقتصادية المتغيرة، عملت المفاجآت التي كشف عنها سنودن قبل ثلاث سنوات، المتعلقة نطاق التجسس الذي تمارسه وكالة الأمن القومي، على توسيع الصدع.

في عام 2012، حصل كيث أليكساندر، رئيس وكالة الأمن القومي في ذلك الحين، على ترحيب حار في مؤتمر ديفكون السنوي، الذي يجمع بشكل تقليدي بين الجيش وقراصنة الكمبيوتر. لكن بعد التسريبات التي أذاعها سنودن، تم إلغاء الدعوة التي وجهها المؤتمر إليه.

وفي شباط (فبراير) من العام الماضي، عندما جاء الرئيس باراك أوباما إلى وادي السليكون لحضور مؤتمر قمة يتعلق بالأمن الإلكتروني، كانت “أمازون” و”أبل” من بين عدد قليل من شركات التكنولوجيا التي حضرت المؤتمر. وبعد مضي ثلاثة أشهر، وقع رؤساء كل الشركات تقريبا في الوادي، باستثناء المقاولين في مجال الدفاع والأمن مثل “بالانتير”، على مذكرة موجهة إلى أوباما، محتجين فيها على مطالب الحكومة بوجود باب خلفي للمعلومات التي كانوا قد عملوا على تشفيرها.

في وقت لاحق، ربما كان عام 2013 “العلامة الأكثر وضوحا على التعاون بين صناعة التكنولوجيا في الولايات المتحدة وحكومة البلاد”، بحسب ما كتب سكوت مالكومسون في كتابه “سبلنترنت” أن “البرامج التي كشف عنها سنودن أظهرت أن الحكومة الأمريكية كانت تتجسس وأنها كانت تستخدم الشركات الأمريكية سواء بعلمها أم لا، وسواء كانت ترغب في ذلك أم لا. بالنسبة لوادي السليكون، ليس من مصلحته أن يتم اعتباره وكأنه أداة في يد الحكومة الأمريكية”.

ومنذ ذلك الحين، يبدي وادي السليكون حذره من أن يبدو وكأنه على علاقة قوية مع وزارة الدفاع. وعندما يظهر هاريسون في الوادي، تطلب منه بعض الشركات عدم التوقيع على سجل الزوار لديها، بحسب ما يقول.

“من الأفضل ألا تفعل شيئا”

واحدة من أكبر التحديات التي يواجهها البنتاجون هي القدرة المتزايدة وتوافر التكنولوجيا “ذات الاستخدام المزدوج”. بدءا من استخراج البيانات والطائرات بدون طيار إلى أنظمة الاستشعار والطباعة ثلاثية الأبعاد، لدى الكثير من التطورات التكنولوجية الأكثر أهمية اليوم تطبيقات عسكرية ومدنية في آن معا.

ويوضح تطوير تكنولوجيا تحديد المواقع كيف يغلب على تطبيقات الاستخدام المزدوج التطور. تم تطوير التكنولوجيا المستخدمة في برامج وتطبيقات تحديد المواقع أولا من قبل الجيش وكانت مقتصرة أصلا على الاستخدام في أنظمة توجيه الصواريخ. ومولت In-Q-Tel، ذراع رأس المال المغامر التابعة لوكالة المخابرات المركزية، ما أصبح يعرف بـ “جوجل إيرث”. وعندما طورت الشركات التجارية تكنولوجيا نظام تحديد المواقع العالمي، عملت على تقليص التكاليف، مقدمة الخدمة في النهاية لكل من المستهلكين والقوة العسكرية، التي يمكنها منح كل جندي يعمل في الميدان جهاز استقبال لتحديد المواقع.

لكن إضفاء الطابع الاستهلاكي الأوسع عمل على وضع التكنولوجيا المتطورة في أيدي الإرهابيين والمنافسين العسكريين المحتملين، ما أدى إلى تقليل الميزة التنافسية لنفقات الدفاع الكبيرة. وفي الوقت الذي تتسارع فيه التكنولوجيات ذات الاستخدام المزدوج، تصبح الفجوة الثقافية بين البنتاجون والوادي أكثر حدة. فهل بإمكان وزارة الدفاع التحرك بشكل أسرع والعمل مع الشركات الناشئة واكتساب الفوائد المتعلقة بالجيل التالي من التكنولوجيا؟ أم أنها تتعرض للعرقلة بسبب العمليات القديمة التي تم تطويرها لأنظمة الأسلحة الكبيرة وبسبب أساليب التعاقد العسكرية القديمة؟

يقول هاريسون: “يتعين عليك أن تتذكر أن وزارة الدفاع متهمة بوجود ثقافة لديها تفيد بأن عدم فعل أي شيء أفضل من فعل 99 شيئا بشكل صحيح وشيء واحد خاطئ”.

وفي الوقت الذي تتابع فيه شركات التكنولوجيا التكنولوجيا مشاريع مثل السيارات ذاتية القيادة وأنظمة المراقبة بالأقمار الصناعية، من المتوقع أن تتمكن قريبا من الحصول على تكنولوجيا ذات صلة بالنواحي العسكرية تكون في الواقع أفضل من تلك الموجودة لدى وزارة الدفاع.

فضلا عن ذلك، تأتي الفجوة الآخذة في الاتساع بين العالمين في وقت تظهر فيه الصين منافسة قوية للولايات المتحدة في مجالات تكنولوجية متقدمة، مثل صناعة الطائرات بدون طيار – وتسلسل الجينوم البشري. ونحن نرى اليوم أكبر كمبيوتر فائق القوة وهو مقيم في جامعة الصين العسكرية الوطنية، مع وجود معالجات فائقة موازية مصنوعة في الولايات المتحدة.

مع ذلك، يقول كثير من المحللين إن ثقافة وزارة الدفاع المحافظة أخذت على كره منها تقر بأن هناك تهديدا بأن الجيش الأمريكي سيجد نفسه يعاني تكنولوجيا من الدرجة الثانية، في عالم تتزايد فيه المخاطر. وبعضهم غير متفائل بأن جهود الجيش الأمريكي في التغيير ستنجح.

يقول مانكوسو: “الجهود المشكورة في الوصول إلى الآخرين، التي يبذلها وزير الدفاع آشتون كارتر، ستسبب له في النهاية حزنا وألما شديدا”. ويضيف: “حين تأتي إلى الناس وتقول إنك من الحكومة وإنك موجود للمساعدة، فهذه ليست أفضل طريقة لكسب الأصدقاء والتأثير في الناس العاملين في وادي السليكون”.
عالم التقنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى