هاشتاق عربي
أظهر تقرير الاستقرار المالي للعام 2015 الصادر عن البنك المركزي الأردني، أن النظام المالي العالمي شهد في نهاية العام 2015 زيادة للمخاطر التي تهدد استقراره، رافقها تراجع للثقة وتزايد في الاضطرابات التي تواجهها الأسواق المالية العالمية.
وقال التقرير الذي أصدره البنك أمس، إن التعافي العالمي ما يزال مستمرا لكن بوتيرة تزداد بطئا وهشاشة نتيجة لضعف الطلب على الاستثمار وتراجع نمو الاقتصادات المتقدمة، إضافة إلى أسباب غير اقتصادية ممثلة بالتطورات السياسية والجغرافية.
وأكد التقرير أن الاقتصاد العالمي شهد في العام 2015 نموا في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بلغ 1ر3 %، مقابل 4ر3 % في العام 2014، وتعزى نسبة كبيرة من التباطؤ في نمو الاقتصاد على مستوى العالم إلى انخفاض الفارق في نمو اقتصادات الأسواق الصاعدة مقارنة بالاقتصادات المتقدمة.
كما بين التقرير أنه ورغم تعرض منطقة الشرق الأوسط للعديد من الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي أثرت على الاقتصاد الأردني بصفته اقتصادا صغيرا مفتوحا ناشئا ومستوردا للنفط، فقد واصل الاقتصاد الأردني أداءه الإيجابي من خلال التدابير والسياسات المالية والنقدية المناسبة التي ساعدت في المحافظة على الاستقرار الاقتصادي والنقدي النسبيين من خلال الحفاظ على معدلات نمو اقتصادي موجبة ومستوى احتياطيات مرتفع من العملات الأجنبية رغم التراجع المستمر في مستويات الأسعار لهذه الفترة بسبب الانخفاض العالمي لأسعار النفط.
وأشار إلى أنه تم تحقيق معدل نمو معتدل للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في العام 2015 بنسبة 4ر2 % لكنه أقل من المقدر سابقا والبالغ 8ر3 %، فيما بين أن العام 2015 شهد تراجعا في بعض المؤشرات الاقتصادية مقارنة بالعام 2014 نتيجة تفاقم الظروف الإقليمية وإغلاق الحدود مع العراق وسورية ابرزها ارتفاع عجز الموازنة وعجز الحساب الجاري وانخفاض الصادرات الوطنية وارتفاع المديونية.
وقال إن استمرار تحسن الأوضاع الاقتصادية في الولايات المتحدة الأميركية مقارنة مع بقية دول العالم يقود إلى المزيد من القوة للدولار، ما قد يؤثر سلبا على تنافسية الاقتصاد الأردني، وهذا يتطلب الاستمرار في اتباع سياسة نقدية حصيفة والاستمرار بإجراء إصلاحات هيكلية لتحسين تنافسية الاقتصاد الأردني.
أما بخصوص القطاع المالي في الأردن، فقد بين التقرير أنه عموما مستقر، حيث يتمتع الأردن بنظام مصرفي سليم ومتين قادر على تحمل الصدمات والمخاطر المرتفعة نتيجة تمتعه بمستويات مرتفعة من رأس المال هي الأعلى في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، بالإضافة إلى مستويات مريحة من السيولة والربحية.
وبحسب التقرير، تعد البنوك المكون الرئيسي للقطاع المالي في الأردن والبالغ حجم موجوداته 48 مليار دينار كما في نهاية عام 2015، حيث شكلت موجودات البنوك المرخصة ما نسبته 1ر94 % من إجمالي موجودات القطاع المالي.
ومقارنة بدول المنطقة، أكد تقرير الاستقرار المالي لعام 2015، فإن الجهاز المصرفي الأردني يعتبر كبيرا نسبة لحجم الاقتصاد الأردني، حيث بلغت موجودات البنوك المرخصة في نهاية العام 2015 ما قيمته 2ر45 مليار دينار، مشكلة ما نسبته 7ر169 % من الناتج المحلي الإجمالي.
أما بخصوص تجاوب البنوك مع الطلب على الائتمان، فقد لوحظ حدوث تحسن عليه حيث انخفضت نسبة طلبات الائتمان المرفوضة من قبل البنوك إلى حوالي 15 % في العام 2015 من 8ر15 % في العام 2014 وذلك بعد أن كانت حوالي 8ر26 % في العام 2012، “وهي نتيجة طبيعية للظروف الاقتصادية الصعبة التي مرت بها المملكة في العام 2012 والتحسن النسبي الذي شهدته السنوات اللاحقة”.
وبحسب التقرير فإن أبرز المؤشرات التي تدل على منعة وسلامة الجهاز المصرفي في الأردن وقدرته على تحمل الصدمات والمخاطر المرتفعة تمتعه بنسبة كفاية رأسمال مرتفعة، حيث تعد الأعلى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
حيث تراوحت نسبة كفاية رأس المال للجهاز المصرفي في الأردن ما بين 18-21 % خلال الأعوام 2007-2015، وهي بشكل عام أعلى وبهامش مريح من النسبة المحددة من قبل البنك المركزي والبالغة 12 % والنسبة المحددة من لجنة بازل والبالغة 8 %، هذا وقد ارتفعت نسبة كفاية رأس المال في نهاية العام 2015 لتصل إلى 1ر19 % مقارنة مع 4ر18 % في نهاية العام 2014.
كما واصلت نسبة الديون غير العاملة إلى إجمالي الديون انخفاضها في العام 2015 لتصل إلى 9ر4 % مقابل 6ر5 % و8ر6 % و7ر7 % للأعوام 2014 و2013 و2012 على التوالي، كما بلغت نسبة تغطية المخصصات للديون غير العاملة حوالي 75 %، حيث يحتل الأردن مرتبة متوسطة بين عدد من دول المنطقة بهذه النسبة.
يتمتع الجهاز المصرفي الأردني بسيولة آمنة حيث شكلت الموجودات ذات السيولة العالية حوالي 52 % من إجمالي الموجودات في نهاية العام 2015 وهي نفس النسبة تقريبا للعام 2014، مما يدل على استقرار مستوى السيولة لدى البنوك.
وقال التقرير إنه ما يدل على سلامة ومنعة الجهاز المصرفي هو المحافظة على مستويات جيدة من الربحية؛ حيث بلغ معدل العائد على الموجودات لدى الجهاز المصرفي في الأردن 3ر1 بالمائة في العام 2015 مقابل 4ر1 بالمائة في العام 2014، كما بلغ معدل العائد على حقوق الملكية 3ر10 بالمائة في العام 2015 مقابل 11 بالمائة في العام 2014.
وجاء هذا الانخفاض بشكل رئيس نتيجة ارتفاع نسبة ضريبة الدخل على البنوك من 30 بالمائة في العام 2014 إلى 35 بالمائة في العام 2015.
وأشار التقرير إلى انخفاض التركز وارتفاع مستوى التنافسية في القطاع المصرفي؛ حيث شكلت موجودات أكبر خمسة بنوك من أصل 25 بنكا ما نسبته 9ر53 بالمائة من إجمالي موجودات البنوك المرخصة مقابل ما يقارب 60 بالمائة قبل 10 سنوات، ويعود هذا التحسن بشكل رئيس إلى قيام البنوك بتطوير أعمالها ومنتجاتها لزيادة قدرتها التنافسية بالإضافة الى زيادة عدد البنوك بعد دخول ثلاثة بنوك جديدة في العام 2009.
وبين التقرير أن نتائج اختبارات الأوضاع الضاغطة التي تستخدم لقياس قدرة البنوك على تحمل الصدمات، أظهرت أن الجهاز المصرفي الأردني قادر بشكل عام على تحمل الصدمات والمخاطر المرتفعة، حيث تم وضع سيناريو افتراضي يتمثل بتفاقم الظروف الاقليمية المحيطة بالمملكة بشكل أكبر واستمرار انخفاض أسعار النفط وتأثيرها على الأوضاع المالية لدول الخليج العربي بشكل واضح وانتقال الأثر للأردن على شكل تراجع ملحوظ في حوالات العاملين الأردنيين في هذه الدول وانخفاض حجم المساعدات من دول الخليج وانخفاض الدخل السياحي والاستثمار المباشر.
وأكد أن هذه الحالة أدت إلى تراجع النمو الاقتصادي في المملكة وزيادة مستويات البطالة وتراجع السوق المالي، حيث بينت نتائج الاختبارات أن نسبة كفاية رأس المال للقطاع المصرفي في الأردن ستبلغ بافتراض حدوث السيناريو أعلاه 17 و1ر14 و1ر12 بالمائة للأعوام 2016، 2017 و2018 على التوالي، أي أنه وبافتراض اسوأ السيناريوهات فإن نسبة كفاية رأس المال ستبقى أعلى من الحد الأدنى المطبق في الأردن والبالغ 12 بالمائة والحد الأدنى المحدد من لجنة بازل والبالغ 8 بالمائة.
أما بخصوص تطورات القطاع غير المالي ومخاطره، فقد بين التقرير أن نسب مديونية الأفراد إلى دخلهم وإلى صافي ثروتهم في ارتفاع مستمر خلال السنوات الخمس الأخيرة، حيث بلغت هاتان النسبتان في العام 2015 حوالي 69 و60 بالمائة على التوالي مقارنة مع حوالي 54 و38 بالمائة للعام 2010، ما يدل على حدوث ارتفاع ملحوظ في مخاطر إقراض هذا القطاع نتيجة ارتفاع حجم مديونية الأفراد بشكل يفوق النمو في دخلهم وصافي ثروتهم، ما يستدعي من البنوك التنبه لمخاطر اقراض هذا القطاع ودراسة التوسع فيه بشكل يأخذ بعين الاعتبار تطور هذه المخاطر.
وفي سياق آخر، حافظت الشركات غير المالية وتحديداً الشركات الخدمية والصناعية على استقرار أوضاعها المالية المتمثل بارتفاع حجم موجوداتها وأرباحها على الرغم من الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة في المنطقة وتأثيراتها على الأردن، في حين شهد قطاع الشركات العقارية تراجعاً واضحاً في حجم أعماله وربحيته ما يزيد من مخاطر إقراضه، إلا أنه وبنفس الوقت فقد تراجع حجم مديونيته مما يقلل من مخاطر تعرض البنوك لهذه المديونية.
وعلى صعيد القطاع العقاري في الأردن وتعرض البنوك العاملة في الأردن لمخاطر هذا القطاع؛ بين التقرير أن التسهيلات العقارية أو بضمانات عقارية شكلت ما نسبته 6ر35 بالمائة من إجمالي التسهيلات الممنوحة من قبل البنوك، حيث بلغت التسهيلات الائتمانية الممنوحة للقطاع العقاري لأغراض سكنية وتجارية ما قيمته 53ر4 مليار دينار في نهاية العام 2015 مشكلة ما نسبته 4ر22 بالمئة من إجمالي التسهيلات الممنوحة من قبل البنوك مقارنة مع 49ر3 مليار دينار في نهاية العام 2014 وبنسبة نمو بلغت 15 بالمائة.
وبشكل عام وبالرغم من ارتفاع نسبة التسهيلات العقارية أو بضمانات عقارية إلا أن القيمة التقديرية للعقارات المرهونة تزيد بهامش جيد عن قيمة التسهيلات الممنوحة، حيث تغطي الضمانات العقارية حوالي 151 بالمائة من حجم التسهيلات العقارية الأمر الذي سيعزز من قدرة البنوك على مواجهة مخاطر هذه التسهيلات، وبنفس الوقت ومن خلال متابعة الرقم القياسي لأسعار العقارات نجد أن نسب ارتفاع المؤشر في الأردن لا تزيد كثيرا عن نسب التضخم العام.
كما أن ارتفاع أسعار العقارات شهد تباطؤا في العام 2015 انسجاما مع تراجع التضخم إلى مستويات سالبة، من ناحية أخرى استمر البنك المركزي بمراقبة تطورات نسبة القرض إلى قيمة العقار المرهون نظرا لأهميتها في تقدير مستوى تعرض البنوك لمخاطر السوق العقاري.
وبلغ متوسط الحد الأعلى لنسبة القرض إلى قيمة العقار المرهون لدى البنوك المرخصة 85 بالمائة حيث احتل الأردن الترتيب الخامس في ارتفاع هذه النسبة بين ثلاث عشرة دولة تمت المقارنة معها، أما المتوسط الفعلي فبلغ حوالي 66 بالمائة في نهاية العام 2015، ما يدل على أنه وبالرغم من ارتفاع الحد الأعلى الممكن تمويله كنسبة من قيمة العقار وفقا لسياسات البنوك الائتمانية، الا أنه على أرض الواقع فإن البنوك تقوم بتمويل نسبة أقل علماً بأن انخفاض هذه النسبة يزيد من قدرة البنوك على استرداد أموالها في حال تعثر المقترضين عن السداد.
إلا أنه وبنفس الوقت وأخذا بالاعتبار ارتفاع نسبة مديونية الأفراد إلى دخلهم فإن البنوك بحاجة إلى التأني ودراسة تطور هذه المخاطر بشكل أكبر عند التوسع في إقراض قطاع الأفراد والقطاع العقاري بشكل عام.
اما فيما يتعلق بالبنية التحتية للنظام المالي والتشريعات المالية ذات العلاقة، فقد ركزت جهود البنك المركزي على تعزيز الاشتمال المالي بشكل حصيف ومدروس وتعزيز المنظومة التشريعية للنظام المالي، فعلى صعيد تعزيز الاشتمال المالي فقد بدأ البنك المركزي بالتعاون مع الأطراف الأخرى ذات العلاقة في القطاعين العام والخاص بإعداد استراتيجية وطنية للاشتمال المالي تهدف الى تعزيز وصول كافة شرائح المجتمع الى الخدمات المالية المقدمة من القطاع المالي الرسمي وبحيث يتم تقديم هذه الخدمات بصورة عادلة وشفافة ومسؤولة، وستشمل هذه الاستراتيجية تحليلا للوضع القائم وتحديد جميع العقبات التي تقف في طريق تحقيق الاشتمال المالي.
وقال البنك في التقرير إنه سيقدم أهدافا يمكن قياسها وتحقيقها ضمن إطار زمني محدد وآلية واضحة لقياس نجاح التطبيق والإنجازات المأمولة، حيث بين التقرير الاجراءات والجهود التي قام بها البنك المركزي لتعزيز الاشتمال المالي، والتي منها التعاون مع وزارة التربية والتعليم ومؤسسة انجاز بإطلاق مشروع لنشر وتعميق الثقافة المالية في المملكة؛ حيث تم البدء بتدريس منهاج الصف السابع اعتباراً من العام الدراسي 2015/2016 وسيتم البدء بتدريس منهاج الصف الثامن والحادي عشر اعتباراً من العام الدراسي 2017/2016.
كما يدرس البنك المركزي حاليا إنشاء دائرة / وحدة مستقلة في البنك لتتولى موضوع حماية المستهلك المالي ليشمل ذلك حماية عملاء البنوك وجميع المؤسسات المالية الخاضعة لرقابة البنك المركزي وذلك بعد أن خطا البنك خطوة مهمة بهذا الخصوص تمثلت بإخضاع مؤسسات التمويل الأصغر لرقابته وبدء التحضير لنقل الرقابة على قطاع التأمين إلى البنك المركزي وتوجه البنك المركزي لدراسة توسيع مظلته الرقابية لتشمل جميع المؤسسات المالية غير المصرفية غير الخاضعة لجهة رقابية محددة.
وقام البنك المركزي بتطوير أنظمة الدفع والتقاص والتسويات لديه، حيث باشر بعملية تطوير وإعادة هيكلة لنظم الدفع والتسويات في المملكة بالتشارك مع البنوك في الأردن والشركاء ذوي العلاقة حيث تم اطلاق نظام الدفع بالهاتف النقال ونظام عرض وتحصيل الفواتير إلكترونيا.
كما قام البنك المركزي بتاريخ 15 كانون الأول (ديسمبر) 2015 بمنح الموافقة لترخيص أول شركة معلومات ائتمانية والتي ستوفر قاعدة معلومات ائتمانية شاملة عن عملاء البنوك والشركات المالية الأخرى التي تقدم الائتمان الأمر الذي سينعكس بشكل إيجابي على تحسين فرص الحصول على التمويل خاصة للشركات الصغيرة والمتوسطة وبما ينعكس على تعزيز الاشتمال المالي في المملكة.
وبين التقرير أن البنوك في الأردن لن تواجه أية مشاكل أو صعوبات في تطبيق متطلبات رأس المال في معيار بازل 3 نتيجة ارتفاع نسب كفاية راس المال لدى البنوك في الأردن والتي تعد الأعلى في المنطقة وتمتع البنوك في الأردن برأس مال عالي الجودة يتكون معظمه من حقوق حملة الأسهم العادية.
وعلى صعيد آخر، قال التقرير أنه من غير المتوقع أن يكون لانخفاض أسعار النفط أثر سلبي على الاستقرار المالي بل على العكس فقد بين التحليل الإحصائي بأنه قد يكون له أثر إيجابي طفيف، ويمكن تفسير ذلك بأن انخفاض أسعار النفط يزيد من الدخل المتاح للأفراد ما قد يزيد من قدرتهم على سداد مديونتهم تجاه البنوك والشركات المالية، إلا أن هذا الأثر قد يختلف اعتمادا على حجم وطول فترة الانخفاض في أسعار النفط والأثر النهائي على حوالات العاملين وعلى النمو الاقتصادي في المملكة.
يذكر أن البنك المركزي اصدر تقرير الاستقرار المالي للعام 2015 في نسخته الرابعة منذ تأسيس دائرة الاستقرار المالي، وذلك بهدف متابعة الأوضاع المالية للبنوك والمؤسسات المالية على المستوى الكلي وعلاقتها بالأوضاع والتطورات الاقتصادية ومدى ملاءمتها للظروف والمستجدات، ونشره على موقعه الإلكتروني www.cbj.gov.jo. -(بترا)