خاصمقالات

تعليم البرمجة في المدارس….. أراكم بعد عشر سنوات

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي

* حنان خضر

“ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟”
لقد سُئِلنا هذا السؤال مرارا” و تكرارا” عندما كنّا أطفالاً، و كان الجواب المنطقي مقولباً بشكل مسبق على صورة ما يسمى بالوظيفة:
“أريد أن أعمل طبيباً… مهندساً … مدرساً … محاسباً … الخ…”
في الحقيقة، اننا ما زلنا نسأل هذا السؤال لأطفالنا حتى يومنا هذا، الأمر الذي يدل على عدم فهمنا للحقيقة الصعبة، حقيقة أن البطالة هي رفيق السوء للوظيفة. هذا الرفيق الذي لم و لن ينفك عن مفهوم الوظيفة.
الغريب أن هذا الاقتران بين الوظيفة و البطالة واضح جداً، فتجدنا نقول عن الشاب الذي ما زال يبحث عن “وظيفة” بأنه عاطل عن العمل؟ و أن المرأة الغير موظفة هي “ربة منزل” – الكلمة المرادفة ل”عاطلة عن العمل” فلا فرق بينهما في نظر المجتمع.
و تجدنا ما زلنا نرضع أطفالنا مع حليب أمهاتهم مفهومنا التقليدي عن الوظيفة و الامان الوظيفي، و نحذّر من صديق السوء المرافق لها دوماً “البطالة”؟
اعتقد بانه قد آن الأوان لأن نعي الحقيقة المرة ألا و هي أننا بأنفسنا نربي أطفالنا و البطالة مع بعضهم البعض، فكلما كبروا، كبر شبح البطالة، فإما أن تكون موظفاً أو تكون عاطلاً. اختر واحدة فقط، فليس لديك خيار آخر.
الريادة … المفهوم السحري
إنها كلمة سحرية، “الريادة”… في معجم المفاهيم، فإنها عكس مفهوم البطالة، و عكس مفهوم الكساد الاقتصادي، و عكس مفهوم العالم المتأخر… هذه الكلمة ذات الأثر السحري ستجعلنا نسأل أطفالنا:
“ما المشكلة التي تريد أن تحلها عندما تكبر؟” أو “ما الاختراع الذي تريد أن تبتكره عندما تكبر؟”
بدلاً من: “ماذا تريد أن تكون وظيفتك عندما تكبر؟”
كلمة تحمل في طياتها صندوقا للعجائب، فهي “ريادة”، و هم “رياديون”، و حدودها لا حدود لها.
لن أتحدث اليوم عن الريادة، و لكنني بدأت من حيث يجب أن تكون النهاية.
لماذا عندما نقول ريادة نقول تكنولوجيا؟
أسمع هذا السؤال أحيانا” بصريح عبارته من قبل من يدرك مصطلح الريادة، و أحياناً أخرى استنبطه استنباطاً ممن لم يسمع بهذا المصطلح من قبل.
في كلتا الحالتين، فإن السؤال واضح بالنسبة لي، و جوابه واحد.
تخيل معي بأن “الريادة” هو اسم لجامعة فيها العديد من الكليات و التخصصات. تتميز هذه الجامعة بالإبداع و الابتكار و الخروج عن القولبة و سرعة الأداء و قبول التحديات و أخذ المجازفة.
التكنولوجيا هي احدى كليات هذه الجامعة، ولكن في المقابل، هناك كليات و تخصصات اخرى كثيرة، مثل الزراعة، و الفنون، و الطب، والاقتصاد، و السياحة، و الكيمياء و الفيزياء و الأحياء و غيرها الكثير.
و لأن من أهم ميزات الريادة هو الابتكار، فالتكنولوجيا هي علم ما زال في عهده الجديد نسبياً، و ما زال حيز الابتكار فيه واسع جدا”، و كأنها تقول: هلموا إليّ.
و لكن بطبيعة الحال فإن الابتكار موجود أيضاً في جميع تخصصات هذه الجامعة، و هناك متسع كبير لديهم ليكسروا قيود التفكير التقليدي و الحلم بالوظيفة، لينطلقوا الى الابتكار و الإبداع و التحليق في عالم الريادة.
هل هذا يعني أن طلاب تخصص التكنولوجيا “أشطر”؟
الجواب لا. و لكنهم “الأنشط” في عصرنا هذا. و لأن التكنولوجيا أساس باتت تعتمد عليه جميع القطاعات الأخرى، فأبدع طلابها بإيجاد حلول و أفكار تحل مشاكل في القطاعات المختلفة، فأصبح طلاب هذه الكلية هم “الأشهر” أيضاً.
إذاً فهم ليسوا “الأشطر”، و لكنهم “الأنشط” و “الأشهر”.
لماذا عندما نقول تكنولوجيا نقول برمجة؟
هل هناك من يزال يظن أن التكنولوجيا رفاهية و ليست أساساً للعيش اليوم؟
كيف لا، و نحن ننام و نستيقظ على تطبيق المنبه في هاتفنا الذكي (برنامج). نأكل و نشرب حسب وصفات مقدمة إلينا من تطبيق (أيضاً برنامج)، نتواصل و نرحب ببعضنا البعض عبر الواتساب (برنامج)، نعبر عن آرائنا عبر تويتر و الفيسبوك (برامج)، نحدد الأخبار التي تهمنا لنقرأها عبر تطبيق (برنامج)، نتصفح الانترنت عبر متصفح (أيضا برنامج)، نسيطر على أوزاننا و صحتنا عبر تطبيق (برنامج)، شركاتنا تخدم عملائها باستخدام (برنامج)، تنظيم حساباتنا و خططنا المالية (برنامج)، و غيرها ما لا يعد و لا يحصى.
إن آلية صناعة هذه البرامج تسمى “البرمجة”، تبنى على علم اسمه “علوم البرمجة” ، جديد نسبياً مقارنة بالطب و اللغات و الفلسفة و الفلك و الفيزياء، و غيرها من العلوم المخضرمة التي بدأت منذ زمن بعيد.
إنَّ علم البرمجة، هو عَصب التكنولوجيا، فمن أتقنه، استطاع أن يدخل في صناعة التكنولوجيا كلها: السيارات، الطائرات، المستشفيات، البنوك، التجارة، الروبوتس… الخ.
و لك أن تدرك حجم الحاجة للبرامج المختلفة في المستقبل، و عليه لك أن تدرك لماذا و في ماذا يجب علينا أن نستعد.
تعليم البرمجة في المدارس
قررت حكومتنا اليوم اعتماد مناهج متخصصة في تعليم علم البرمجة منذ المرحلة الابتدائية في المدارس. فبدأ هذا الطفل الذي يبلغ اليوم ٨ سنوات بتعلم البرمجة.
بعد عشر سنوات أصبح هذا الطفل شابا” عمره ١٨ سنة، بين قوسين أصبح “المستقبل”. المستقبل الذي سيصنع لنا مستقبلنا.
هذا الطفل الذي تعلم منذ صغره أن ينتج بدلاً من أن يستهلك، تربى و تعلم كيف يحوّل فكرته إلى حقيقة… فكرته التي يملكها هو و يؤمن بها، و ربما يكون هو وحده فقط من يؤمن بها … ماذا سيصنع لنا بعد عشر سنوات؟ أو بالأحرى خلال العشر سنوات القادمة..
أراكم بعد عشر سنوات…
لم تقرر حكومتنا اليوم اعتماد مناهج متخصصة في تعليم البرمجة منذ المرحلة الابتدائية، و لم يتعلم الطفل كيف يصنع، و لم يعِ حقيقة أن هذه البرامج التي يستخدمها يمكنه صنعها أو صنع ما هو أفضل منها، و استمر في الاستهلاك ثم الاستهلاك ثم الاستهلاك حتى استُهلِك… فأصبح إما موظفاً أو عاطلاً عن العمل، يعيش في قوقعة اللا شيء….
أراكم بعد عشر سنوات…

* ريادية اردنية
المؤسسة والمديرة التنفيذية لأكاديمية ” هللو ورلد كيدز” المتخصصة في تعليم البرمجة للأطفال

_

يمتلك مبيضين خبرة تقارب الـ 10 اعوام في مجال العمل الصحافي، ويعمل حاليا، سكرتير تحرير ميداني في صحيفة الغد اليومية، وصحافيا متخصصا في تغطية أخبار قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الملكية الفكرية، الريادة، والمسؤولية الإجتماعية. ويحمل مبيضين شهادة البكالوريوس من جامعة مؤتة – تخصّص ” إدارة الأعمال”، كما يعمل في تقديم إستشارات إعلامية حول أحداث وأخبار قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأردني. Tel: +962 79 6542307

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى