مقالات

معضلة سوق العمل والتشغيل: ظاهرها البطالة وباطنها أعظم

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي- د. حازم رحاحلة*

هناك جملة من المعطيات الاقتصادية والاجتماعية التي تؤكد حدوث انتكاسات كبيرة على صعيد توظيف وتشغيل الأردنيين.
فتباطؤ النمو الاقتصادي على مدار السنوات الاخيرة وضعف مستويات الاستثمار المدفوعة بضعف ثقة المستثمرين والمستهلكين وارتفاع مستويات الفقر والظروف الجيوسياسية التي تمر بها المنطقة وما ترتب عليها من تحديات اقلها تدفق اللاجئين وغيرها من الاعتبارات تفضي ضمنيا الى حدوث ارتفاعات ملحوظة في معدلات البطالة؛ اذ لم يعد يخفى على أحد حجم الصعوبات التي يواجهها الشاب الأردني في الحصول على فرصة عمل، ليس فقط تلك التي تناسبه، وانما ايضا تلك التي تتقبله.
بطبيعة الحال، التصريحات الرسمية المتكررة عن الانجازات المتحققة على صعيد تشغيل الأردنيين والارقام المعلنة للبطالة والتطمينات الرسمية التي تصدر بين الحين والاخر لا تعكس بأي حال من الأحوال الحجم الحقيقي للمشكلة.
لا نريد هنا أن نتطرق لمدى واقعية تلك التصريحات والتطمينات، وإنما التعريج بعجالة على الارقام والمعطيات التي تعد خلاصة عملية لما آلت اليه الأمور خلال هذه الحقبة الزمنية التي تعد الاصعب والأكثر تحديا على مدار عقود.
معدل البطالة الذي تم التطرق اليه بإسهاب خلال الاشهر القليلة الماضية يؤكد دون أدنى شك على تأثر سوق العمل الأردني سلبا بهذه المعطيات. فمنذ العام 2011 ومعدل البطالة يتأرجح عند مسنويات تزيد 12 % باستثناء العام 2014 الذي وصل فيه معدل البطالة الى 11.8 % وصولا إلى اعلاها في الربع الأول من العام الحالي عند 14.6 %، وهذه معدلات تعتبر مرتفعة بمختلف المقاييس.
نعم هناك عدد من الدول ومنها المتقدمة التي تعاني من معدلات مرتفعة من البطالة تقترب من مستوياتها في الأردن، الا انها مدعومة في عدد من الحالات ببرامج حماية اجتماعية قادرة على انتشال المتعطلين من براثنها، وفي الدول التي لا تطبق مثل هذه البرامج فإنها تعاني من مشاكل اجتماعية وسياسية تهدد استقرارها واستمراريتها.
ارتفاع معدل البطالة خلال السنوات الخمس الماضية ليس المؤشر الوحيد الذي يعكس الحجم الحقيقي للمشكلة والمعاناة التي يلقاها الشاب الأردني للحصول على فرصة عمل تجعله قادرا على تلبية متطلبات حياته وتلهمه الشعور بأنه شخص منتج وقادر على الاسهام بتنمية بلده، بل هناك وجه آخر للمشكلة قد يعكس حالة أكثر احباطا.
فبحسب مسح العمالة والبطالة، هناك فئة من الأردنيين الذين مازالوا متاحين وجاهزين للعمل الا انهم فقدوا الأمل في الحصول على فرصة عمل ونأوا بأنفسهم في البحث عنها، وهؤلاء بحسب المعايير العالمية لا يعدون عند احتساب معدل البطالة ويصنفون على انهم غير نشطين اقتصاديا. ففي العام 2015 شكلت هذه الفئة نسبة ملحوظة من السكان غير النشطين ونسبة أكبر من النشطين اقتصاديا، وهذه الاخيرة تعد المؤشر الأهم على هذا الصعيد، فمن بين كل 100 أردني عامل أو متاح للعمل ويبحث عنه هناك نحو 4 أشخاص متاحين للعمل، ولكن لا يبحثون عنه لاسباب عديدة تتركز بشكل اساسي في فقدان الأمل في الحصول على فرصة عمل مناسبة، ومنهم من أرهقته عملية البحث عنها ومنهم من يعتقد بافتقار السوق الأردني لفرص العمل المناسبة.
واذا ما تم ادراج هذه الفئة ضمن الفئة النشطة اقتصاديا وضمن المتعطلين عن العمل، فإننا نتحدث اليوم عن معدل بطالة وصل في العام 2015 الى نحو 17.1 % والى 18.4 % في الربع الأول من هذا العام 2016.
الواقع يظهر أكثر قتامة ايضا عند الاخذ بعين الاعتبار التراجع الملحوظ في معدلات المشاركة الاقتصادية التي تراجعت بشكل مستمرعلى مدار السنوات الخمس الماضية، من نحو 39 % في العام 2011 وصولا الى 36.7 % في العام 2015 ومن ثم الى 35.6 % خلال الربع الأول من العام الحالي، وهذه جاءت مصحوبة ايضا بنسب متقاربة من السكان الذي يرغبون في العمل لكن دون البحث عنه.
وبطبيعة الحال، فإن جانبا من هذا التراجع الملحوظ في مشاركة الأردنيين في سوق العمل يمكن ان يعزى دون ادنى حرج إلى عوامل تتعلق بتضاؤل فرص العمل والاحباط الذي افضى الى عزوفهم كليا عن المشاركة في سوق العمل.
ولو افترضنا جدلا بان معدلات المشاركة الاقتصادية استمرت كما كانت عليه في العام 2011، فإننا نتكلم اليوم عن معدل بطالة يصل الى نحو 21.8 %.
الخلاصة، اننا نقف اليوم أمام مشكلة اعمق من البطالة تخفيها المعايير الدولية المعتمدة لاحتسابها، المشكلة اعمق بكثير تنم في باطنها عن حالة غير مسبوقة من الاحباط وفقدان الأمل!.
*خبير اقتصادي
الغد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى