مقالات

رمضان ومتلازمة الخوف من فقدان شيء ما !

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي * سائد يونس

يتميز العصر الذي نعيش فيه حالياً بالكم الهائل من المعلومات الذي يتضاعف بشكل مستمر ، وخصوصاً بوجود وسائل التواصل الاجتماعي ، حيث تنهال علينا المعلومات والأخبار والمواد السمعية والمرئية من كل الاتجاهات وبشكل غير مسبوق في تاريخ البشرية .

ومع حلول شهر رمضان ، يتضاعف هذا الكم بشكل مهول ، واضعاً الكثيرين تحت ضغط شديد ، فيصبحون بين نارين ؛ نار الخوف من أن يفوتهم شيء مما يُعرض ويُقدّم ، ونار تأنيب النفس وصوت الضمير الذي يصرخ في اعماقهم بين الفينة والأخرة ، مذكراً إياهم بالمعنى الحقيقي لرمضان ، فلا هم استمتعوا بشكل كامل ببرامجهم المفضلة ، ولا هم تذوقوا متعة العبادة والقرب من الله عز وجل !

علمياً ، تُسمى تلك الحالة النفسية التي يشعر صاحبها بالخوف من أن يفوته شيء أو أن كما يحلو لنا أن نسميه باللجهة العامية “خايف يروح عليه شي” ، متلازمة الخوف من فقدان شيء ما – أو “فومو Fear of Missing Out – FOMO” . ويُعرّف هذا النوع من الخوف بأنه : ذلك الخوف الناتج عن قلق الشخص المستمر من أن يعيش الآخرون أو يختبرون تجربة حياتية ممتعة وذات قيمة ، لا يكون هو متواجداً فيها ، أو احتمالية وجود حدث أو مناسبة ما شيّقة من حوله تحدث الآن ولكنه لا يعرف عنها ، وقد يصحب هذا الخوف شعور بالنقص وعدم الامان.

يمكننا أن نرى مظاهر هذا الخوف من حولنا بشكل واضح ، فمن منا لا يعرف صديقاً أو قريباً لا يهنأ له أو لها بال إلا إن حضر جميع المناسبات الاجتماعية من أفراح وأتراح وحفلات تخرج وزيارات وغيرها ، ويصاب بالذعر إن فاتته أية مناسبة صغيرة كانت أو كبيرة ؛ فيبدأ بالسؤال والاستفسار عن أدق التفاصيل ممن حضروها ، بطريقة بوليسية تحقيقية ، لأنه يريد أن يعرف كل شيء كما لو انه كان هناك .

يسلب الـ “فومو” من الشخص راحة باله ويزيده توتراً وقلقاً ، ويمنعه من العيش في اللحظة الحالية والاستمتاع بها ؛ لأن باله مشغول دوماًَ فيما حدث وما سيحدث وبين هذا وذاك تضيع منه أيامه في شدّ وجذب ، يعيش في عالم من الاحتمالات العقيمة ، ويفقد قدرته على المغامرة الحقيقية وتجربة أمور جديدة في حياته ؛ لأنه يظل حبيس فكره وخوفه ، ويتحول تدريجياً إلى ما يشبه الآلة دون جوهر حقيقي ، وكأن حياته تصبح “تلحيق بتلحيق وتركيض بتركيض” إلى ما لا نهاية .

ولعل هذا ما يفسر إدمان العصر الحديث ؛ ألا وهو الإدمان على الإنترنت والهواتف الذكية ، ونرى هذا كذلك في عالم السوشيال ميديا ، فإن لم نكن نحن ، فمن المؤكد أننا نعرف شخصاً أو أشخاصاً ، لا يمكن أن يرتاحوا إلا إن تابعوا كل ما يجري حولهم من احداث وأخبار ، وكانوا على اطلاع دائم بما يفعل أصدقاؤهم وأقاربهم ، وغالباً ما تكون متابعتهم من النوع الصامت السلبي ؛ أي دون تفاعل مع الآخرين أو تعليق أو مشاركة ، وقد تتطور هذه الرغبة المُلحّة فتصبح إدماناً يُدخل صاحبه في دوامة مفرغة من الجري وراء الأحداث والأخبار ، ووسواساً قسرياً يحول حياة الشخص إلى جحيم ، فتراه على علم بتفاصيل حياة الآخرين ، ولكنه قد نسي أن يعيش حياته هو ، وأن يستمتع بوقته كما يحب ، وكيف يمكنه ذلك وهو خائف باستمرار من أن يفوته شيء ما من حوله !

ونرى ذلك أيضاً في كثير من الأشخاص المثقفين أو المهتمين بمواضيع التنمية البشرية والتطوير الذاتي ، فإن اختلف شكلاً عن الـ “فومو” الاجتماعي ، إلا أنه لا يختلف مضموناً ، فستجد منهم من لا يرتاحون إلا إن حضروا كل المحاضرات والوُرش والدورات واشتروا كل ما تصل إليه أيديهم وجيوبهم من كتب ومواد سمعية ومرئية ، وتابعوا كل المدربين والمحاضرين في السوشيال ميديا ، وإن بدا هذا السلوك إيجابياً في ظاهره ، لكنه قد يتطور ليحمل كل خصائص الخوف المرضي من أن يفوتهم شيء ما ، ومن أبرز ما يميز هذا النوع من الخوف هو أن صاحبه سيظل يلهث وراء أحدث التطورات والمنتجات ولن يرتاح ؛ لأنه بمجرد حصوله على ما يريد سيكون هناك ما هو أحدث وأكثر جاذبية ، وإن لم يتمكن من كسر حلقة الخوف هذه سيظل يطوف فيها دون جدوى .

لعب محترفوا التسويق على هذا الوتر الحساس منذ زمن ، واستغلوا نقطة الضعف البشرية هذه في تسويق منتجاتهم وأفكارهم وحث الناس على شرائها ، لذلك كثيراً ما يتم التركيز في الإعلانات الترويجية والعروض التسويقية على أفكار تستثير الـ “فومو” مثل: لحق حالك ، اشترِ قبل فوات الأوان ، يسري هذا العرض لمدة محدودة ، عرض ليوم واحد فقط .. إلخ . وكذلك تم استغلاله في تصميم المنتجات والخدمات ذاتها ، ومن أمثلة ذلك الشهرة الكبيرة التي حققها تطبيق التواصل الاجتماعي سناب شات الذي يتم شطب المشاركات المنشورة فيه بعد 24 ساعة ، مما يدفع مستخدمي هذا التطبيق إلى المتابعة اليومية لآخر ما ينشره الأصدقاء والمشاهير والمؤثرين .

قد يستسيغ البعض الفكرة السابقة ؛ ليسارعوا بإلقاء اللوم على المُسوّقين والشركات ورواد الأعمال ويحملوهم مسؤولية توترهم وتعبهم وتعاستهم ، ولكن هذا لا يعفينا بأي شكل من الأشكال من المسؤولية الشخصية تجاه حياتنا واختياراتنا ، ففهم أولئك لعلم النفس واستغلاله لتحقيق أهدافهم ومصالحهم هو نقطة تُحسب لصالحهم ، ويبقى علينا نحن أن نفهم نحن أنفسنا جيداً ونوظّف علم النفس ذاته في تحقيق أهدافنا وطموحاتنا ورعاية مصالحنا وصولاً إلى الحياة السويّة السعيدة المتزنة.

في علم النفس ، إدراك المشكلة والاعتراف بها هو نصف الحل ويمهد الطريق للنصف الثاني منه ، فبمجرد أن ندرك أن بعض سلوكاتنا ناتجة عن هذا النوع من الخوف ، ونراقب أنفسنا وردود أفعالنا ، تبدأ رحلة التشافي الحقيقي ، طول هذه الرحلة أو قصرها يعتمد على وعينا ومدى جديّتنا ، فإن تعاملنا مع الموضوع بوعي ومحبة وهدوء ، دون جلد للذات أو إصدار أحكام سلبية على أنفسنا ، عندها ستكون هذه الرحلة سريعة وفعالة ، وأحياناً يكون الحل بأن نذكر أنفسنا باستمرار أنه لا داعٍ للقلق فكل شيء سيكون على ما يرام ، وأن نذكر أنفسنا أنه لن يفوتنا شيء لنا فيه نصيب ؛ كما ورد في حديث عبدالله بن عباس: “احفظ الله تجده أَمامك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك فـي الشدة، واعلم أَن ما أَخطأَك لم يكن ليصيبك ، وما أَصابك لم يكن ليخطئك ، واعلم أَن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسرِ يسرا”.

* باحث ومدرّب في ريادة الاعمال

_

يمتلك مبيضين خبرة تقارب الـ 10 اعوام في مجال العمل الصحافي، ويعمل حاليا، سكرتير تحرير ميداني في صحيفة الغد اليومية، وصحافيا متخصصا في تغطية أخبار قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الملكية الفكرية، الريادة، والمسؤولية الإجتماعية. ويحمل مبيضين شهادة البكالوريوس من جامعة مؤتة – تخصّص ” إدارة الأعمال”، كما يعمل في تقديم إستشارات إعلامية حول أحداث وأخبار قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأردني. Tel: +962 79 6542307

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى