خاصمقالات

ثلاثية رمضان والعمل الخيري والإستدامة

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي – إبراهيم المبيضين

مع دخولنا في اول ايام شهر رمضان المبارك، الذي ترتفع أجواؤه الدينية والروحانية بمشاعر الفرد وسلوكياته نحو مزيد من الإندماج والقرب من شرائح الفقراء والمحتاجين والأيتام، سنشهد – مثل كل عام- تزاحما في المبادرات والبرامج التي ينفذها افراد، او شركات من القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني والجمعيات، او من المؤسسات حكومية، وتتضمن تنظيم افطارات جماعية وتوفير الطعام والملبس لمن عاندتهم ظروف الحياة وتقلباتها ورمت بهم في احضان الفقر والجوع والاحتياج.

مشاهد لا ننكر أهميتها على الاطلاق، فيما تعكسه من صور لتكافل وتلاحم المجتمع، عندما يشعر الغني بالفقير، وتندمج مؤسسات بانشطة تطوعية خارج نطاق عملها الرسمي ما يسهم في انخراطها أكثر بالمجتمع الذي تعيش فيه، وخصوصا تلك الشرائح التي لا تلقى قوت يومها في بلد تقدر فيه نسبة الفقر بنحو 20%، ونسبة البطالة بنحو 15%.

جميلة وخيّرة تلك المبادرات التي تشمل تنظيم موائد افطار جماعية للفقراء ، الأيتام ، والشرائح المحرومة ، التبرع بأشكال مختلفة منها النقدي والمعنوي، والتبرع بالملابس، أو وجبات الطعام أو مستلزمات البيوت الأخرى، فهي تخلق علاقة طيبة ومشاعر من الرضا والتعاضد بين الطرفين: المتبرع، ومتلقي العون والمساعدة، وتلغي الكثير من الاختلافات بين الافراد ليظهر المجتمع بصورة تشاركية تمتلأ بأجواء الرحمة والاحساس بالاخر.

لكن هذه المبادرات ان بقيت مقتصرة على شهر رمضان، دون محاولة تمديد اثرها على باقي شهور السنة، او لمديات طويلة بتوفير مصادر رزق دائمة لتلك الشرائح المحرومة، فهي لا تصنف الا تحت بند ” العمل الخيري” او ” التبرع” القائم على نظام ” الفزعة” ، ولا يجوز ادراجها تحت باب المسؤولية الاجتماعية الحقيقة والاستدامة، فالفارق كبير بين تلك المصطلحات رغم انطلاقها جميعا من دوافع مشتركة نابعة من المبادئ الأخلاقية وعمل الخير للمجتمعات المحلية ومساعدتها في سد احتياجاتها الأساسية.

إن النشاطات والمبادرات التي يتم تنفيذها خلال شهر رمضان المبارك يجب أن تندرج تحت مظلة برنامج متكامل وخاص بالمسؤولية الاجتماعية لكل مؤسسة. فتلك النشاطات لا يجب أن تكون مبنية على أساس ارتجالي آني أو موسمي فقط خلال الشهر الفضيل، فنشاطات دعم الفقراء يجب أن يكون لها آثار مستدامة طويلة الأمد لا تقتصر على إقامة إفطارات أو تبرعات مالية فحسب وذلك بالعمل على تحسين المستوى المعيشي للأسر الفقيرة من خلال توفير فرص عمل ومصادر رزق مستدامة لافراد تلك الأسر.

من المهم تبني برامج مسؤولية اجتماعية ونهج استدامة يتضمن العديد من المبادرات المتواصلة طيلة شهور السنة، فالمسؤولية الاجتماعية يجب ان تنبثق من استراتيجية الشركة ورسالتها، وتشمل برامج ومبادرات تمس كل من له علاقة بالشركة أو المؤسسة من موظفين، ومجتمعات محلية، بيئة داخلية وخارجية، عملاء، كما يجب ان تنفذ بناء على خطة توضع من بداية العام وتنفذ طيلة شهور السنة بما فيها شهر رمضان المبارك.

فعلى الشركات أن لا تتبنّى برامج المسؤولية الاجتماعية للمجتمع بشكل اني وكأنها عبء عليها، بل يجب أن تنظر إليها كواجب يمليه عليها واجبها في المساهمة في التنمية الاقتصادية وكشكل من أشكال ردّ الجميل للمجتمع الذي أسهم في تطور أعمالها وتشكيل أرباحها، ولذا يجب أن تركّز الشركات على المبادرات والمشاريع التي تحدث تأثيراً طويل المدى في المجتمع أو حياة الفرد الاجتماعية والاقتصادية، فليس أفضل من أن تمس برامج المسؤولية الاجتماعية قضايا البطالة والفقر والمساعدة على تحويل المشاريع الريادية الى إنتاجية، فضلاً عن أهميتها في دخولها قطاعات التعليم والصحة وتوفير المسكن.

يجب علينا ان ندرك بان المسؤولية الاجتماعية ليست “عملا موسمياً”، وهي تختلف في الأهداف والتأثيرات الإيجابية الكبيرة بعيدة المدى عن العمل الخيري أو التبرع المالي الآني، فالمسؤولية الاجتماعية تحت نهج الاستدامة يجب ان تنبثق من استراتيجية ورسالة الشركة، لتكون أساساً حقيقيا للتنمية الاقتصادية الاجتماعية المستدامة التي تعم خيراتها على كل الأطراف؛ الفرد، المجتمع، الحكومات، الاقتصاد، والشركات والمؤسسات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى