تظل الفجوة بين التعليم الأكاديمي ومتطلبات سوق العمل واحدة من أكبر التحديات التي يواجهها الخريجون في الأردن. يجد الخريجون صعوبة في الحصول على وظائف لعدم امتلاكهم المهارات العملية التي يحتاجها السوق. هذه الفجوة لا تقتصر فقط على نقص الخبرات العملية، بل تتعلق أيضًا بالفرق الكبير بين ما يتعلمه الطلاب في قاعات الدراسة وما يتطلبه سوق العمل من مهارات تطبيقية.
تُركز الكثير من الجامعات على تقديم المعرفة النظرية في التخصصات الأكاديمية، ولكن سوق العمل في الوقت الحالي يحتاج إلى مهارات عملية تساعد في التعامل مع الواقع المهني بشكل مباشر. الخريج الذي يتخصص في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي أو التسويق الرقمي لا يكفيه مجرد دراسة الأدوات التقنية في الكتب، بل يحتاج إلى القدرة على استخدامها في بيئات حقيقية. على سبيل المثال، الخريج الذي درس الذكاء الاصطناعي في قاعة المحاضرات دون أن يطبق عمليًا نماذج مثل التعلم الآلي أو الأدوات الحديثة التي يستخدمها المحترفون في السوق سيواجه صعوبة في الاندماج في العمل.
رغم الجهود الكبيرة التي بذلت في سبيل معالجة هذه المشكلة، إلا أن معظم المبادرات لم تحقق نتائج ملموسة حتى الآن. إحدى المبادرات التي ظهرت مؤخرًا هي “التمهين”، التي تهدف إلى توفير بيئة تعليمية تربط بين المعرفة الأكاديمية والتطبيق العملي. تهدف مبادرة التمهين إلى ربط الدراسات الجامعية بمتطلبات سوق العمل من خلال مؤهلات مهنية أو شهادات تخصصية، تهدف إلى توثيق مهارات ومعرفة محددة في مجالات معينة. هذه الشهادات عادة ما يتم الاعتراف بها من قبل الهيئات الصناعية وأرباب العمل كدليل على المعرفة العملية والمتجددة في تلك المجالات، مما يساهم في تعزيز جاهزية الخريجين لمتطلبات السوق ويسهل انتقالهم إلى بيئة العمل بشكل فعال. إلا أن هذه المبادرة قد تحمل بعض السلبيات، حيث تفرض عبئًا ماليًا إضافيًا على الطلاب، مما قد يشكل تحديًا للكثير منهم. والأهم من ذلك، أن هناك فئة معينة ستكون هي المستفيدة من هذه الشهادات، وهي الفئة التي ستكون مستعدة لإتمام هذه الشهادات حال إقرار القانون، مما يؤثر على العدالة في الفرص.
الجامعات التي تبنت هذه المبادرة بدأت في دمج الخبرات العملية في البرامج الدراسية، بحيث يحصل الطلاب على فرصة اكتساب المهارات اللازمة من خلال العمل الفعلي أثناء دراستهم. إلا أن هذا الحل يبقى قاصرًا ما لم يتم تفعيل دور الخبراء من أصحاب الخبرات العملية في التدريس الجامعي، ليس فقط في مجال المحاضرات النظرية، ولكن أيضًا في الدروس التطبيقية والمختبرات.
كما أشار رئيس جامعة اليرموك الأستاذ الدكتور إسلام مساد في هذا السياق في مبادرته التي تهدف إلى تعيين أعضاء هيئة تدريس لا يقتصرون على الأكاديميين الذين يحملون الشهادات العليا فقط، بل تشمل أيضًا أصحاب الخبرات العملية الحقيقية في مجالاتهم. هذا التوجه قد يمثل نقلة نوعية في النظام التعليمي الجامعي في الأردن، حيث يعزز من الجانب التطبيقي في التعليم ويساهم في تجهيز الطلاب بالمهارات اللازمة التي تطلبها السوق.
كما أشار رئيس جامعة الحسين التقنية الأستاذ الدكتور إسماعيل الحنطي في هذا السياق إلى المهارات الأكثر طلبًا في سوق العمل وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي، وتساءل عن كيفية تصميم بيئة جامعية قادرة على تنمية هذه المهارات. شدد على أن الإجابة يجب أن تكون من ضمن أولويات الجامعات إذا كانت تهدف إلى تزويد الطلاب بالمهارات التي تجعلهم جاهزين لسوق العمل. هذا التساؤل يعكس أهمية أن تركز الجامعات على المهارات العملية من خلال ربط التعليم الأكاديمي بالتطبيق الفعلي.
إن دمج الخبرة العملية مع المعرفة الأكاديمية يعد خطوة هامة نحو تحسين تعليم الطلاب، ويجب أن يُستكمل بتوفير بيئة تعليمية مرنة تتيح لهم فرصة التدريب في الشركات بشكل مستمر. هذه البيئة يمكن أن تكون العامل الفاصل بين الخريج الذي يمتلك المهارات اللازمة لدخول سوق العمل والخريج الذي يفتقر إلى الخبرة العملية. من الضروري أن يتكامل الجانب الأكاديمي مع التدريب المهني لتزويد الطلاب بتجربة تعليمية شاملة تواكب المتطلبات الحالية والمستقبلية لسوق العمل.
في النهاية، الفجوة بين التعليم الأكاديمي وسوق العمل هي مسألة تتطلب من الجامعات اتخاذ خطوات حقيقية نحو تحسين وتطوير التعليم ليتماشى مع احتياجات السوق. المبادرات التي تجمع بين التعليم الأكاديمي والخبرة العملية تشكل جزءًا أساسيًا من الحلول المقترحة لهذه المشكلة، ويجب على الجامعات أن تضع في اعتبارها ضرورة دمج الجانبين الأكاديمي والعملي لضمان إعداد خريجين قادرين على تلبية متطلبات السوق بشكل فعال.