مقالات

قوانين سير جديدة للسيارات بدون سائق

شارك هذا الموضوع:

هاتشاق عربي

في العام الماضي شرعت كاليفورنيا في وضع قواعد جديدة للطرق تتناسب مع عصر السيارات بدون سائق. وفي الوقت الذي أصدر فيه الجهاز المنظم لحركة السيارات في الولاية مقترحاته، كان هناك اقتراح أثار جدلا على الفور، لأنه يفرض أن يكون هناك شخص يجلس على مقعد السائق.

بالنسبة لرواد صناعة السيارات ذاتية التحكم -ومن بينها جوجل وتسلا، وهما من الشركات التي تتخذ من كاليفورنيا مقرا لها- هذه القاعدة من شأنها أن تقوض جوهر هذه التكنولوجيا. وهم يجادلون بأن ذلك، بدلا من أن يجعل السيارات أكثر أمانا، سوف يزيد فقط فرص وقوع الحوادث.

قال كريس إيرمسون، المدير الفني لمشروع السيارة ذاتية القيادة في “جوجل”، في جلسة استماع في سكرامنتو هذا العام لمناقشة القواعد المقترحة: “أود إيصال هذه الفكرة بمنتهى القوة: يجب علينا أن نكون حذرين بشأن افتراض أن وجود شخص خلف عجلة القيادة سيجعل التكنولوجيا أكثر أمانا“.

المديرون التنفيذيون في “تسلا” و”فورد” رددوا حجته. لكن براين سوبلت، نائب المدير والمحامي العام لإدارة المركبات في كاليفورنيا، يشعر بقلق من نوع آخر. نعم هناك فوائد محتملة من حيث السلامة، لكن كيف يمكن للسيارات بدون سائق أن تتشارك الطريق مع المركبات التي يقودها البشر؟ ألا ينبغي على الإنسان أن يكون قادرا على السيطرة في حالة الطوارئ؟

ويضيف: “لن يمتلك كل شخص سيارة ذاتية التحكم بين عشية وضحاها. ستكون هناك فترة لينفذ فيها هذا الأمر بشكل تدريجي حيث تكون هذه المركبات على الطريق مع كثير من السيارات الأخرى التي ليست لديها تكنولوجيا التحكم الذاتي“.

رسم المستقبل

كان الخلاف في سكرامنتو اختبارا للمسائل التنظيمية والاجتماعية والأخلاقية من النوع الذي سوف ينشأ في الوقت الذي تصبح فيه الروبوتات مندمجة بعمق أكثر ضمن الحياة اليومية. بفضل التقدم السريع في مجال الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا أجهزة الاستشعار والقدرة الحاسوبية، تتقدم المختبرات من وادي السيليكون إلى طوكيو بخطوات واسعة في مجال الروبوتات من شأنها أن تغير وجه الصناعات، ابتداء من الرعاية الصحية إلى الزراعة.

لكن إذا أُدخِلت السيارات ذاتية القيادة بالسرعة التي يأملها كثيرون في الصناعة، سوف يلتقي كثير من الناس مع الروبوت على الطرق للمرة الأولى في حياتهم. وفي حين تتحدث “جوجل” عن إمكانية وجود طرق أكثر أمانا بمجرد إزالة احتمال الخطأ البشري من القيادة، فإن فكرة إطلاق روبوتات تزن طُنين وتكون قادرة خلال عشر ثوان على الوصول إلى سرعة 60 كيلو مترا يجدها بعضهم فكرة مثيرة للأعصاب.

حتى التنفيذيون في هذه الصناعة يعترفون باحتمال حدوث مشكلات عندما تبدأ المركبات التقليدية بتقاسم الطريق مع السيارات ذات التحكم الذاتي، التي يتعين عليها تعلم الاستجابة لما يقوم به مئات الملايين من السائقين البشر مشتتي الذهن، الذين لا يمكن التنبؤ بتصرفاتهم.

جون ريستفسكي، نائب الرئيس في “هير”، شركة الخرائط الرقمية التي تملكها شركات صناعة السيارات الألمانية أودي، وبي إم دبليو، وديملر، يقول: “سوف يكون ذلك مزيجا جامحا لبعض الوقت، إن لم يكن إلى الأبد. أي شيء يمكن أن يحدث، والمركبات الذاتية سوف يتعين عليها أن تكون على استعداد لذلك“.

كثير من الناس في قطاعي السيارات والتكنولوجيا يعتقدون أن أجهزة الكمبيوتر -التي لن تكون أبدا في حالة سكر، ولا تنظر في هواتفها بدلا من الطريق، أو تغفو على عجلة القيادة- تتولى بالفعل القيادة أفضل من البشر. لكن السيارات ذاتية القيادة بشكل كامل قد تستغرق عقودا حتى تصل إلى كل مدينة، حتى لو كانت المركبات ذاتية القيادة الأولى ستكون على الطريق في بعض الأماكن في غضون سنتين.

 

كيف ستتم إدارة هذا التحول، ومدى الأهمية التي سيكون عليها التعطيل اللاحق لأعمال السيارات التقليدية، هي أمور تثير نقاشا حادا من وادي السيليكون وديترويت إلى الصين وألمانيا واليابان.

يقول جيل برات، رئيس “معهد بحوث تويوتا”، وهو وحدة البحث والتطوير الجديدة في شركة صناعة السيارات اليابانية في وادي السيليكون: “كثير من الناس في هذه الصناعة يريدون أن تكون الأمور أكثر أمانا ويريدون أن تكون السيارات أكثر سهولة من حيث التعامل معها”. ويتابع: “هناك اختلاف في الرأي حول كيفية الوصول إلى هناك“.

بدلا من نهج كل شيء أو لا شيء بخصوص السيارات ذاتية القيادة التي ابتكرتها “جوجل”، تركز “تويوتا” على نوع أكثر تدرجا من التكنولوجيا ذاتية التحكم. ويقول برات: “نحن نعتقد أننا يمكن أن نضيف الذكاء إلى السيارات، على نحو يعمل بشكل متواز مع السائقين -مثل الحارس الذي يراقب ما تفعله، ويتدخل عندما تكون على وشك أن ترتكب خطأ ما“.

ويجادل بأنه في حين تهدف “تويوتا” في نهاية المطاف إلى التخلي عن عجلة القيادة أيضا، فإن هذا “الحارس” هو أكثر قابلية للتحقيق على المدى القريب. وهو يحافظ أيضا على ما وصفه أكيو تويودا، رئيس تويوتا، بـ”متعة القيادة”، التي يقول عنها الدكتور برات إنها تعتبر أمرا أساسيا في اختصاص معهد بحوث تويوتا. التحكم الذاتي بشكل كامل، كما يقول “سيكون ممكنا في يوم من الأيام، إلا أنه صعب للغاية. سوف نستغرق بعض الوقت حتى نصل إلى هناك“.

المقعد الخلفي

في الوقت الذي يبدي فيه كثير من السائقين البشر تقديرهم لذلك، إلا أن واحدة من العقبات الكبرى للسيارات ذاتية القيادة هي الطقس. الأمطار الغزيرة والثلوج أو الضباب يمكن أن يحدث دمارا في أجهزة الاستشعار الأساسية المتعلقة بالتنقل ذاتي التحكم.

إيرمسون يقول: “ستكون هناك دائما ظروف لا تستطيع القيادة فيها”. وهذا يعني أنه في الحالات غير العادية للغاية -مثلا عند هطول أمطار مفاجئة في الصحراء- يمكن لسيارة الروبوت أن ترفض ببساطة الاستمرار في القيادة.

مع ذلك، يصر إيرمسون على أن أي مركبة لا تبلغ مرحلة السيارة ذاتية التحكم بشكل كامل تعتبر أكثر خطورة وأقل فائدة من النهج التدريجي الذي تتبعه شركات من أمثال “تويوتا”. إذا كان يتعين على الراكب أن يكون على استعداد للإمساك بعجلة القيادة في حالات الطوارئ -الفكرة التي وراء اقتراح ولاية كاليفورنيا- “فإنك تدمر كثيرا مما هو ذو قيمة للمستخدم في تلك المرحلة“.

اختبار “جوجل” الأولي وجد أنه بمجرد إخبار الركاب بأنه يمكن للسيارة أن تقود نفسها بنفسها في معظم الوقت، فإنهم يُميلون مقاعدهم إلى الوراء ويبدأون في أخذ غفوة أو يلتفتون بعيدا عن الطريق تماما. واستنتج إيرمسون أنه ببساطة لا يمكن الوثوق بالبشر.

يقول الدكتور برات، الذي كان يشرف سابقا على مسابقة لتحدي الروبوتات تديرها الوكالة الأمريكية لمشاريع البحوث المتقدمة في الدفاع، إن هذا يعتبر أحد أصعب المشكلات التي تواجه تكنولوجيا المركبات ذاتية التحكم. إحدى الأفكار هي لفت انتباه السائق في حالات الطوارئ من خلال جرس إنذار، أو عن طريق هز المقعد، أو عجلة القيادة.

ويضيف: “تكمن الصعوبة حقا إذا كانوا نائمين. الاستجابة في هذه الحالة تكمن في سحب السيارة بطريقة أو بأخرى إلى جانب الطريق بطريقة آمنة“.

حتى في صناعة السيارات التقليدية، فإن كثيرين يعتقدون أن هذه المسألة لا يمكن حلها على الإطلاق. يقول جيم بتشكوسكي، المدير العالمي للأنظمة الإلكترونية والبحث والابتكار في فورد: “هذا حقا له علاقة بعدم الارتياح من وجود التكنولوجيا التي تستطيع إعادة إشراك السائقين غير المشاركين فيها بشكل كامل. يجب علينا أن نفترض أن ذلك لن يحدث“.

نظرا للتحديات، شركات التكنولوجيا الأخرى تتجنب مثال “جوجل”، وتفضل أن تتخذ نهجا تطوريا أكثر حول السيارات ذاتية التحكم.

 

يقول جورج هوتز، الذي كان قرصان بيانات في سن المراهقة ويعتبر المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة كوما أي Comma.ai، وهي شركة ناشئة مدعومة من قبل “آندريسن هورويتز”، مجموعة رأس المال المغامر: “لا يمكنك أن تهدف إلى الكمال –عليك فقط أن تهدف لتحقيق أشياء أفضل مما يقوم به الإنسان”. شركة كوما تريد التخفيف من حدة الجانب الأكثر إيلاما من القيادة. ويقول هوتز: “نحن نعتقد أن تطبيقنا الرائج هو حركة المرور. كثير من الناس يقضون كثيرا من الوقت فيها. وهذا ليس أمرا ممتعا“.

الشركة، التي تبلغ من العمر أقل من سنة، تريد استخدام مجموعة من أجهزة الاستشعار والكاميرات والتعلم الآلي لجعل الحياة أسهل للركاب في ساعة الذروة. قبل نهاية هذا العام، تعتزم كوما إطلاق مجموعة بقيمة 1000 دولار من شأنها تمكين ملاك بعض موديلات السيارات الجديدة تثبيت السرعة خلال الازدحام دون الحاجة إلى إيلاء اهتمام وثيق للسيارة التي في الأمام.

يقول هوتز إن تعليم السيارات قيادة نفسها بسرعة عشرة أميال في الساعة أسهل من تعليمها ذلك بسرعات أسرع. “النتائج المترتبة على ارتكاب خطأ في ذلك أيضا لا تعتبر مرتفعة“.

قيادة ناعمة

زوار ماونتن فيو، مقر “جوجل” وشركتها الأم “ألفابت”، يمكن أن يُغفر لهم التفكير في أن مستقبل قيادة السيارات دون سائق وصل الآن. عشرات من نماذج السيارات الشبيهة بسيارات الجيب الصغيرة في “جوجل”، مع أجهزة الاستشعار على السطح والمصابيح الأمامية المبتسمة، تتحرك في وادي السيليكون كل يوم. كل واحدة منها تحول الآلاف من ساعات تجربة القيادة في العالم الحقيقي إلى بيانات يمكن أن يتعلم منها الأسطول الكامل.

وتدير “جوجل” ثلاثة ملايين ميل من تجارب المحاكاة كل يوم حتى تتمكن سياراتها من أن تكون مستعدة لأي حالة. بل إن هناك فريقا خاصا يفكر حتى في حوادث غريبة الأطوار لتطبيقها على هذه السيارات.

لكن الحياة الحقيقية تجلب مفاجآت لا يمكن لأحد أن يتوقعها. في العام الماضي كانت إحدى سيارات جوجل تستدير على منعطف، ووجدت أن امرأة على كرسي متحرك كهربائي تطارد بطة بمكنسة في منتصف الطريق. يقول إيرمسون: “ما كان سيخطر على بالنا قط أن نختبر السيارة في مواجهة امرأة وبطة، وكانت السيارة قادرة على فهم أن هذا كان أمرا غير عادي، وأبطأت سرعتها، وتركت هذا الشيء إلى نهايته، ومن ثم واصلت طريقها“.

بلغت ثقة “جوجل” بتكنولوجيتها درجة جعلت موظفيها يناقشون إطلاق خدمة سيارات الأجرة ذاتية القيادة بشكل كامل في ماونتن فيو في وقت قريب ربما يكون العام المقبل، وذلك وفقا لأشخاص مطلعين على تفكير الشركة. في البداية قد تكون هذه الخدمة مقتصرة على موظفي جوجل، التي يمكن أن تلتف على أي قضايا قانونية وتنظيمية. وكانت جوجل تنفذ في الأصل بعض التجارب مع الموظفين الذين يعتبرون سائقين مدربين.

ومع ذلك، وحتى في الشوارع الهادئة في ماونتن فيو، تكنولوجيا جوجل لا تعمل بشكل لا تشوبه شائبة. في منتصف شباط (فبراير) هذا العام، بعد أكثر من مليون كيلومتر من القيادة الذاتية، تسببت سيارة جوجل بأول صدام يحدث في المشروع: حادث اصطدام بطيء مع إحدى الحافلات في المدينة.

ألقت جوجل باللوم على ذلك النوع من سوء الفهم الذي كثيرا ما يحدث بين الناس. وقالت: “هذا يعتبر مثالا كلاسيكيا للتفاوض الذي هو جزء طبيعي من القيادة ونحن نحاول جميعا التنبؤ بتحركات بعضنا بعضا”. ويظهر الحادث أن سيارة جوجل ليست فقط بحاجة لتصبح أفضل من حيث توقُّع كيف يتصرف السائقون من البشر، ولكن أيضا ما إذا كان الكمبيوتر نفسه يقود بطريقة يعتبرها مستخدمو الطريق الآخرون طبيعية، بدلا من روبوتية. ويقول كريس ديكسون، وهو شريك في شركة أندريسن هورويتز: “السيارات ذاتية القيادة ناجحة بشكل أساسي اليوم. والتحدي أمامها يعتبر ثقافيا وتنظيميا”. ويلاحظ بتشكويسكي أن ما هو أصعب من البقاء في المسرب أو الإبقاء على مسافة الأمان خلف السيارة التي في الأمام هو “الجانب الناعم” من القيادة. إذا تمت برمجة السيارة ذاتية القيادة لتفسح المجال للسائقين من البشر، فإنها قد لا تعبر أبدا مفترق طريق رباعي، حيث يمكن للناس الاستفادة من ترددها. ويقول: “إنها ليست القواعد البسيطة، بل هي تلك القواعد غير المدونة“.

ويضيف أن التأكد من أن السيارات ذاتية القيادة سوف تتحرك على الطريق بشكل طبيعي يساعد أيضا الركاب الذين لديهم ثقة في الآلات. ويقول: “السرعة، والفرامل، والتسارع -تلك الفروق الصغيرة تعتبر مهمة حقا لجعل المستهلكين يشعرون بالراحة. حتى لو قلت للناس إنها آمنة بنسبة 99.999 في المائة من الوقت، إذا كان ذلك لا يعتبر مريحا، فإنه لن يكون مستساغا“.

لكن هذا يُحدث المآزق الأخلاقية والقانونية. إذا كان السائقون من البشر يريدون تجاوز الحد الأقصى المحدد للسرعة، فهل ينبغي على سيارات الروبوت أن تكون قادرة على ذلك أيضا؟ وعندما تتورط السيارات ذاتية القيادة في حوادث قاتلة، لأنها حتما سوف تتعرض لذلك، من الذي ينبغي أن يكون مسؤولا؟ تقول شركة فولفو إنها سوف تتحمل المسؤولية عن سياراتها ذاتية القيادة لأنها إن لم تفعل ذلك، فإن المستهلكين لن يثقوا أبدا بما فيه الكفاية لركوب إحدى سياراتها.

في الوقت الذي تبدأ فيه الأجهزة المنظمة في ولاية كاليفورنيا وخارجها في التعامل مع هذه القضايا، يجب على السيارات ذاتية التحكم أولا كسب ثقة السائقين الآخرين. وفقا لديكسون، مهما كان مدى انعدام المسؤولية الذي يظهر في قيادة السائقين من البشر، فإن “المجتمع سوف يحكم على الروبوت باعتبار أنه على خطأ” في أي حادث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى