تكنولوجيا

التضليل الرقمي .. معلومات هائلة تغير من طريقة التفكير

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي

يبدو أن كم المعلومات الهائلة والمغلوطة في أحيان كثيرة، رسخ مفهوم “التضليل الرقمي”، في وقت تضاعف فيه أعداد مستخدمي الإنترنت، والاكتفاء بما يظهر من معلومات دون جهد في التحقق أو البحث بعيدا عن المصداقية.

وهو ما أكدته دراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة ييل، توصلوا بها إلى استنتاج مفاده أن الجيل الجديد الذي ترعرع ونما في عصر الدخول السهل إلى الإنترنت، يبالغ في تقييم نفسه وما يتعلق بقدراته الدماغية ومعلوماته، والحصول على المعلومات بسهولة، جعلت بعض المستخدمين يبالغون في تقييم إمكاناتهم الذهنية.

ويعتمد كثير من الأشخاص على معلوماتهم من خلال ما يردهم من الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي بكافة جوانب الحياة المختلفة، كمراجع رئيسية بغض النظر عن مدى صحة المعلومة من عدمه، وهو ما قد يوصل الشخص لمرحلة يعتقد نفسه “صاحب مرجعية عالية وثقافة كبيرة”.

دراسات أخرى أظهرت أن شبكة الإنترنت قد تحتوي على معلومات مغلوطة أو غير موثقة، تشمل الجوانب الطبية، والنظريات العلمية ونظريات المؤامرة والإشاعات، وهو ما يطلق عليه إسم “التضليل الرقمي”، وأن الإنترنت قد غيّر حقا من طريقة تفكيرنا وأثر على أدمغتنا، وهو الأمر الذي يضعنا أمام تحديات جديدة.

خبير أمن المعلومات والتواصل الرقمي الدكتور عمران سالم يذهب إلى أن الإنسان بطبيعته يميل إلى جني الكثير بالجهد القليل، الا أن هذه المشكلة انتقلت للمعرفة والثقافة، وأصبح الناس يلوذون في الاطلاع على العلوم والبحث عن الإجابات والمعرفة إلى أروقة الإنترنت من غير توخي الدقة في اختيار المصدر.

ويشير إلى أن الكم الهائل من المعلومات في الإنترنت له ميزة لكن في طياته الكثير من المشاكل، فدقة المعلومة أصبحت غائبة، والتحقق من صحة المعلومة لم يعد له أولوية للأسف، أصبح الناس يملكون كماً هائلا ًمن المعلومات لكن قلة من هؤلاء من يعتمد على مصادر موثوقة.

ويعتبر سالم أن المشكلة أن بعض المواقع التي تدعي انها علمية أو ثقافية أو دينية لا تتوخى الدقة العلمية في الترجمة او نقل المعلومات لمجموع المعجبين على صفحاتها، ما يجعل بعض الطلبة والباحثين يعتمدون على هذه المواقع في أبحاثهم وثقافتهم.

وفي بعض الأحيان يتجه بعض الأشخاص للاستشاريين “الرقميين” في مجالات عدة مثل الطب والصحة والجمال والسفر وغيرها، حيث يقع هؤلاء الأشخاص في الكثير من الأحيان وخاصة النساء للأسف كما تشير الدراسات لسوء الاستغلال مع أشخاص يمتهنون هذه الصفات سواء على شكل مستشارين “وهميين” او شركات “وهمية” تجعل منهم فريسة للابتزاز الالكتروني والسرقة .

ويذهب الاختصاصي النفسي والتربوي د. موسى مطارنة الى أن هنالك قراءات معظمها خاطئة، تجر الكثيرين حولها، وليس كل ما يكتب صحيح، مبيناً أن عدم رغبة الناس في البحث عن مصادر، والاستسهال بغض النظر عن صحة المعلومة هو السبب في ذلك.

ويشير مطارنة الى أن القراءة بدون وعي تكون مضرة أكثر مما تشكله من فائدة، خصوصاً في أمور حساسة كموضوع يتعلق بالصحة مثلاُ، الأمر الذي يلحق الضرر بصاحبه أكثر من أن يفيده، والسبب أنها أحياناً كثيرة تخضع لآراء شخصية ومعلوماتية خاطئة لا أساس لها من الصحة.

ويشير الى أن تلك الحالة ناتجة عن عدم وعي اجتماعي وادراكي وثقافي. واحيانا يعبر ذلك مشكلات نقص عند الشخص يعوضها من خلال الإنترنت فيظن نفسه خبيرا بكل شيء ويمتلك قدرات ووعي وثقافة عالية.

ويؤكد مطارنة على أهمية التحقق من المعلومات الواردة على الإنترنت، لكي لا يبني الأشخاص جميع معلوماتهم على هذا الأساس.

ويصنف المنتدى الاقتصادي العالمي عملية التضليل الرقمي الضخمة على أنها التهديد الرئيس للمجتمع، مما يحتم على مستخدمي الإنترنت التمييز بين الخبر والمعلومة الصحيحة والمغلوطة.

ويعتقد اختصاصي الاعلام د. تيسير أبو عرجة أن المجتمع يعيش مرحلة يغيب فيها اليقين الكامل فيما يتعلق بمصداقية المصادر كوسائل للمعلومات، مبيناً أن الأمر يزداد تعقيداً أن هذه الوسائل تمتلك قدراً كبيراً من الاغراء وامكانية المتابعة وسهولة التصفح وعدم التكلفة.

هذه العناصر تدفع الكثير من الناس لتصديقها وكأنها مصادر موثوق بها، رغم أنها قد تشكل أثرا سلبيا مع غياب التوثيق الدقيق، والسرعة التي يتم بها النشر دون التحقق من سلامة المعلومة مرات كثيرة، ويرافقها رغبة البعض في تحقيق ما يسمى “السبق الاعلامي” على حساب الدقة.

ويذهب ابو عرجة إلى أهمية النظر بحذر شديد اتجاه هذه المواقع كمصادر للمعلومات، وان كانت هذه المواقع لها وظيفة تواصلية بمعنى أنها تقدم فسحة شخصية للتعبير الحر، مبيناً أن الأمر في مصداقية ما يكتب يعود للشخص نفسه.

ويعود الدكتور عمران سالم ليؤكد بأن المشكلة الأكبر تكمن في المحتوى الإعلامي، حيث أن ما يقدمه الإعلام لجمهور المشاهدين قد يتسبب في تغيير رأي الجماهير وأنماط تفكيرهم فعندما تفقد الشبكات الإعلامية دقتها فيما يتم نشره “فإننا سنتجه لإيجاد مجتمع ملوث فكريا”.

ويرى أن الناس تقع  فريسة في نهاية الأمر لهذا الكم الهائل من التضليل الرقمي في كل مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والطبية وغيرها، لذلك يجب ان تقوم المؤسسات التعليمية بتوجيه الطلبة للاستخدام الأمثل لمواقع البحث والطرق الصحيحة للبحث، بالإضافة لتزويدهم بالأدوات الصحيحة والمواقع الموثوقة التي يعتمدون عليها في أبحاثهم، وفق سالم.

وينوه بأهمية أن يتأكد الناس ملياّ قبل مشاركة المعلومة حتى لا تتحول المعلومات الخاطئة لحقائق بكثرة تداولها، مبينا أنها مسؤولية الجميع، للوصول لمجتمع نقي خال من الأفكار الملوثة.

 الغد- مجد جابر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى