أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة المعركة الرئيسية للانتخابات الرئاسية الأميركية، فعلى منصاتها يتسابق المرشحون للوصول إلى الناخبين، بعدما أضحت مواقع مثل أكس (تويتر سابقا) وفيسبوك وإنستغرام أداة رئيسية للتأثير على الرأي العام.
وترى أستاذة الإعلام في جامعة ميريلاند، سحر خميس، في حديثها مع موقع “الحرة”، أنه من الملاحظ في هذه الانتخابات الحجم الكبير لإنفاق المرشحين الرئيسيين نائبة الرئيس، كامالا هاريس، والرئيس السابق، دونالد ترامب “الذي وصل إلى أكثر من 16 مليار دولار من الإنفاق على الحملات الانتخابية والإعلانية والدعائية، وهو إنفاق غير مسبوق في تاريخ الولايات المتحدة”.
وأدلى أكثر من 77 مليون ناخب بأصواتهم بالفعل في التصويت المبكر، لكن الساعات المقبلة ستحدد ما إذا كانت حملة هاريس أو ترامب صاحبة الأداء الأفضل في حث المؤيدين على التوجه إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم.
وفي الساعات الأخيرة من هذه الحملة، يغمر كلا الجانبين مواقع التواصل الاجتماعي ومحطات التلفزيون والإذاعة بجولة أخيرة من الدعاية، ويتسابقان للوصول إلى الناخبين في منازلهم وإجراء المكالمات.
وتشير مستشارة السياسة الرقمية، كريستينا بودنر، في حديث لموقع “الحرة”، أن الحملات الإعلانية على وسائل التواصل الاجتماعي والرقمية لكلا المرشحين كانت “مختلفة جدا هذا العام”.
إنفاق متباين
وقالت بودنر إن هاريس أنفقت أكثر من ترامب على منصات فيسبوك وإنستغرام وسناب شات.
وأوضحت أن حملة نائبة الرئيس خصصت ما يقرب من 55 مليون دولار لإعلانات ميتا (التي تشمل فيسبوك وإنستغرام) على مدى فترة 3 أشهر، من أواخر يوليو إلى أوائل أكتوبر 2024، مقارنة بستة ملايين دولار فقط لترامب.
وبالنسبة ليوتيوب وغوغل، استثمرت حملة هاريس 31.5 مليون دولار في 8655 إعلانا عليهما في الأشهر الثلاثة منذ بداية أغسطس وحتى أواخر أكتوبر. في المقابل، خصصت حملة ترامب 9.3 مليون دولار لـ716 إعلانا على هذه المنصات خلال نفس الفترة، بحسب بودنر.
ووفقا لتحليل أجراه مركز “برينان” و”مشروع ويزليان” وموقع “أوبن سيكريتس”، أنفق المعلنون السياسيون في الولايات المتحدة أكثر من 619 مليون دولار على الإعلانات الرقمية في منصات الشركتين الأكبر غوغل وميتا، بين بداية عام 2023 ونهاية أغسطس من هذا العام.
وبحسب التحليل، كان الإنفاق لصالح الديمقراطيين أكثر من ثلاثة أضعاف مبلغ الإنفاق للجمهوريين، لكنه يشير إلى احتمالية انتقال الجمهوريين للإنفاق في منصات أخرى غير غوغل وميتا.
وأوضح التقرير المشترك أن حملة هاريس أنفقت أكثر من 180 مليون دولار على الإعلانات الرقمية عبر منصات مملوكة لشركتي ميتا وغوغل، بينما بلغ إنفاق ترامب وداعمون ربع هذا المبلغ.
أما بالنسبة لشركة أكس التي يمتلكها الملياردير، إيلون ماسك، الذي أعلن تأييده بقوة لترامب، في يوليو الماضي، وظهر معه في تجمعات جماهيرية، فتشير بودنر إلى أن المنصة لا تكشف عن بيانات الإنفاق السياسي، “ومع ذلك، نعلم من موظفين في الشركة أنه كان هناك إنفاق على الإعلانات السياسية، كما نعلم أنه كان هناك تأثير كبير، بما في ذلك التأثير الناتج عن ماسك”.
وتشير بودنر إلى أن حملة هاريس لم تشتر أي إعلانات على منصة أكس، “واختارت التركيز على المنصات الأخرى”.
ووفقا لتحليل أجرته صحيفة واشنطن بوست، “أنفقت الحسابات الداعمة للمرشحين الجمهوريين ثلاثة أضعاف ما أنفقته الحسابات الداعمة للديمقراطيين على الإعلانات السياسية على أكس من 6 مارس إلى الأول من أكتوبر”.
وتعلق بودنر على هذه الأرقام قائلة: “يمكنك أن ترى التفاوت في الإنفاق، على الرغم من أنه لا يبدو أنه قد رجح كفة على أخرى بشكل كبير بقدر ما يمكن أن تخبرنا به استطلاعات الرأي”.
وتظهر استطلاعات الرأي تقارب المنافسة بين ترامب والديمقراطية كامالا هاريس في الانتخابات.
استراتيجية ترامب
ويحلل الخبير التقني وأستاذ أمن الشبكات في جامعة سان هوزيه الحكومية في كاليفورنيا، أحمد بانافع، استراتيجية كلا المرشحين في كيفية استغلالهما لوسائل التواصل الاجتماعي، مشيرا إلى أن “ترامب اعتمد بشكل كبير على منصة أكس واستخدم أسلوبا صريحا وجريئا، حيث يميل عادة إلى استخدام لغة مبسطة وأحيانا صادمة بهدف إثارة الجدل وتحفيز المتابعين على التفاعل”.
ويعتبر بانافع، في حديثه مع موقع “الحرة”، أن أسلوب ترامب غير التقليدي الذي يعتمد على الانتقاد اللاذع للخصوم السياسيين “ساعده في بناء قاعدة شعبية يعتبر ولاؤها له مرتفعا”.
وأشار إلى أن ترامب يعيد أيضا نشر منشورات داعميه أو نشر تعليقات مثيرة، فضلا عن أن فريق حملته استثمر في نشر منشورات داعميه أو نشر تعليقات مثيرة”.
وقال: “هذه الإعلانات، التي غالبا ما تكون ذات طابع استفزازي، تهدف إلى إثارة المشاعر الحماسية بين جمهوره وجذب متابعين جدد”.
وبالنسبة لبانافع، فإن ما عزز كل ذلك اللقاءات والمقابلات المثيرة التي يقوم بها ترامب مع شخصيات إعلامية مؤثرة ويظهر هذا الأسلوب في الحرص على الانتشار عبر قنوات مختلفة، مما يجعله حاضراً بقوة في الوعي الإعلامي”.
وتجاوزت مقابلة ترامب والبودكاستر جو روغان 38 مليون مشاهدة، فضلا عن مقابلته مع ماسك التي تجاوزت 30 مليون مشاهدة.
وتقول بودنر لموقع “الحرة”، إن حملة ترامب ركزت بشكل أكبر على البث الصوتي غير التقليدي وإعلانات يوتيوب والمقابلات، بما في ذلك روغان الذي يقدم برنامجا خاصا به على يوتيوب.
وأضافت أن “حملة ترامب تراهن على مكانته كشخصية مشهورة في الوسائل، وتعتمد على الحملات الفيروسية لإبقائه مستمرا، بما في ذلك على منصة حيث تجاوز الإنفاق المؤيد لترامب إنفاق هاريس بشكل كبير”.
استراتيجية هاريس
منصات إنستغرام وفيسبوك تمثل الأدوات الرئيسية لهاريس للوصول إلى جمهورها، والذي يميل إلى التنوع الثقافي والعمر الأكبر نسبيا مقارنة بجمهور ترامب، بحسب بانافع.
لكن بودنر تشير إلى أن “هاريس قامت بعمل جيد في إشراك الجماهير الأصغر سنا الموجودين على منصتي تيك توك وسناب شات” وهي قنوات لم يستثمرها ترامب، بحسب قولها.
ومنذ يوليو، اشترت حملة هاريس أكثر من 5600 إعلان على المنصة، بقيمة تقدر بنحو 5.3 مليون دولار، وفقا لـ”فاست كامباني”، التي أشارت إلى أن الإعلانات استهدفت فئتين ديموغرافيتين رئيسيتين هما الناخبين في الولايات المتأرجحة والشباب.
وأشارت بودنر إلى أن ترامب “قام بعمل أفضل بكثير في البقاء على صلة مع الناخبين على منصة أكس”.
وبشأن استراتيجية حملة هاريس، فيرى بانافع إلى أنها تميل إلى نشر محتوى يتسم بالهدوء، بهدف بناء صورة سياسية ثابتة ومسؤولة”.
على سبيل المثال، تستخدم فيديوهات قصيرة تركز على مواضيع مثل العدالة الاجتماعية، وتمكين المرأة، والرعاية الصحية، وتتحدث بنبرة متزنة وتركز على إيصال رسائل مدروسة تهدف إلى كسب ثقة المتابعين أكثر من إثارة الجدل، بحسب بانافع.
وأوضح أن حملة هاريس اعتمدت على تصميم إعلانات رقمية موجهة بعناية لتسليط الضوء على مشاريعها وخططها بشكل مستمر ومتتابع، مما يعكس رؤيتها ويعزز تواجدها على المنصات الرقمية.
من الأكثر تأثيرا؟
وترى خميس أن ترامب كان الأكثر كثافة وأكثر حرفية من هاريس في استخدام منصات التواصل الاجتماعي للتواصل مع القاعدة الشعبية المؤيدة له، “فضلا عن أن لديه منصة خاصة وهي “تروث سوشيال” التي أنشأها لمخاطبة الرأي العام وتوجيهه وإرسال رسائل لقاعدته الشعبية بعد أن تم حظر حسابه على منصة أكس في عام 2021 بعد أحداث الهجوم على الكابيتول في السادس من يناير في ذلك العام”.
ويقول بانافع: “يبدو واضحا أن ترامب كان الأبرز والأكثر تأثيرا في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بفضل أسلوبه الصريح والجريء الذي جعله متواجداً في الصدارة، أما هاريس، فقد برزت بأسلوب يعزز صورتها الهادئة والمعتدلة، لكنها لم تتمكن من تحقيق نفس القدر من التفاعل والانتشار الذي حققه ترامب، ما يعكس اختلافاً في الأولويات والأهداف الانتخابية لكل منهما”.
لكن بودنر ترى أنه “من الصعب تحديد من استخدم وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أكثر فعالية أو من كان أكثر تأثيرا”.
وتقول: “أظهرت كلتا الاستراتيجيتين بعض النجاح، ولكن من الواضح أنه لم يكن كافيا لخلق موجة كبيرة حيث يظل المرشحان في سباق متقارب على الرغم من التفاوت الرقمي الكبير في الإنفاق الإعلاني والتركيز على وسائل التواصل الاجتماعي”.