أكتفي بأن أستشهد برسالتين وردتا عبر البريد الإلكتروني لأبيّن حالي مع بيتر تشوي. أولاهما أرسلها بيتر لي، واستهلها بأن سألني عمّا إذا كنت “منكباً على عملي أم أنني بالكاد أعمل!”، ثمّ طلب مني أن أسمح له بأن يشارك في مؤتمر بمدينة دنفر، وقال: “سيكون ذلك فرصةً لكي أستخدم معدات التزلج الخاصة بي”.
بيتر موظف موضع ثقة يعمل لديّ منذ فترة طويلة، لكن مزاحه في الآونة الأخيرة كان ينمّ عن تراجع كبير. أما الرسالة الثانية فأتت من عميل يشتكي من رداءة نتائج عمل بيتر على مهمة كان يتولاها لصالحه. بصفتي مدير بيتر، كان لا بد أن أتطرق لهاتين المسألتين في اجتماع اليوم وأن أتخذ قراراً إما بالموافقة على حضوره المؤتمر، بشروط أو بلا شروط، أو أن أرفض ذلك.
كما كان أمامي خيار آخر هو أن أقترح تدخلاً رسمياً، فضغطت باتجاه خيار التدخل. في الواقع، بيتر كان روبوت دردشة طوّرته شركة “أبيليتي” (Abilitie) المتخصصة بتدريب المؤسسات، وهو يعمل بواسطة الذكاء الاصطناعي وصُمّم بحيث يعدّ إجاباته بناءً على ما أقوله له. إن بيتر تشوي اسم لإحدى الشخصيات ضمن سلسلة جديدة من”دراسات الحالات” من “أبيليتي”، التي تهدف لتعليم المهارات في قطاع الأعمال.
تبنّي الذكاء الاصطناعي
بات مزيد من المدربين في الشركات ينظرون إلى الذكاء الاصطناعي على أنه مستقبل تطوير مهارات إدارة التفاعل مع منسوبيها، وفقاً لما لاحظه ويتني ويرتا، مديرة أنشطة التعليم المؤسساتي لدى مجموعة “هانوفر” للتأمين، التي تستخدم حالات تعتمد على الذكاء الاصطناعي من إعداد “أبيليتي” في برنامج تدريبي موجّه لمديريها الجدد.
ويرتا خلص إلى أنه “يمكننا تزويد الناس بالمعلومات المعرفية، لكنهم بحاجة إلى بيئة آمنة تمكنهم من أن يتدربوا ويجربوا ويتلقوا الملاحظات، وأن يكرروا محاولاتهم”.
تطوّر “أبيليتي” برامج محاكاة لقطاع الأعمال منذ 2015، بحيث يحدد المشاركون في التدريب مسار الشركة التي يحاكون إدارتها على مدى عدّة فترات ربع سنوية. أما رئيسها التنفيذي بيورن بيلهارت فباشر انخراطه في هذا المجال عام 2001.
كما كان حال كثير منا، أخذ الصعود المفاجئ للذكاء الاصطناعي بيلهارت على حين غرة في أواخر عام 2022. بعد أن اكتفى من تسلية أن يطلب من روبوت الدردشة أشياء على شاكلة إحداث مقارنة بين البيتزا والهامبرغر ، بدأ يفكر في كيفية الاستفادة من هذه التقنية لتطوير عمله.
قال: “طوال عشرين سنة، كان عملي هو إعداد سيناريوهات هدفها جعل الناس يواجهون عبء اتخاذ قرارات صعبة ثمّ يرون تبعات هذه القرارات، وقد أتينا بشتى الأفكار المبتكرة” أغلبها على شكل أسئلة متعددة الخيارات بصيغ متباينة “من أجل التغلب على واقع أن الكمبيوتر ليس إنساناً”.
دراسات الحالات
كانت أولى خطوات الشركة في أواسط 2023 بأن أدخلت تقنية روبوت الدردشة العامل بالذكاء الاصطناعي في تمرينَي محاكاة، على شكل شخصيات تفاعلية تضفي تعقيدات أو إشكاليات على السردية المطروحة، حيث اتضح لبيلهارت أن الذكاء الاصطناعي مناسب جداً لتجسيد أحوال متنوعة ولحظات اتخاذ قرار بشأنها، وهو ما تُحلله عادةً دراسات الحالات في مجال الأعمال.
ويشير بيلهارت إلى أن “دراسة الحالات في كليات الأعمال هي منهجية مثبتة لم تخضع لتطوير يُذكر منذ عقود”، لكن الذكاء الاصطناعي قادر على تحويل دراسة الحالة إلى تجربة متعددة الأبعاد، تتيح للمستخدم، على سبيل المثال، التفاعل مع عدة شخصيات تعطيه معلومات متضاربة.
لكنه يضيف بأنه “سيتعيّن عليك بداية أن تقرر أي شخصية تصدق، ثمّ عليك أن تقرر كيفية إبلاغ تلك الشخصيات بقرارك. في كثير من الأوقات، الجزء الأصعب في دراسة الحالة ليست اتخاذ القرار، بل كيفية صياغته وتبليغه للآخرين”.
بعد ثمانية أشهر من العمل وإنفاق نحو مليونَي دولار، جاءت النتيجة على شكل 24 حالة منفصلة، كلّ منها عبارة عن تفاعلات مع موظفين وزملاء وأطرف خارجية ذات صلة، مصمَّمة لتستغرق من 20 إلى 30 دقيقة. (تضيف “أبيليتي” في كّل من الحالات جزءاً يتعلق بتيسير عملية المحاكاة ونقاشاً تقييمياً، في إطار برنامج يفترض أن يمتد من ساعة إلى ساعتين). وتُوزع مواضيع الحالات بالتساوي بين إدارة الأفراد ومواضيع مالية، لكن حتى الشؤون المالية تركز على التدريب على مهارات ناعمة مثل قدرات الاستماع والشرح والإقناع.
في حين أنني لم أشعر أن محادثتي مع بيتر حقيقية تماماً، إلا أنه شجعني بطريقة ما على الانخراط معه وعلى أن آخذه على محمل الجد، فهو مصمَّم لهذه الغاية، ولتحققيها كان، على سبيل المثال، يطلب مني النصائح على الدوام.
يشرح لوك أوينغز، نائب رئيس المنتجات في “أبيليتي” أن “دفع المتعلم للتعبير عن أفكاره يرسخ لديه المفهوم الأساسي الذي يتعلّمه”. كذلك، يمكن للأوامر التي يدخلها المستخدم أن تحدث بعض التغييرات على الشخصية التي يحاكيها روبوت الدردشة. مثلاً، حين أخبرت بيتر أن مزاحه يشتت انتباه زملائه، أخبرني أوينغز أن مؤدى ذلك على الشخصية التي يتمثلها الروبوت أن تصبح أكثر جدية، لكنني لم ألاحظ اختلافاً.
إقبال متزايد
يعتبر أوينغز أن “الآلة تؤدي عملاً مذهلاً… فهي تقدم تجارب محاكاة جادة بلا كلل، وهي تساعد المتلقي على أن يتعرف فوراً على مواطن مهاراته في أدائه”. في أحد التمارين، انتقدتني الآلة لأنني لم أحدد بوضوح النتائج التي أنتظرها من الموظف، فحدّدتُ مهلاً صارمةً فيما يخص بيتر.
بيّنت لي الآلة أيضاً أنني في بعض الأحيان لم أكن صريحاً وواضحاً مع الأطراف الأخرى بقدر ما كنت أظنّ . وتراجع الآلة جميع التفاعلات وتسلّط الضوء على أفضل الحوارات من أجل مناقشتها، وهذا يفيد من يديرون جلسات التدريب.
برأي ويرتا، من “هانوفر”، فإن ذلك يتيح “تقديم تقييمات فعّالة ودقيقة”. وقد استخدم 75 مديراً من شركته حتى الآن دراسات الحالات المولّدة بالذكاء الاصطناعي التي أعدتها “أبيليتي”، ووصل عددها اليوم إلى 12 حالة منذ بداية البرنامج قبل ثمانية أشهر. ويوضح أن “مسار العمل كان منتظماً جيداً، فقد أعدّوا الأجواء بشكل ممتاز للبرنامج، بحيث يوفرون لك خلفية واضحة عن الشخص الذي تتعامل معه والنتائج التي تبتغيها من المحادثة”.
حين بدأ ويرتا في تطوير البرنامج التدريبي نهاية العام الماضي، كانت شركات قليلة تقدّم دراسات حالات محاكاة جاهزة مثل هذه، لكنه يتوقع أن يتغير ذلك فيما يكتشف مزيدٌ من الناس هذه الفرصة.
ويأمل ويرتا بأن يوسع نطاق دراسات الحالات لتشمل عدداً أكبر من الموظفين. قائلاً: “لاحظنا أن المشاركين في المجموعات التدريبية أحبوا التجربة إلى حد أنهم شاركوها مع مديريهم، الذين بدورهم تواصلوا معنا للاستفسار عن كيفية استخدامها بشكل أوسع مع باقي أعضاء طواقمهم… ندرس حالياً كيفية توسيع نطاق البرنامج للعام المقبل”.