الذكاء الاصطناعيالرئيسية

إلى أين وصلت الدول العربية في مشروع الذكاء الاصطناعي؟

هاشتاق عربي

في وقت يشهد فيه الذكاء الاصطناعي بالعالم تطورات تتسارع يوميا، لا يزال تطوير الخوارزميات والبرامج المرتبطة بالمجال بمعظم بلدان المنطقة العربية يسير بـ”خطوات متثاقلة”، وفقا لخبراء وبيانات مؤسسات متخصصة في هذه التكنولوجيا.

وفيما وضعت الدول العربية الأغنى، وتحديدا بلدان الخليج، برامج واستراتيجيات مستقبلية لنيل موطئ قدم لها في مجال الذكاء الاصطناعي وباقي الصناعات التكنولوجية، تواجه الدول العربية الأخرى إشكالات تقنية وتمويلية تقف أمام فرصها في إحراز تقدم في القطاع.

وتظهر أحدث بيانات المؤشر العالمي للذكاء الاصطناعي، التي تصدر عن منصة “تورتواز ميديا”، أن أغلب بلدان المنطقة العربية لا تزال “متخلفة” عن ركب الدول المتقدمة التي قطعت أشواطا كبيرة في هذا المجال.

ويصنف المؤشر 62 دولة حسب قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي على المستوى العالمي، ويعتمد على معايير عدة، منقسمة إلى سبع ركائز فرعية هي: المواهب، والبنية التحتية، والبيئة التشغيلية، والبحث، والتطوير، والاستراتيجية الحكومية والتجارة.

وفي ترتيب الدول العربية، جاءت الإمارات، في المركز الـ28 عالميا، ثم السعودية في المرتبة 31 عالميا، وبعدها قطر (42)، ثم مصر (52)، فتونس (56)، ثم المغرب (57) ثم البحرين (58).

“تباين كبير”
الأكاديمي والخبير في مجال الذكاء الاصطناعي، بول سمعان، يقول إن دولا عربية أخذت في السنوات الأخيرة خطوات مهمة للاستثمار في هذا القطاع ووضعته ضمن رؤاها الاستراتيجية، لافتا في هذا الجانب إلى جهود دول السعودية والإمارات وقطر والكويت.

غير أنه يشير بالمقابل إلى أن حضور الذكاء الاصطناعي يبقى “ضعيفا” بباقي الدول الأخرى، التي ما زالت تواجه إشكالات تكنولوجية ولوجيستية، مرجعا هذا الوضع إلى أسباب تتباين من ضعف القدرات المادية والاقتصادية، وصولا إلى معاناة دول من أزمات اجتماعية وسياسية.

ويوضح الخبير الرقمي، في تصريح لموقع “الحرة”، أن الإمارات تمتلك استراتيجية للذكاء الاصطناعي أطلقتها، في أكتوبر عام 2017، وتعمل على أن تكون الأولى عالميا، على مستوى استثمار الذكاء الاصطناعي بمختلف قطاعاتها الحيوية، وخلق سوق جديدة واعدة وذات قيمة اقتصادية عالية بالمنطقة”.

ويحضر “هاجس” تطوير الذكاء الاصطناعي أيضا في “رؤية السعودية لعام 2030″، وأسست الرياض هيئة (سدايا) للبيانات والذكاء الاصطناعي، وتعمل على استراتيجية خاصة لمنافسة الدول المتقدمة في مجالات توليد البيانات والذكاء الاصطناعي، وجذب استثمارات بقيمة تصل 20 مليار دولار، بحلول عام 2030.

من جهتها، وضعت قطر استراتيجية وطنية بشأن مستقبل الذكاء الاصطناعي تسعى من خلال إلى “التحول إلى مركز عالمي لجذب مواهب الذكاء الاصطناعي، وتشجيع الأعمال التجارية المحلية على تبني حلول جديدة قائمة على هذه التقنية، وفقا للموقع الرسمي للحكومة.

المستشار والخبير في الأمن والتحول الرقمي، رولان أبو نجم، ينطلق من تصريحات لإيلون ماسك، أشار فيها في عام 2018، إلى تهديدات الذكاء الاصطناعي ستكون أخطر من الأسلحة النووية، لأن هذه الأخيرة بيد الحكومات فقط، بينما الأولى ستكون مع الجميع، شركات ودول وأفراد، للإشارة إلى أهمية انخراط باقي الدول العربية بقوة في المجال.

ويضيف أبو نجم في تصريح لموقع “الحرة”، أن التطورات المتلاحقة في المجال تفتح أمام الدول والشركات العربية فرصة تعزيز تموقعها تكنولوجياً، مشيرا إلى أهمية التركيز على جهود تطوير أنظمة وبرامج ذكاء اصطناعي محلية لمواكبة التطور العالمي.

وأطلقت الإمارات، الأربعاء، أداة ذكاء اصطناعي جديدة تعمل باللغة العربية، وصفتها بأنها “الأعلى جودة على مستوى العالم”.

ويستخدم “جيس” اللغة العربية الفصحى الحديثة، بالإضافة إلى اللهجات المتنوعة في المنطقة، من خلال الاعتماد على كل من الوسائط ووسائل التواصل الاجتماعي والرموز.

وفي هذا الجانب يدعو أبو نجم الشركات والدول العربية إلى استغلال ما يصفها بـ”الفرصة الذهبية” المتعلقة بتطوير اللغة العربية على أنظمة الذكاء الاصطناعي.

وأشار إلى أن هذه التقنية ترتبط بعاملين أساسيين: البيانات الضخمة والقدرة على تدريب الخوارزميات باللغة المطلوبة، ويوضح أن “حضور اللغة العربية لا يزال ضعيفا وغير متطور”.

توجهات الشركات العربية
وأمام التنافس الدولي المحموم لتطوير قدرات الذكاء الاصطناعي وتقنياته، يرى إسلام أحمد، مؤسس شركة “أي أبلاي غلوبل” للذكاء الاصطناعي، أن صناعة الذكاء الاصطناعي وتطوير خوارزمياته “بدأت بشكل متأخر” في الدول العربية.

ويشير أحمد في تصريح لموقع “الحرة” إلى أن الطلب عليها “كان في البداية ضعيفا”، سواء من المؤسسات الحكومية أو الخاصة، قبل أن يتشكل وعي بأهميتها على مستوى توفير الوقت والجهد والمال، بالإضافة إلى الوعي الأبواب الكبير التي تفتحها أمامها في في المستقبل.

وعن حضور وقوة الشركات العربية القليلة العاملة في المجال، يكشف أحمد أنها “تواجه منافسة كبيرة وتحتاج إلى وقت واستثمارات وتدريب، مما يدفع العديد منها إلى اختيار خوارزميات مطورة من طرف المزودين العالميين”.

وفيما تذهب أغلب الشركات العربية الناشئة في المجال إلى عقد شراكات للحصول على الخوارزميات التي طورتها المنصات الأجنبية، قبل أن تقوم فرقها بتطوريها لبناء نماذج ذاتية، يوضح أن شركات أخرى تعمل على بناء أنظمتها الخاصة من الصفر، بحيث تناسب العادات والتقاليد، وطبيعة عمل واحتياجات سكان المنطقة العربية.

ويوضح أحمد أن الخيار الثاني يبقى “الأصعب”، ويحتاج دعما واستثمارات من الحكومات العربية كونه يساهم في تطوير المجال والصناعات المحلية المرتبطة به ككل.

وفي هذا الجانب، يشير أحمد إلى الشركة العربية الناشئة “أي آبلاي غلوبل” التي قام بتأسيسها وعملت على تطوير خوارزميات خاصة بها لمدة ثلاثة سنوات، من أجل بناء منصة تساعد الباحثين عن عن العمل في إيجاد الوظائف المناسبة.

وتتيح منصة “iApply.ai” لمستخدميها من الباحثين عن العمل إمكانيات إيجاد وظائف منشورة في الوقت الفعلي ومناسبة لخبراتهم ومهاراتهم.

وتسمح لهم بتحميل سيرهم الذاتية، قبل أن تقوم خوارزمية الذكاء الاصطناعي الخاصة بالمنصة بالتقدم لهذه الوظائف بشكل أوتوماتيكي نيابة عنهم.

وتتيح المنصة الأولى من نوعها في المجال، بحسب مؤسسها، للمسجلين إمكانيات ربطهم بالشركات التي تبحث موظفين في دول الإمارات وبريطانيا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا، ودول أخرى.

ما سبل “مواجهة التأخر” الحاصل؟
ومن أجل اللحاق بركب الدول المتقدمة في قطاع الذكاء الاصطناعي، يقول رولان أبو نجم، إن على الدول العربية “تشجيع وتطوير البرامج التعليمية التي لا تزال تقليدية ولا تواكب تطورات العصر، سواء في المدارس الابتدائية أو الجامعات.

ويضيف أبو نجم أن الذكاء الاصطناعي جاء بفرص عمل جديدة، وفتح آفاقا اقتصادية واعدة أمام الدول والشركات، مشددا في هذا الجانب على ضرورة وضع تشريعات وقوانين تواكب الطفرة التي يعرفها المجال، والانتباه إلى سلبياته موازاة مع العمل على استغلال حسناته.

من جانبه، يرى سمعان أن على الدول العربية العمل على جذب الاستثمارات وتشجيعها، من خلال إقامة مناطق حرة للتكنولوجيا، وإقامة مختبرات ومراكز أبحاث في المجال وتوفير الموارد الضرورية لها.

ويشير الخبير الرقمي إلى أهمية تنظيم دورات تدريبية وورشات، ليس فقط بالمؤسسات التعليمية ولجميع فئات المجتمع، وخاصة داخل الشركات والدوائر العامة والخاصة، لتعريفها بمجال الذكاء الاصطناعي وتوعيتها بأهميته للحاضر والمستقبل، وأيضا طرق استعمال أدواته المختلفة.

ويوضح سمعان أهمية إقامة الدول لشراكات مع الشركات الكبرى في المجال التكنولوجي والذكاء الاصطناعي، التي من شأنها السماح لتبادل الخبرات والمعارف، إضافة إلى التفكير في وضع الذكاء الاصطناعي ضمن مختلف الرؤى الاقتصادية والاستراتيجية لهذه الدول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى