لماذا لا تكون جاب، سلسلة بيع الملابس بالتجزئة، مثل ماكدونالدز؟ هذا السؤال ليس عبثيا. توفر “جاب” ملابس يومية بأسعار معقولة. ويقدم ماكدونالدز طعاما يوميا بأسعار معقولة. كلاهما علامتين تجاريتين أمريكيتين شهيرتين.
لكن من الناحية المالية، تختلف القصتان. ماكدونالدز ينمو منذ عقود، عبر إيجاد طرق لتحسين المطاعم والطعام. وفي غضون 25 عاما، ارتفع سهمه تسعة أضعاف. أما “جاب”، فقد تمكنت من الحفاظ على إيرادات ثابتة بشكل ملحوظ تبلغ نحو 15 مليار دولار سنويا على مدى العقدين الماضيين، وكانت دائما تقريبا (ليس أخيرا) تحقق أرباحا. لكن إذا اشتريت أسهمها واحتفظت بها في أواخر التسعينيات، عندما كانت العلامة التجارية صاعدة، كنت ستخسر نصف أموالك. تبلغ قيمة ماكدونالدز أكثر من 200 مليار دولار. “جاب”؟ أربعة مليارات دولار.
إن شركة جاب في أزمة حاليا، إذ تواجه علاماتها التجارية- أولد نيفي، وجاب، وأثليتا، وبانانا ريبابلك- مبيعات ضعيفة أو منخفضة، كما أن الشركة تتكبد خسائر. وصف أحد المحللين أخيرا الشركة بـ”شبه الضائعة”. يتحدث المديرون التنفيذيون عن “مشكلات في قبول المنتج”. هذا يعني أن الناس لا يريدون الملابس.
يقود سد هذه الثغرة ريتشارد ديكسون الرئيس التنفيذي الجديد، الذي كان سابقا رئيسا تنفيذيا لشركة ماتيل، الذي ينسب إليه الفضل في إحياء علامة باربي التجارية، التي بلغت ذروتها في فيلم ناجح. قال ديكسون: إن باربي هي “دراسة حالة عن كيفية إعادة العلامات التجارية العريقة بناء ذاتها”.
لكن يبدو من غير المحتمل أن يكون هناك فيلم ضخم يقوم ببطولته بنطال من الكاكي. هويات كل من متاجر “جاب” و”أولد نيفي” هي “أساسيات” بسعر مناسب، من الدنيم إلى القمصان ذات الجيب. يحاول تاريخ العلامة التجارية “جاب” التي تحاول إعادة تشكيل نفسها أن يجعل هذه الأشياء “بارزة” عن طريق المشاهير والتصوير الفوتوغرافي الرائع وبعض من مشاعر التسعينيات. في العلامة التجارية “أولد نيفي” الأكبر والأقل تكلفة، ليس هناك حنين للرجوع إليها مرة أخرى حتى.
وهذا يقودنا إلى ماكدونالدز. فتلك السلسلة لم تحاول إعادة بناء نفسها. بدلا من ذلك، استمرت في تحسين المنتج. عائلتي تقود السيارة كثيرا، وماكدونالدز هو المكان الذي نتوقف فيه دائما. والطعام لذيذ حقا. وجبة كوارتر باوندر مع الجبن والبطاطا المقلية والكولا تظل ذات قيمة كبيرة. والباقي قد تحسن: وجبات الإفطار أفضل بكثير مما كانت عليه من قبل، والقهوة يمكن شربها الآن، والمطاعم أنظف وأكثر لمعانا، وما إلى ذلك.
قد تكون إعادة بناء “جاب” طموحا كبيرا جدا، لكنها كان ستكون هدفا كبيرا جدا أمام ماكدونالدز أيضا. تعد “جاب” أساسا شبكة توزيع ضخمة للملابس القطنية الرخيصة، تماما مثل ماكدونالدز الذي يعد أساسا شبكة توزيع ضخمة للدهون والسكر والملح والكافيين. ومع كل الشروط المعتادة حول استدامة سلسلة القيمة التي تحتاج إلى عمل، فلا عيب في أي من الشركتين. ألقي نظرة على موقع “أولد نيفي” على الإنترنت: ما تحصل عليه مقابل السعر رائع، كما في ماكدونالدز.
فلماذا لا تستطيع “جاب” الاستمرار في تحسين المنتج قليلا؟ حسنوا الجودة وبيانات اعتماد الاستدامة، وحافظوا على انخفاض السعر، وجربوا العروض الجديدة (لا أعرف – الأحذية؟)، واجعلوا المتاجر أكثر جاذبية، وهكذا دواليك. إن أقرب نموذج لهذا، إن وجد، هو “يونيكلو” الياباني.
هذه الخطة بسيطة لدرجة أن على المرء أن يتساءل لماذا لم تنجح في الماضي. جزء من الاختلاف بين الشركتين هو مجرد التنفيذ. لم تعمل كل سلسلة مطاعم للوجبات السريعة بمهارة مثل ماكدونالدز، وجزء مما تحتاجه “جاب” هو أن يديرها أشخاص لديهم إحساس أفضل بما يريده العملاء وكيفية تقديمه. لكن الاختلاف أكبر من ذلك، وهو ينطوي على فرق أساسي بين بيع الطعام وبيع الملابس.
إن المصطلحات مثل “الأساسيات” أو “الضروريات” التي تستخدم في الأغلب في تجارة الملابس، لا تناسبها حقا. فهي تعطي انطباعا بأن هناك ما يعادل البرجر والبطاطا المقلية في الملابس: بسيط ومرض وكلاسيكي وأبدي. لكن هذا غير موجود. فكر في الطريقة التي تتغير بها أذواق الجينز والتيشرتات من موسم لآخر: الألوان وشكلها على الجسم وهكذا. على شركة الملابس فهم كل ذلك بالشكل الصحيح؛ ينبغي أن تكون قادرة على التنبؤ. وكل ما يجب على ماكدونالدز فعله بوجبة كوراتر باوندر هو ألا يفسدها.
هناك متعة في تناول الطعام، لكن ليس هناك متعة في ارتداء الملابس، ليس فعليا. الأكل هو في الأساس عملية حيوانية، تتم في المعدة. وارتداء الملابس هو فعل بشري، عالق في الدماغ، بكل الغرور وقابلية التغيير التي ينطوي عليها. لهذا السبب لن يكون من السهل على “جاب” أن تكون مثل ماكدونالدز. إذ ستكون تجارة الملابس دائما أصعب من تجارة الوجبات.