تستعد شركة ميتا لإطلاق نسخة تجارية من نموذج الذكاء الاصطناعي الخاص بها، ستسمح للشركات الناشئة والمؤسسات بإنشاء برامج مخصصة مبنية على هذه التكنولوجيا.
ستسمح هذه الخطوة لشركة ميتا بالتنافس مع شركة أوبن أيه أي المدعومة من مايكروسوفت وشركة جوجل، المتقدمتين في السباق لتطوير الذكاء الاصطناعي التوليدي. يعمل هذا البرنامج، الذي يمكنه إنشاء النصوص والصور والشفرات البرمجية، على نماذج لغوية كبيرة “إل إل إم” ومدربة على كميات هائلة من البيانات وتتطلب قوة حاسوبية هائلة.
وقد أطلقت ميتا نموذجها اللغوي الخاص، المعروف باسم “إل إل أيه إم أيه”، للباحثين والأكاديميين في وقت سابق من هذا العام، لكن الإصدار الجديد منه سيكون متاحا على نطاق أوسع كما سيكون قابلا للتخصيص من قبل الشركات، وفقا لما قاله ثلاثة أشخاص مطلعين على الخطط. وقال أحد الأشخاص الثلاثة إن الإصدار متوقع في وقت قريب جدا.
تقول ميتا إن نماذجها اللغوية الكبيرة “مفتوحة المصدر”، وتعني بذلك أنه سيتم نشر تفاصيل النموذج الجديد علنا. لكن هذا يتناقض مع نهج المنافسين مثل شركة أوبن أيه آي، الذي يسمى أحدث نماذجها وهو جي بي تي-4 بالصندوق الأسود، حيث لا تتوافر من خلاله البيانات والرموز المستخدمة لبناء النموذج للأطراف الثالثة.
قال نائب رئيس شركة ميتا وكبير علماء الذكاء الاصطناعي فيها، يان ليكون، في مؤتمر عقد في منطقة إيكس أون: “سيتغير مشهد التنافس في الذكاء الاصطناعي تماما في الأشهر المقبلة، أو ربما في الأسابيع المقبلة، عندما ستكون هناك منصات مفتوحة المصدر بجودة المنصات غير مفتوحة المصدر”.
ويأتي الإصدار الوشيك للنموذج من ميتا في وقت يشتد فيه السباق بين مجموعات التكنولوجيا في وادي السيليكون لإثبات نفسها كمشاركين مهيمنين في الذكاء الاصطناعي.
كتب نيك كليج، رئيس الشؤون العالمية في ميتا، مقالا في “فاينانشيال تايمز” هذا الأسبوع، أشاد فيه بفضائل نهج المصدر المفتوح للنموذج، قائلا: “إن الانفتاح هو أفضل علاج للمخاوف التي تحيط بالذكاء الاصطناعي”. لكن هذه الخطوة أيضا تساعد شركة ميتا في محاولاتها للحاق بالمنافسين، حيث سيسمح النموذج المفتوح للشركات من جميع الأحجام بتحسين التكنولوجيا وإنشاء التطبيقات بناء عليها.
كانت ميتا تقوم بالبحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي لأكثر من عقد، لكن يبدو أنها كانت تتراجع في المنافسة بعد إطلاق أوبن أيه أي برنامج تشات جي بي تي، وهو روبوت محادثة مخصص للحوار، في تشرين الثاني (نوفمبر)، ما دفع مجموعات التكنولوجيا الكبرى الأخرى لإطلاق منتجات مشابهة.
“إن هدفنا هو تقليل الهيمنة الحالية لشركة أوبن أيه آي”، كما قال أحد المطلعين على الاستراتيجية رفيعة المستوى في شركة ميتا.
فيما امتنعت شركة ميتا عن التعليق.
في حين أن تكنولوجيا شركة ميتا مفتوحة المصدر ومجانية حاليا، إلا أن شخصين مطلعين على الأمر قالا إن الشركة تبحث في مسألة فرض رسوم على عملائها من المؤسسات مقابل منحهم القدرة على ضبط النموذج وفقا لاحتياجاتهم باستخدام بيانات الملكية الخاصة بهم. وقال أحد الأشخاص إنه لا توجد خطط حالية لفرض الرسوم وإن ميتا لن تفعل ذلك في الإصدار المقبل. كانت شركة ذا إنفورميشن الإعلامية أول من تحدث عن نية شركة ميتا إطلاق نموذج ذكاء اصطناعي خاص بها بموجب ترخيص تجاري.
كما رفضت جويل بينو، نائبة رئيس شركة ميتا لأبحاث الذكاء الاصطناعي، التعليق على تطوير نموذج جديد للذكاء الاصطناعي وكيف يمكن تحقيق الدخل منه، لكنها قالت: “في نهاية المطاف، لأنك ستصدر شيئا (مفتوح المصدر)، فأنت لا تتخلى تماما عن الملكية الفكرية لهذا العمل”.
أضافت: “لم نخجل من حقيقة أننا نريد استخدام هذه النماذج في منتجاتنا”.
في 2021، أعلن الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرج عن تحول استراتيجي لبناء عالم رقمي مليء بالشخصيات الرمزية فيما يعرف باسم الميتافيرس حيث أنفق أكثر من عشرة مليارات دولار سنويا على هذا المشروع. وقد ثبت أن هذا الطموح المكلف ماليا لا يحظى بشعبية لدى المستثمرين، وهرعت شركة ميتا أخيرا لزيادة استثماراتها في الذكاء الاصطناعي.
في وقت سابق من هذا العام، أنشأت عملاقة الشبكات الاجتماعية وحدة للذكاء الاصطناعي التوليدي بقيادة كريس كوكس، كبير مسؤولي المنتجات. وقالت بينيو إن فريق كوكس توسع إلى الجانب البحثي من الذكاء الاصطناعي ولكن أيضا في تطوير المنتجات، حيث كان “يؤسس أعمالا جديدة تماما”.
فيما ألمح زوكربيرج وغيره من المديرين التنفيذيين إلى الدفع نحو إنشاء روبوتات دردشة عديدة تستخدم الذكاء الاصطناعي للأفراد والمعلنين والشركات عبر منصات ميتا كإنستجرام وواتساب وفيسبوك تعمل على نماذجها اللغوية الكبيرة.
تتضمن فوائد النماذج ذات المصدر المفتوح زيادة في استيعاب المستخدمين الذين يقومون بعد ذلك بإدخال مزيد من البيانات ليقوم الذكاء الاصطناعي بمعالجتها. فكلما زادت بيانات النماذج اللغوية الكبيرة، زادت قوة قدراتها.
علاوة على ذلك، تسمح نماذج المصدر المفتوح للباحثين والمطورين باكتشاف الأخطاء ومعالجتها، لتحسين التكنولوجيا والأمن في الوقت نفسه – وقت واجهت فيه شركات التكنولوجيا مثل ميتا أعواما من التدقيق في عديد من الفضائح المتعلقة بالخصوصية والمعلومات المضللة.
وفي حين أن توفير البرامج مجانا قد يبدو متناقضا مع كسب المال، إلا أن الخبراء يعتقدون أن الشركات يمكنها أيضا استخدام هذه الاستراتيجية لجذب أسواق جديدة.
وقال أحد المطلعين على تفكير الشركة: “لقد أدركت ميتا أنها كانت متأخرة في دورة الضجيج الحالية حول الذكاء الاصطناعي، وهذا يمنحهم طريقة لفتح النظام البيئي حتى يبدو وكأنهم يفعلون الشيء الصحيح، بكونهم خيريين وأنهم يردون الجميل للمجتمع”.
ومع ذلك، فهناك مخاطر واضحة من الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر، الذي يمكن تشكيله وإساءة استخدامه من قبل الجهات المسيئة. مثلا، أبلغت مجموعات سلامة الأطفال عن ارتفاع في صور الاعتداءات الجنسية على الأطفال التي تم إنشاؤها على الإنترنت باستخدام الذكاء الاصطناعي.
كما وجد الباحثون أن نموذج الذكاء الاصطناعي السابق من ميتا، بليندر بوت 2، الذي تم إصداره في 2021، كان ينشر معلومات مضللة. قالت ميتا إنها جعلت بليندر بوت 3 أكثر مقاومة لهذا المحتوى، على الرغم من أن المستخدمين ما زالوا يجدون أنه يولد معلومات خاطئة.
هناك أيضا مخاطر تنظيمية وقانونية تتعلق بالملكية الفكرية وحقوق النشر. حيث رفعت الكوميدية والممثلة سارة سيلفرمان دعوى قضائية ضد شركتي ميتا وأوبن أيه أي بسبب مزاعم استخدامهما عملها لتدريب النماذج اللغوية دون موافقتها.
أطلقت ميتا نموذجها مفتوح المصدر “إل إل أيه إم أيه” للباحثين في شباط (فبراير). وبعد شهر من ذلك، تم تسريبه على نطاق أوسع عبر منتدى 4 تشان على الإنترنت، الأمر الذي دفع المطورين لإنشاء برامج مبنية عليه، في انتهاك لقواعد الترخيص من ميتا، التي تحدد أنه ينبغي عدم استخدامه في المنتجات التجارية.
قالت بينيو: “هذا النموذج موجود على الإنترنت بأشكال كنا نتمنى أنها لم تكن موجودة”.
أما شركات الذكاء الاصطناعي الأخرى، مثل شركة ميسترال الفرنسية الناشئة، فتدرس أيضا إمكانية إطلاق إصدارات مفتوحة المصدر من التكنولوجيا الخاصة بها. قالت شركة أوبن أيه آي، التي أصدرت سابقا نماذج مفتوحة المصدر من الذكاء الاصطناعي للتعرف على الكلام والصور، إن فريقها يبحث في تطوير نموذج لغوي كبير مفتوح المصدر، شريطة أن يكونوا قادرين على تقليل مخاطر إساءة الاستخدام إلى أدنى حد.
قال رئيس ميتا للذكاء الاصطناعي لي كون: “لدينا خيار بين أن نقرر أن الذكاء الاصطناعي هو تكنولوجيا خطيرة للغاية بحيث لا يمكن أن يظل مفتوح المصدر ووضعه تحت السيطرة وفي أيدي عدد قليل من الشركات التي ستسيطر عليه. أو على العكس من ذلك، منصات مفتوحة المصدر تدعو إلى المساهمات فيها (…) من جميع أنحاء العالم”.