كرّس الشباب الأميركي خلال أول عقد ونصف من القرن الجاري، قدراً متزايداً من الوقت لممارسة ألعاب الكمبيوتر والفيديو، فيما تراجع الوقت الذي خصصوه للعمل. أشار أربعة خبراء اقتصاديون، في ورقة بحثية نُشرت عام 2017 وحظيت باهتمام واسع، إلى أن الألعاب الأفضل “التكنولوجيا المحسّنة لأوقات الفراغ” تستقطب اهتمام الشباب بعيداً عن أماكن العمل. ردّاً على هذا البحث، جادل الخبير الاقتصادي غراي كيمبرو بأطروحة لم تحظ سوى باهتمام أقل، ولكني أجدها أكثر إقناعاً، بأن التفاعل بين الطلب الضعيف على العمالة و”التحول في الأعراف الاجتماعية (الذي) جعل ممارسة ألعاب الفيديو أكثر قبولاً في الأعمار اللاحقة”، كان أبلغ إيضاح للبيانات.
ربما حان الوقت لتبني بعض الفرضيات الجديدة. تُظهر الإحصائيات الصادرة الشهر الماضي من قبل المكتب الأميركي لإحصائيات العمل، استناداً إلى نتائج المسح الأميركي السنوي لاستثمار الوقت، أن الفترات الزمنية التي يقضيها الشباب في “ممارسة الألعاب” (لا تفرّق نتائج المسح بين الألعاب الإلكترونية وغير الإلكترونية، لكن معظم الباحثين يفترضون أن الأولى هي المقصودة)، قد ارتفعت بما يقرب من ثلاثة أرباع الساعة بين عامي 2019 و2022، أي أكثر من الفترة التي زادت خلال الـ 16 عاماً الماضية.
لا أعتقد أن التسارع في تحسين جودة ألعاب الفيديو على مدار السنوات الثلاث الماضية لم يكن مفاجئاً، وكان الطلب على العمالة قوياً للغاية في عامي 2021 و2022. مع ذلك، فقد أدت الجائحة إلى تسريح عدد كبير من العمالة في أوائل عام 2020 وفترة مطوّلة في تجربة التعلم والعمل عن بُعد، وهو الوضع الذي استمر لفترة طويلة بعد ذلك. وسط كل هذا الاضطراب، لجأ الشباب إلى أجهزة الكمبيوتر والألعاب الإلكترونية. وكذلك فعلت الفتيات، ولكن من نقطة بداية أقل بكثير.
لعب لفترات طويلة وعمل أقل
ما هو التوفير في الجهد الذي يبذله الشباب من أجل توفير وقت لكل تلك الألعاب؟ من الصعب قول ذلك بيقين كبير، إذ أن كل هذه التقديرات مستمدة من دراسة استقصائية شملت حوالي 26400 أسرة وفقاً لإجراءات انتقائية معينة وغيرها من الأخطاء، وعلى الرغم من أن الزيادات في وقت اللعب كبيرة للغاية، فلا شك لدينا بأنها تمثل ظاهرة حقيقية، قد تكون بعض التغييرات الأخرى عبارة عن صخب في الغالب. ومع ذلك، يبدو أنه منذ انتشار الوباء، جاء معظم الوقت الزائد المخصص للعب من العمل والرياضة/ التمارين/ الترفيه.
قبل الجائحة، كان هناك انخفاض كبير في الوقت المقدر الذي قضاه الشباب في التلاقي والتواصل الاجتماعي، وانخفاض أقل في الوقت الذي قضوه في المشاركة بالأنشطة التنظيمية والدينية ومشاهدة التلفزيون – حيث يُرجّح أن تتفوق الألعاب على هذه الأنشطة، إذ بلغ معدلها 2.14 ساعة في الأسبوع في عام 2022. الجدير بالذكر أنه نظراً للجدل الأكاديمي الذي أشرتُ إليه في بداية هذه المقالة، لم يكن هناك أي انخفاض في ساعات العمل. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن متوسط ساعات عمل الشبان ارتفع بعد الفترات التي ذُكرت في الأبحاث أعلاه، والذي يبدو أنه يدعم حجة كيمبرو، ولكن أيضاً ربما لأن كلا البحثين فحصا الاتجاهات بين الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 21 و30 عاماً.
الجائحة أغرت بالتواصل عن بُعد
نسبة الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً والذين أمضوا 50% من الوقت على الأقل في ممارسة الألعاب في يوم متوسط لأول مرة في عام 2022، قد بلغت 52.4%. قبل العصر الإلكتروني، كانت ممارسة الألعاب غالباً نشاطاً اجتماعياً، إذ من المحتمل أن يكون جانب مما حدث يعود إلى أن الجانب الاجتماعي للألعاب قد عاد، مع دفعة كبيرة من عمليات الإغلاق بسبب الجائحة التي شهدت تعدد اللاعبين وأتيحت خلالها الألعاب عبر الإنترنت كوسيلة تواصل اجتماعي عن بُعد لقضاء الوقت مع الأصدقاء.
ثم هناك مسألة الألعاب في مواجهة العمل. تأخرت الفئة العمرية من 20 إلى 24 عاماً عن كل من فئتي المراهقين والعاملين في سن الرشد (الذين تراوحت أعمارهم بين 25 إلى 54 عاماً) في اللحاق بتعافي سوق العمل خلال السنوات الثلاث الماضية، مع استمرار انخفاض مشاركة القوى العاملة 2.1 نقطة مئوية منذ فبراير 2020 بين الرجال، اعتباراً من مايو، و1.3 نقطة بين النساء. لا أعتقد أن الألعاب هي سبب ذلك حقاً، ولكن الزيادة الكبيرة في الوقت الذي يُقضى فيها يمكن أن تكون أحد أعراض الاضطراب الذي تسببت فيه الجائحة لمجموعة فرعية من الشباب الذين انضموا للتو، أو كانوا على وشك الانضمام، إلى سوق العمل، ومن المحتمل أن يؤدي الاستخدام المكثف لألعاب الفيديو إلى زيادة صعوبة عودة البعض إلى مساره الصحيح. من بين الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً والذين أمضوا بعض الوقت على الأقل في ممارسة الألعاب في يوم متوسط في عام 2022، كان متوسط الوقت الذي قضوه 3.82 ساعة، وهو جزء مهم جداً من اليوم، و8% ممن هم في الفئة العمرية نفسها قد مارسوا هذه الألعاب لمدة ست ساعات أو أكثر في اليوم. أعتقد أن هذا قد يكون أكثر من اللازم!
المسنون مسرفون أيضاً
برغم كل ذلك، فلا تقلقوا، حيث إني لن أُنهي هذه المقالة بالصياح في وجه الشباب لكي أثنيهم عن قضاء الكثير من الوقت في ألعاب الفيديو. بالنظر إلى وضع الشباب وأجهزة الألعاب الخاصة بهم، كيف لم أقارن الأشخاص الأكبر سناً وأجهزة التلفزيون التي يتابعونها؟ فقد أمضى الرجال الأميركيون البالغون من العمر 65 عاماً فأكثر ما متوسطه أكثر من خمس ساعات يومياً في مشاهدة التلفزيون في عام 2022، مقارنة بأكثر من أربع ساعات فقط في عام 2003.
لا أعتقد أن هذا الاتجاه له آثار كبيرة على سوق العمل، ولكن حقيقة أن أولئك الذين يبلغون من العمر 65 عاماً أو أكبر يشكّلون نسبة أكبر من سكان الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى ويشاهدون التلفزيون أكثر من أي وقت مضى، ربما يفسر الكثير عن عصرنا السياسي الغريب، ويبدو أيضاً حزيناً نوعاً ما. يعتبر التراجع الطفيف في وقت متابعة التلفزيون منذ عام 2019 ضمن هامش الخطأ، ولكن حقيقة أنه لم يشهد زيادة خلال فترة الجائحة أمر مشجع قليلاً. أودّ أن أوجّه رسالة جادة إلى رفاقي الأميركيين المسنين الذين سأنضم إلى فئتهم قريباً (حيث إنني أبلغ من العمر 59 عاماً): توقفوا عن قضاء المزيد من الوقت في مشاهدة التلفزيون!