لندن- تحول سداد الفواتير الشهرية إلى كابوس حقيقي بالنسبة لملايين البريطانيين، بسبب ارتفاع نسبة التضخم وموجة الغلاء غير المسبوقة، وبات نحو 11 مليون بريطاني يواجهون صعوبة في دفع الفواتير الشهرية أو تسديد الديون المتراكمة.
وأظهرت دراسة لهيئة السلوك المالي (FCA) في بريطانيا أن أعداد البريطانيين الذي يعانون لدفع فواتيرهم الشهرية ازداد من 7.8 ملايين العام الماضي إلى 10.9 ملايين العام الحالي، وسط توقعات بأن يتجاوز هذا الرقم 12 مليون بريطاني مع نهاية هذه السنة.
وبسب هذه الأزمة غير المسبوقة، فقد أعلن البنك المركزي أن البريطانيين سحبوا نحو 4.6 مليارات جنيه إسترليني من حسابات التوفير خلال مايو/أيار الماضي، وهو رقم قياسي لم يتم تسجيله منذ 1997، أي منذ 27 سنة.
كابوس دفع الفواتير
كشفت معطيات هيئة السلوك المالي في بريطانيا عن أن الأمر لم يعد متعلقا بمشاكل في دفع الفواتير في وقتها فحسب، بل انتقل الأمر إلى التخلف عن سداد الأقساط والديون؛ ذلك أن 5.6 ملايين شخص أعلنوا أنهم تخلفوا عن التاريخ المحدد لسداد ما عليهم من ديون، بزيادة قدرها 1.4 مليون شخص، مقارنة مع السنة الماضية.
ويعد السبب الرئيس لهذه الأزمة هو الزيادة الصاروخية في الأقساط الشهرية بالنسبة للأشخاص الذين عليهم ديون شراء منازل (إذ ارتفعت الأقساط بنحو 500 جنيه إسترليني) بالإضافة إلى ثمن إيجار البيت الذي ارتفع هو الآخر بمعدل 21%.
وحسب بحث المؤسسة البريطانية، فإن ثلث البريطانيين ارتفعت الأقساط الشهرية المستحقة عليهم، بينما زاد ثمن الإيجار بالنسبة لأكثر من 34% من البريطانيين، في حين يتوقع أن يرتفع هذا الرقم خلال العام المقبل، عندما سيجدد ثلث البريطانيين قروضهم المتعلقة بشراء المنازل.
تقليص النفقات
أزمة ارتفاع الأسعار دفعت الملايين من البريطانيين للتقليص من نفقاتهم بشكل كبير، حيث أظهر استطلاع رأي لشركات التأمين في بريطانيا أن 6.2 ملايين شخص أعلنوا أنهم ألغوا تأمينهم أو خفضوه خلال هذه السنة.
كما أظهر استطلاع رأي لبنك “إتش إس بي سي” (HSBC) أن 78% من البريطانيين يبحثون عن طرق من أجل تخفيض نفقاتهم خلال هذه السنة، كما قال 45% منهم إنهم باتوا يقلصون نفقات الأكل والشرب، في حين يبحثون عن أرخص المحلات التجارية لاقتناء الأكل.
كما أعلن بنك “إتش إس بي سي” -الذي يعتبر من أكبر البنوك في بريطانيا- أنه يشهد إلغاء أكثر من 200 ألف اشتراك شهري، لعدد من التطبيقات الإلكترونية وصالات الرياضة وغيرها من الاشتراكات الشهرية.
اللجوء إلى المدخرات
قال البنك المركزي إنه سجل رقما قياسيا في سحب الأموال من حسابات الادخار الطويلة الأمد التي يتعرض صاحبها لغرامة في حال سحب أمواله قبل المدة الزمنية المتفق عليها مع البنك، إذ اضطر البريطانيون لسحب نحو 4.6 مليارات جنيه إسترليني خلال مايو/أيار وهو الأعلى منذ 27 سنة.
أما حسابات الادخار سهلة الوصول، التي يمكن لصاحبها أن يسحب أمواله متى أراد لأنها لا تعود عليه بمداخيل الفائدة، فقد شهدت سحب 14.5 مليار جنيه إسترليني في شهر واحد.
في المقابل، لجأ الأشخاص الذين يتوفرون على أموال كانت خارج البنوك إلى وضعها في البنك، للاستفادة من نسبة الفائدة المرتفعة، التي وصلت إلى 8.7% كعائدات على الأموال المودعة في البنوك خلال سنة واحدة، ووصلت هذه الودائع إلى 4.9 مليارات جنيه إسترليني خلال شهر مايو/أيار وحده.
طلب الدعم من الحكومة
تتوالى الدعوات للحكومة من أجل تقديم المساعدة للبريطانيين في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، خصوصا من أصحاب قروض العقار الذين ارتفعت أقساط الديون عليهم بشكل غير مسبوق.
وقام نحو 25 ألف شخص بتوقيع عريضة تطالب الحكومة باتخاذ إجراء، سبق أن اتخذته حكومات سابقة خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، يقوم على أن يتم اقتطاع القسط الشهري من دين شراء المنزل، من الراتب الأصلي قبل اقتطاع الضرائب، وهذا يعني أنه إن كان شخص يتقاضى 4 آلاف جنيه إسترليني قبل اقتطاع الضريبة وتم اقتطاع القسط الشهري الذي يكون في حدود 1500 جنيه إسترليني سيكون المتبقي هو 2500 جنيه إسترليني، والباقي هو الذي تطبق عليه الدولة ضريبة الدخل، وهذا سيساعد كثيرا البريطانيين في عدم الشعور بالزيادة في أسعار الفائدة.
لكن الحكومة حتى الآن ترفض تقديم أي مساعدة بدعوى أن أي مساعدة تعني مزيدا من الاقتراض ومزيدا من نسبة التضخم المرتفعة التي تحاول الحكومة تقليصها عبر حل واحد ووحيد وهو الزيادة في سعر الفائدة.