كان صوت مارستون واحدا من عدة أصوات على موقع ريفويسر على الإنترنت، والذي يوفر أداة ذكاء اصطناعي تحول النص إلى كلام بـ 40 لغة، مع نغمات وحالات مزاجية وأنماط مختلفة.
نظرا لأنه لم يتذكر موافقته من قبل على استنساخ صوته باستخدام الذكاء الاصطناعي، قام بالتواصل مع الشركة، حيث أخبرته ريفويسر أنها اشترت صوته من شركة آي بي إم.
في 2005، وقع مارستون عقدا مع شركة آي بي إم لمهمة كان قد سجلها لنظام الملاحة بالأقمار الصناعية. في العقد الذي يمتد لـ 18 عاما، والذي يعد معيارا في الصناعة، وقع مارستون على منح حقوق صوته لأجل غير مسمى، في فترة سبقت وجود الذكاء الاصطناعي التوليدي. والآن، تمتلك شركة آي بي إم رخصة لبيع صوته لأطراف ثالثة يمكنها استنساخه باستخدام الذكاء الاصطناعي وبيعه لأي غرض تجاري. وقالت شركة آي بي إم إنها “على دراية بالمخاوف التي أثارها السيد مارستون”، وإنها كانت “تتناقش فيها معه بشكل مباشر”.
قالت ماتيلدا بافيس، محامية الفنان المتخصصة في تكنولوجيات الاستنساخ الرقمي: “مارستون يعمل في السوق نفسها، ولا يزال يبيع صوته من أجل كسب لقمة العيش، وهو الآن يتنافس ضد نفسه. لقد وقع وثيقة ولكن لم يكن هناك اتفاق على استنساخ صوته بواسطة تكنولوجيا كانت غير متوقعة قبل 20 عاما”.
يواجه الآلاف من فناني الأداء والتعليق الصوتي المعضلة نفسها التي يواجهها مارستون، حيث تتسابق الشركات للاتجار بالذكاء الاصطناعي التوليدي – وهي أنظمة ذكاء اصطناعي يمكنها إنتاج نصوص وصور ومحتوى كالإنسان بسرعة.
خلال العام الماضي، أصبحت تكنولوجيا توليف الصوت أكثر دقة ومتاحة على نطاق واسع وسهلة الإنتاج، الأمر الذي أدى إلى ظهور نماذج أعمال جديدة تدور حول الاستنساخ عن طريق الذكاء الاصطناعي. وقد وجد الفنانون الذين يعتمدون في عملهم على أصواتهم ووجوههم أن سبل عيشهم مهددة بسبب العقود الاستغلالية المحتملة، وأساليب استخلاص البيانات وعمليات الاحتيال المزعومة، التي تؤدي إلى تقويض عملهم وحقوقهم على نحو متسارع.
فيما قالت بافيس إنها تلقت ما لا يقل عن 45 استفسارا لها صلة بالذكاء الاصطناعي منذ كانون الأول (يناير)، ومن ضمنها حالات لفنانين سمعوا أصواتهم في عمليات الاحتيال الهاتفية مثل مكالمات التأمين المزيفة أو الإعلانات التي يتم صنعها بواسطة الذكاء الاصطناعي. وتعمل نقابة إكويتي العمالية للفنون المسرحية وصناعة الترفيه في المملكة المتحدة مع بافيس وتقول إنها تلقت أيضا عديدا من الشكاوى من عمليات الاحتيال والاستغلال في مجال الذكاء الاصطناعي في الأشهر الستة الماضية.
قال ليام بود، وهو مسؤول صناعي لوسائل الإعلام الجديدة في نقابة إكويتي: “إننا نرى المزيد والمزيد من الأعضاء الذين تستخدم أصواتهم وصورهم وأشكالهم لإنتاج عروض جديدة تماما باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، سواء بموافقتهم أو دونها. لا توجد أي حماية إذا كنت جزءا من مجموعة بيانات تضم الآلاف أو ملايين الأشخاص الذين تم جمع أصواتهم أو صورهم من قبل مطوري الذكاء الاصطناعي”.
كما أن لورانس بوفارد، التي تقيم في لندن، وهي مؤدية صوتية للكتب الصوتية والإعلانات والمسلسلات الإذاعية، صادفت عديدا من حالات السلوك الاستغلالي. حيث تلقت أخيرا تنبيهات على فيسبوك من مؤدي صوت مزيفين، حيث تطلب المواقع الإلكترونية للذكاء الاصطناعي من الفنانين قراءة وصفات أو سطور غير مفهومة، وهي في الحقيقة مجرد وسائل تستخدم لجمع بيانات أصواتهم لنماذج الذكاء الاصطناعي.
فيما تقوم بعض المواقع بالإعلان عن وظائف منتظمة للأداء الصوتي، ولكنها تدرج في العقود بنود التوليف باستخدام الذكاء الاصطناعي، في حين أن بعضها الآخر صريح في ذلك لكنها تقدم أجرا زهيدا مقابل حصولها على حقوق دائمة لصوت الفنان. مثلا، في إعلان وظيفي تم نشره أخيرا في سوق الوظائف الإبداعية Mandy.com، وصف مهمة عمل مدتها نصف يوم لتسجيل نص مدته خمس دقائق على مقطع فيديو من أجل إنشاء شخصيات مقدمي برامج بالذكاء الاصطناعي بواسطة شركة دي-آي دي للتكنولوجيا.
قيل في إعلان التوظيف: “لقد تم بالفعل استخدام هذه التكنولوجيا لمساعدة شركات مثل مايكروسوفت في مقاطع الفيديو التدريبية الخاصة بها”. وأن “الحوار يخضع للرقابة، لذا لا يمكن استخدام التكنولوجيا لقول أي شيء غير متحفظ أو مسيء”.
ولقاء الحصول على صورة مؤدي الصوت ومحاكاتها، عرضت الشركة على الأفراد رسوما ثابتة قدرها 600 جنيه استرليني. وقالت شركة دي-آي دي إنها دفعت “أسعارا سوقية عادلة”. وأضافت أنه تم سحب ذلك الإعلان تحديدا وأنه “لا يعكس القيمة النهائية للمبلغ المدفوع”.
فيما قالت بوفارد في مناسبة نظمها مؤتمر النقابات العمالية في ويستمنستر أخيرا: “ضع في حسبانك أنه دون بيانات التدريب، لما كان الذكاء الاصطناعي موجودا. ومع ذلك، دون طلب إذن أو تقديم تعويض مناسب (…) تقوم شركات الذكاء الاصطناعي بسلب أصواتنا وأدائنا وأشكالنا، لتدريب خوارزمياتها على بياناتنا لإنتاج منتج يهدف إلى الحلول محلنا”.
أضافت: “بموجب التشريع الحالي، لا يوجد ما يمكننا فعله حيال ذلك. إن هذا الأمر لا يتعلق فقط بحماية الوظائف، بل يتعلق أيضا بحماية ما يعنيه أن تكون فنانا”.
كان ماركوس هوتون، الذي كان مؤديا صوتيا لمدة ثلاثة عقود، يقوم بجمع قائمة بشركات توليف الأداء أو شركات الذكاء الاصطناعي، حيث وجد أكثر من 60 شركة، التي كان لدى عديد منها تمويل كبير لرأس المال المغامر. مثلا، جمعت شركة إليفين لابز ومقرها لندن هذا الشهر 19 مليون دولار في جولة شاركت في قيادتها شركة أندريسن هورويتز، مع مشاركين منهم المؤسس المشارك لمنصة إنستجرام مايك كريغر وبريندان إيريبي المؤسس المشارك لشركة أوكيولوس.
قال هوتون: “عليك أن ترى الأمر كما هو: أنه تحويل مالي بالجملة من القطاع الإبداعي إلى قطاع التكنولوجيا. هذا واضح جدا: إن المال ينتقل من وعائنا إلى وعائهم. هناك خطر في كل مرة يتقدم فيها فنان الأداء إلى الميكروفون أو الكاميرا، من أنه يمكن استبعاده من حقوق الذكاء الاصطناعي الخاصة به”.
قالت شركة إليفين لابز إنها تعمل مع مؤدي الأصوات ومندوبيهم لفهم كيف يمكن لمنصات مثل منصتهم أن توفر مزيدا من الفرص التجارية للقطاع. وقالت الشركة: “نعتقد أن شركات الذكاء الاصطناعي والمجتمعات الإبداعية يمكنها العمل معا لضمان أن توفر هذه التكنولوجيات طرقا (…) جديدة لتحقيق الإيرادات، مع تمكين منشئي المحتوى من إنتاج محتوى أفضل ويمكن الوصول إليه عالميا بشكل أكبر”.
يشار إلى أن نحو 94 في المائة من العاملين في الصناعات الإبداعية يكسبون أقل من 33280 جنيها استرلينيا سنويا، وهو متوسط الأجر بدوام كامل في المملكة المتحدة، وفقا لمسح أجرته نقابة إكويتي. لكن مستوى الأجور هذا يضعهم في موقف ضعيف في المفاوضات. ففي صناعة تستخدم أصلا عقودا لا ضمير لها ضد الفنانين، أدى دخول الذكاء الاصطناعي فيها إلى إضعاف موقفهم أكثر، وفقا للمحامية بافيس.
قالت شركة ريفويسر لإنتاج الأصوات باستخدام الذكاء الاصطناعي، إن صوت مارستون جاء من خدمة آي بي إم الموجودة على السحابة لتحويل النص إلى كلام. وقد اشترتها الشركة الناشئة من آي بي إم، “كغيرها من آلاف المطورين الآخرين”، بمعدل 20 دولارا لكل مليون حرف منطوق صوتيا، أو ما يقرب من 16 ساعة.
من الناحية القانونية، لا يملك الفنانون سوى قليل من الملتجأ في المحاكم. فقوانين خصوصية البيانات هي التشريع الوحيد الذي يغطي الذكاء الاصطناعي، وقد أعربت حكومة المملكة المتحدة عن رغبتها في فرض تنظيم خفيف للملكية الفكرية والذي سيسمح للذكاء الاصطناعي بالازدهار.
قال مؤدي الصوت هوتون: “لم يتم التطرق لقانون حقوق الطبع والنشر (في المملكة المتحدة) بأي طريقة جوهرية لمدة 25 عاما على الأقل. فهو قانون يسبق ظهور الإنترنت نوعا ما. إن الحقوق الوحيدة التي يتمتع بها فنانو الأداء في الوقت الحالي هي الموافقة. لكن في مجال عملنا، عليك أن توافق. لأنك إذا لم توافق، فلن تعمل ولن تأكل. لذلك هذا يعد موقفا تفاوضيا غير متزن للغاية”.
تدعو نقابة إكويتي، التي تعد هوتون وبوفارد أعضاء فيها، إلى إدراج حقوق جديدة في القانون، تحديدا في العقود محدودة المدة، بدلا من معيار الصناعة المتمثل في التنازل عن الحقوق إلى الأبد. كما تطالب بأن يتضمن القانون الحاجة إلى موافقة صريحة إذا كان سيتم استنساخ صوت الفنان أو جسده بواسطة الذكاء الاصطناعي. وقبل أسبوعين، وضعت النقابة “مجموعة أدوات” توفر بنودا وعقودا نموذجية تدور حول استخدام الذكاء الاصطناعي والتي يمكن للفنانين ووكلائهم الرجوع إليها.
وقال هوتون: “أنا فنان أقوم بأعمال متفرقة (…) وربما واحد من الأجيال الأخيرة من الفنانين العاملين يوميا الذين تمكنوا من شراء منزل أو تربية الأطفال دون أن يكونوا مشهورين بشكل كبير. إنه أمر محبط، لكنني لا أستطيع أن أرى كيف يمكن استدامته (العمل) بعد الآن”.